السبت، 25 مارس 2017

يا ابن الستين اذا لم تعد الان متى تعود ؟


يا ابن الستين أعذرك الله طول هذه المدة فمتى تعود؟

لقد جعل الله هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرة دار جزاء وثواب

فيا عبدالله بـادر الى التوبة قبل أن تغادر

كان قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام 

فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم

فاستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك

فأنزل الله تبارك وتعالى آية يعلمهم أن الله قابل توبة من تاب منهم

 فنزلت هذه الآية قال تعالى:
( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( 68 )  يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا  ( 69 ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات 
وكان الله غفورا رحيما ( 70 ) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ( 71 )

فبـادر يا عبدالله الى التوبة قبل أن تغادر هذه الدنيا 

وأحرص على الاعمال الصالحة التي تنفعك يوم لا ينفع نفس الا ما قدمت من عمل

وقبل أن يحول الموت بينك وبين التوبة

وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( أعذر الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغه ستين سنة ) رواه البخاري

قال الحافظ في الفتح والإعذار : إزالة العذر

والمعنى : أنه لم يبق له اعتذاركأن يقول:

 لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به

قال النووي : قال العلماء : معناه لم يترك له عذراً إذ أمهله هذه المدة انتهى.

إن من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر وأقيمت عليه الحجة

لقوله تعالى:
(أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ) [فاطر : 37]

أي عمرتم عمراً كافياً كي تعرفوا الله

والنذير: الشيب

والله اني لأعجب لرجل في سن الستين تارك للصلاة

وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة. رواه مسلم 

وفي مسند أحمد وفي السنن الأربع بإسنادٍ صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر

قال العلامة ابن باز رحمه الله:

وهذا وعيد عظيم يدل على كفر تارك الصلاة. نسأل الله العافية (1)

ان عمر الإنسان مزيج من الخبرات والتجارب وفيه محطات يمر بها على مراحل

تبدأ بالصفر الى قبل سن العاشرة للصبي تسمى مترعرع (ورع)

ثم سن العاشرة فيها يبدأ التكليف

أما السن المُمتدة من سن 15 إلى 21 يسمى مراهق ويسمى سن البلوغ

وهي فترة متقلبة وصعبة يمرعليها الإنسان وتكون بمثابة الاختبار الأول له

ثم سن الواحد العشرين وهي مرحلة فارقة في عمر الإنسان

يودع فيها المراهقة ويدخل مرحلة الشباب وتعتبر بداية الاستقلالية

ثم تليها سن الثلاثين والتي تعني عند الرجل وضوح الرؤية

وهو سن اعمار أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم

ثم سن الاربعين وفيه قوة العقل والبدن وله ميزة على كل محطات العمر

وهو العمر الذي يكون الإنسان فيه قادر على ان يفهم كل الفئات العمرية 

ويعايشها ويتحدث بمشاعرها

وهو سن النبوة فأُنْزِلَ القران على محمد صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سنه

وقالوا ان الانبياء في الغالب يبعثون في سن الاربعين

ومن مميزات هذا السن ان خصه الله في القرآن بدعاء مميز في قوله تعالى:

(حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(الأحقاف - 15)

ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صيد الخاطر فقال:

فإذا بلغ الأربعين انتهى تمامه وقضى مناسك الأجل ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن

كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا *** إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ

فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة

ويكون كل تلمحه لما بين يديه ، ويأخذ في الاستعداد للرحيل انتهى كلامه.

في الغالب ان سن الاربعين فيه تفقد اللذة الحسية أحد عناصرها الثلاث وهي:

1- المال الوفير
2- الوقتٍ المديد
3- الصحة العالية

وعندما يفقد الانسان الصحة يفقد أحد الشروط الثلاث  فلا يرى سبباً للسعادة

في سن الاربعين في الغالب يظهر الشيب وهو منحنى من منحنيات العمر
في سن الاربعين إذا لم ترجع لربك فمتى ترجع ؟
في سن الاربعين ندرك القيمة الحقيقية للأشياء
في سن الاربعين ننظر الى أبنائنا فنراهم قد غدوا كإخوان لنا
في سن الاربعين باختصار يبدأ الحصاد

ان سن الاربعين قبلها ضعف وبعدها ضعف

 قال الله سبحانه وتعالى:
( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) (الروم : 54)

وما أحسن قول الشاعر:

صَبَا ما صَبَا حَتى عَلا الشَّيبُ رأسَهُ *** فلمَّا عَلاهُ قال للباطل ابطُل

يقول احد الحكماء في سن الأربعين يشعر الواحد منا وكأنه على قمة جبل
ينظر الى السفح الاول: فيرى طفولته وشبابه ويجد ان مذاقهما لا يزال في اعماقه

وينظر الى السفح الآخر:

فيجد ما تبقى من مراحل عمره ويدرك كم هو قريب منها

أما سن الخمسين فهو السباق الى تدارك ما فات 

وهو افضل مراحل عمرالانسان بالنسبة للرجل 

من حيث الخبرات ‏المتراكمة في الحياة الاجتماعية والعملية

وهو ذروة الإنجاز في شتى مجالات الحياة

أما سن الستين هو كمال الوعي

لان الإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين

ثم يشرع بعد هذا في النقص والهرم 

كما قال الشاعر:

إذَا بَلَغَ الفتَى ستينَ عَاما *** فقد ذَهَبَ المَسَرَّةُ والفَتَاءُ

أما سن السبعين قال صلى الله عليه وسلم:

(أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)

يقول الشاعر:

يسر المرءَ طولُ عيشٍ*** وطولُ عيشٍ قد يضره
تفنى لذاذتُه ويبقى*** بعد حلوِ العيشِ مُرُّه
وتسوؤه الأيامُ حتى*** ما يرى شيئاً يسرُّه

ذكر ابن الجوزي - رحمه الله - في كتابه صيد الخاطر

فإن طمع في السبعين

فإنما يرتقي إليها بعناء شديد إن قام دفع الأرض وإن مشى لهث وإن قعد تنفس

ويرى شهوات الدنيا ولا يقدر على تناولها

فإن أكل كد المعدة وصعب الهضم وإن وطيء أذى المرأة فهو يعيش عيش الأسير

أما سن الثمانين فإن طمع في الثمانين فهو يزحف إليها زحف الصغير

وعشر الثمانين من خاضها فإن الملمات فيها فنون فالعاقل من فهم مقادير الزمان انتهى كلامه.

وقد وصف ابن أبي الشريف الاندلسي 

المراحل العمرية للإنسان بأبيات جميلة يقول فيها:

ابن عشر من السنين غلام *** رفعت عن نظيره الأقلام
ابن عشرين للصبا والتصابي *** ليس يثنيه عن هواه كلام
والثلاثون قوة وشباب *** وهيام ولوعة وغرام
فإذا زاد بعد ذلك عشرا *** فكمال وشدة وتمام
وابن خمسين مر عنه صباه *** فيراه كأنه أحلام
ابن ستين صيرته الليالي *** هدفا للمنون وهي سهام
وابن سبعين لا تسلني عنه *** فابن سبعين ما عليه كلام
فإذا زاد بعد ذلك عشرا *** بلغ الغاية التي لا ترام
وابن تسعين عاش ما قد كفاه *** واعترته وساوس وسقام
فإن زاد بعد ذلك عشرا *** فهو حيُ كميتٍ والسلامُ

قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في كتاب الفوائد :

( فمن لم يورثه التعمير وطول البقاء إصلاح معائبه ، وتدارك فارطه ، واغتنام بقية أنفاسه
فيعمل على حياة قلبه ، وحصول النعيم المقيم ، وإلا فلا خير له في حياته فإن العبد على جناح سفر  إما إلى الجنة ، وإما إلى النار

فإذا طال عمره ، وحسن عمله ؛ كان طول سفره ؛ زيادة له في حصول النعيم واللذة
فإنه كلما طال السفر إليها ؛ كانت الصبابة أجل وأفضل

وإذا طال عمره وساء عمله ؛ كان طول سفره ؛ زيادة في ألمه وعذابه ونزولاً له إلى أسفل
فالمسافر ؛ إما صاعد ، وإما نازل ، وفي الحديث المرفوع
خيركم من طال عمره ، وحسن عمله ، وشركم من طال عمره ، وقبح عمله )

يقول النابلسي

العمر الحقيقي للإنسان هو مقدار الأعمال الصالحة التي فعله فيه

العمر الحقيقي للإنسان ليس هو مجموعة السنوات التي يقضيها الإنسان بين ولادته و بين دفنه

لكن العمر الحقيقي للإنسان هو مقدار الأعمال الصالحة التي فعلها في هذا العمر

الإنسان قد يعيش مئة وثلاثين عاماً ومع ذلك ربما لا نعرفهم

وقد يعيش عمراً قصيراً مفعماً بالأعمال الصالحة

فبعض الأئمة والعلماء عاشوا أقلَّ من خمسين عاماً ، ومع ذلك ملأ علمُهم الآفاق  

وسارت بأخبارهم الركبان

فالعبرة في العمر لا بمدته بل بغنائه بالعمل الصالح

يقول ابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم:

رُبَّ عمر اتسعت آمادُه و قلَّت أمدادُه ، و رب عمر قليلة آماده كثيرة أمداده
ومن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالى
ما لا يدخل تحت دوائر العبارة و لا تلحقه الإشارة انتهى كلامه

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

العمر الحقيقي للإنسان هو عمره بعد موته

قال أبو العتاهية:

يا نَفْسِ ! ما هوَ إلاّ صَبرُ أيّامِ ، ** كأنَّ لَذَّاتِهَا أضغاثُ أحلامِ
يا نَفسِ ! ما ليَ لا أنْفَكّ مِنْ طمعٍ ** طرفِي عليهِ سريعٌ طامحٌ سامِ
يا نَفْسِ ! كوني ، عن الدّنيا ، مُبعدةً ، ** وَخَلّفّيها ، فإنّ الخَيرَ قُدّامي
يا نَفْسِ ! ما الذُّخرُ إلاّ ما انتَفَعتِ به ** بالقَبرِ ، يَوْمَ يكونُ الدّفنُ إكرامي
وَللزّمانِ وَعيدٌ في تَصَرّفِهِ ، ** إن الزمانَ لذو نَقْضٍ وإبرامِ
أمّا المَشيبُ فقَد أدّى نَذارَتَهُ ، ** وَقَدْ قَضَى ما عَلَيْهِ مُنذُ أيّامِ
إنّي لأستَكْثِرُ الدّنْيا ، وأعظِمُها ** جهلاً ولم أرَهَا أهلاً لإعظامِ
فَلَوْ عَلا بِكَ أقْوامٌ مَناكِبَهُمْ ، ** حثُّوا بنعشكَ إسراعاً بأقدامِ
في يومِ آخرِ توديعٍ تودعهُ ** تهدي إلى حيث لا فادٍ ولا حامِ
ما الناسُ إلا كنفسٍ في تقاربهِمْ ** لولا تفاوتُ أرزاقٍ وأقسامِ

نسأل الله عزَّ وجلَّ حسنَ الختام وحسن المنقلب
ونسأله يقظة تامة ، تصرف عنا رقاد الغفلات
وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال
والله الموفق

orent
ابوعبدالعزيز

1-     الموقع الرسمي لسماحة الامام ابن باز
2-     تفسير الطبري - سورة الأحقاف - الآية 15