الثلاثاء، 12 يناير 2016

هل معاناة الشعراء (الغرامية) عن تجربه حقيقية أم من نسج الخيال ؟






هل معاناة الشعراء حقيقة أم من نسج الخيال
بمعنى هل يلزم ان تكون معاناة الشاعر معاناة حقيقية عايشها الشاعر 
ومقترنة بصدق التجربة ؟
ام انها تتقمص وتستقي من خواطر الشاعر ومن نسج خياله ؟
انا لا اتحدت عن عموم الشعر فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم
لحسان ابن ثابت حامل لواء الكلمة الجهادية في معارك الدعوة الإسلامية
اهجهم - أي قريشا – فو الله  لهجاك أشد عليهم من وقع السهام
انما اقصد الشعر الغزلي سواء العفيف منه ومن باب أولى الفاحش القبيح
وللإجابة على ذلك يقول البعض:
ان عنصر الصدق الوجداني للشاعر يوحي بمدى تفاعله بهذه التجربة
وتوحده بها عقليا وشعوريا
فيخلص لهذه التجربة بأن يصور ما يجده في نفسه تصويرا صادقا
يتم عن وحدة الانفعال وعمق الشعور واتساع مداه
وان تجربته الشعرية هذه ماهي الا افضاء بما يكنه في ذاته
من خواطر وأفكار عايشها وتعايش معها معايشة حقيقية
فيدفعه ذلك الى الابداع الفني
وبعبارة أخرى فإن التجربة الشعرية :
هي النتائج النفسية جراء ظرف مرّ به الشاعر عبّر عنها في قصيدته
اذن هي تجربة ناتجه عن معاناة حقيقية 
والمقصود بالمعاناة الحقيقية :
ان يكون الشاعر مرّ بصدق التجربة فعلياً 
فالنص بعمومه يمثل تجربة الشاعر الشعرية
ويمكن أن نتلمس صدق التجربة للشاعر
من خلال نصه
وذلك عن طريق الصدق الذي في النص
فأنت تعرف من خلال النص
أي (من قوة تأثيره ) في قارئه المتذوق للشعر  

إن حقيقة تجربة الشاعر 

وتفاعله الناصع مع قصيدته

يمثل الصّدق في الشّعر 

وهو ربط كل تفاصيل الشعر

بالصّدق في التشبيه والصدق في المشاعر

فالصّدق هو السلامة من الخطأ 

في اللفظ والتّركيب والمعنى

وأن تكون القصيدة صادقة في التعبير

عن ذات الشاعر

وهو ما يطلق عليه بصدق الشاعر

مع تجربته الشعرية

ونسميه في المفهوم الادبي

ب(التجربة الشعرية) 

والبعض الاخر يقول:
لا يلزم الشاعر ان يكون بالضرورة قد عايش الواقعة أي عايش الحدث
ومر بالتجربة فهناك شعراء رثوا أبناء غيرهم رثاء صادق نابعاً من القلب
وهناك شعراء تغزلوا بنساء لم يكن لهن وجود في حياتهم
انما تمثلوا تجربة لهم معهن واسعفتهم قوة المخيلة على اقناعنا بحقيقة
علاقتهم بهن وعلى سبيل المثال الشاعر جرير الذي قال عن نفسه:
ما عشقت قط ولو عشقت لقلت شعراً تسمعه العجوز
فتبكي على ما فاتها من شبابها ومعروف ان جرير لم يعشق
وعلى الرغم من ذلك فإن غزله من ارق الغزل في الشعر 

بل ومن أكثره تأثيرا في النفوس فقد مزج الغزل الجاهلي بأسلوب الغزل العذري
يقول في احدى قصائده التي يصف المرأة متغزلا بها :

يا ام عمـرو جـزاك الله مغفرة  *** ردي علـي فـؤادي مثلمـا كانا

لقد كتمت الهـوي حتـي تهيمني *** لا أستطيـع لهذا الحب كتمانا

إن العيون التي في طرفهـا حور ***  قتلننا ثـم لـم يحييـن قتلانـا

يصرعن ذا اللب حتي لا حراك به *** وهـن أضعـف خلـق الله أركانا 

أما انا فأميل الى الرأي الثاني  وهاكم الدليل :
كنت في احد اعوام رمضان المبارك الماضية في مكة المكرمة وحيداً
ولكون الوحدة صعبة  فقد كنت امني النفس بالزواج من امرأة تحب مكة
المكرمة وتكون رفيقة دربي ونسير معا في هذه الحياة الى الله
وفي يوم عيد الفطر المبارك وبعد صلاة العيد
ذهبت الى وقف الملك عبدالعزيز للإفطار في المطعم
المطل على المسجد الحرام بعد صلاة العيد مباشرة
وبعد الانتهاء من الإفطار جلست اتأمل المكان وحيداً 
وتخيلت امرأة جالسة بالطاولة التي امامي ترمقني من بعيد  
فقلت فيها قصيدة
مع انه لا يوجد احد في المطعم الا انا وعامل النظافة
أقول فيها:

أفاطم أصيب الفؤاد بعدكم بلوعة(1)***لاعهُ الحب (2) وانفتق القلب وأنفطر
يا ظبية قد كسا لون الورد خدها ياقوتة***جاءت في طريقي يوم عيد الفطر
ترنوا النظر(3) في سكون طرف ناعس **** رمتني بمقلتيها بسهم من نظر
تبوح العيون بالحب اذا نطق الجسد **** وقد شغف الفؤاد بحبها بعد البصر
لها نظرة خجولة تستحي من رفعها **** ونظرات جانبية تسترق فيها النظر
أكتم هواها وأسمع نداها وأنا في هواها *** مغرم فما حيلتي والهوى قدر
متيم قلبي في هواها محب **** كم تمنيت أن أكمل معها باقي العمر
معاني الكلمات:
1- اللوعة : حرقة في القلب والم يجده الانسان من الحب
2- لاعه الحب : أي أمرضه 
3- ترنوا النظر : أي تديم النظر

           إذاً ليس بالضرورة ان تقع هذه التجربة وتكون حقيقة في حياة الشاعر نفسه
انما هي قصص ببراعة حبكها الروائيون من بعده على اشعاره
فعمر بن أبي ربيعة أقوى شاعر غزلي في الدولة الأموية
كان نزيه ويقسم أنه لا علاقة له بالنساء سوى ما قاله في قصائده فقط
وقصة كعب بن زهير صاحب القصيدة التي انشدها
بين يدي افضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم
فقد ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم زاد المعاد
عن محمد بن إسحاق وهي القصة التي أنشد فيها قصيدته المشهورة :
(بانت سعاد(  اذ يقول فيها :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ ظعنوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
وبعد هذا البيت أبيات كثيرة في وصف المرأة
ان الشعراء سابقا هم رمز الاعلام خاصة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم
وكان للشعراء وسيلة تأثير هامّة في المجتمع آنذاك وفي عصرنا الحاضر أيضاً
لان العرب خاصة كانوا أهل شعر وفصاحة
وان الشعر احساس ومعاناه لكن ليس بالضرورة ان يمر الشاعر بتجربة
لان الشاعر المبدع يكون لديه قوة الإحساس والتصوير
ليشعر المتلقي كانه يشاهد الحدث بعينه
اما المعناة ليس شرطاً وضربنا مثالا لذلك الشاعر جرير
وليس بالضرورة ان تقع هذه التجربة وتكون حقيقة في حياة الشاعر نفسه
انما هي قصص ببراعة حبكها الروائيون من بعده
فاذا استثنينا أمرئ القيس فهو صرح ولم يلمح في اشعاره
وفي الغالب ان شخصية قيس بن الملوح كانت شخصية حقيقية
ومع ذلك هل صدرت تلك الأفعال من قيس بن الملوح ام انها من جعبة الروائيين
اظن والله اعلم ان الروائيون حبكوا هذه القصص والصقوها في شخصية قيس بن الملوح
ومثال ذلك قولوهم:
مر قيس بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم بارد

فأنشأ يقول :

بربك هل ضممت اليك ليلى ***** قبيل الصبح أو قبلت فاها
وهل رفت عليك قرون ليلى ***** رفيق الاقحوانة في نداها

فقال زوجها : اللهم اذ حلفتني .. فنعم

فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر فما فارقهما حتى سقط مغشيا عليه
وسقط الجمر مع لحم راحتيه وعض شفتيه فقطعهما ثم مات

ثم حق لنا ان نتساءل:
 من هي ملهمة الشاعر ابراهيم ناجي في قصيدته ( الاطلال )!؟    
التي ألهبت مشاعره وأحاسيسه 
وعبّر فيها برمزية عن مشاعره وأحاسيسه بعيداً عن الإباحية 
وتجلّى ذلك من خلال عاطفته في تلك القصيدة الرومانسية 
فقد ذُكرت روايات كثيرة ومتعددة ومختلفة
ان بعض النساء في عصر الشاعر ادعين انها قيلت فيهن
الا ان ابنة الشاعر ابراهيم ناجي (أميره) ذكرت ان السبب الحقيقي
الذي قيلت فيه تلك القصيدة
كما صرحت هي لوكالة الاهرام للصحافة في الحوار الذي اجراه معها 

الكاتب محمد عبدالرحمن الذي وجه لها سؤلاً:
من تكون ملهمة الدكتور ناجي في قصيدة الاطلال ؟
فقالت:
كتب ابي قصيدة الاطلال لفتاة تدعى عفت وهي الحب الأول في حياة ابي
فكان حب مراهقة في أيام الصبا
وعفت هذه ابنة الجيران وكان بين عائلتنا وعائلة عفت صداقه قويه
وزيارات عائليه متبادلة
فتعلق ابي بعفت ولكنها لم تكن تتحدث العربية فتعلم ابي الفرنسية من اجلها
وكتب فيها تلك القصيدة
وظل والدي يحب عفت في صمت دون ان يخبرها بحقيقة شعوره
واقتصر حبه على النظرات والهمسات فقط
وعندما تزوجت عفت ..
أصيب ابي بصدمه عاطفيه حاده وظل مضربا عن الزواج
ثم كتب قصيدة الاطلال يصف فيها حبه معها
وهي القصيدة التي أدّت الى اتساع شهرته بين اقرانه الرومانسيين
من شعراء مدرسة ابوللو
وقد علق احد الشعراء من مدرسة ابوللو بقوله:
ونحن لا نعلم بصحة قول ابنة الدكتور ابراهيم ناجي الكبرى ( اميره )
والذي اريد ان اصل اليه:
ان الشعر يقوم علي الخيال والعاطفة وهي خاصة بالشاعر    
ولا يلزم ان يكون الشاعر قد عايش الواقعة او مرّ بالحدث والتجربة
ولكن يأتي ادباء بعد الشعراء ويؤلفون في كتبهم الأدبية
قصص من نسج مخيلتهم الواسعة زورت الحقيقة وعبثت في الكثير منها
والله اعلم

orent
ابوعبدالعزيز
خليفه عبدالعزيز الدريس

لاح لي في الرياض ظبي


لاح لي ظبي

لاح
(1) لي في الرياض ظبي(2)*** منه دُجَى اللَّيْلِ(3) أَسفَرَ(4)
مُتستَّر(5) بليل الظلام *** شبيه الغزال الأَعْفَر(6)
لما خشى اللحَظَ (7) مني *** أسدل على الوجه الشعر
مبسمه فَتَّتَ
(8) قلبي *** وأنا لا اتغزل بالثغر
فتذكرت قول ربي
(9) *** فغَضُّضُّتُ عنه البصر(10)
اذا انت هممت بأمر *** جانب النفس هواها واصطبر(11)
رب نظرة زرعت شهوة *** فالعين تزني وزناها النظر(12)

orent
ابوعبدالعزيز

معاني الكلمات:

1- لاَحَ: أي ظهر وبدا للنَّظر إمّا فجأة وإمّا شيئًا فشيئًا ويقال لاح الشَّيبُ في رأسه ولاح البرقُ ولاح الهلال
2- أول ما يولد الظبي يسمى الطلا ثم الخشف ثم الغزال ثم الشادن
3- دُجَى اللَّيْلِ : سَوَادُهُ وظُلْمَتُهُ
4- أَسفَرَ الشَّيءُ: أي ظهر- وضَح - انكشف - أشرق وأضاء
5- مُتستَّر أي اختبأ و تغطّى
6- الأَعْفَر : الظبى يعلو بياضَه حمرةٌ
7- اللحَظَ: يقال لحَظ إلى فلان: أي نظر إليه بمؤخر العين عن يمين ويسار
8- فَتَّتَ قلبي: يقال فَتَّتَ الأَكْبَادَ وَالْقُلُوبَ أي: سَبَّبَ الْحُزْنَ وَالأَلَمَ
9- قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم
10- غَضُّضُّتُ الطَّرْفِ : أي صَرْفُتهُ
11- الفرق بين اصبر واصطبر : أن اصطبر أوكد في المعنى لان العرب إذا زادت في المبنى زادت في المعنى - كما يقولون - والزيادة في المعنى هنا هي التوكيد
12- عن ابي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه