الخميس، 7 ديسمبر 2017

خليف المطفوق والشيخ ساجر .. قصة واقعية





خليف المطفوق والشيخ ساجر

هذه قصة مشهورة واقعية حقيقية من تراث شبه الجزيرة العربية

وموثقة بأبيات شعرية وهي قصة من قصص التراث الشعبي

وقعت احداثها مع الشيخ ساجر العنزي

وهذه القصة تصور حياة رجل بسيط اشتهر بانه نحس سيئ الحظ وأرفل

وسيئ الحظ هذا أسمه خليف الذي أشتهر:

بالطفاقة – والرفالة – والعجلة
   
والطفاقة : صفة تطلق على الشخص كثير الاستعجال

 كثير الحركة غير متزن ولا هاديء

ويقوم بتصرفات حمقاء أو أعمال غير مدروسة وغير محسوبة

وتكون النتائج غير جيده وسيئة ترجع على صاحبها بالمتاعب والخسارة

ويكون موضع سخريه أمام الآخرين

إن خليف وسوء الحظ تؤامان سياميان لا ينفصلان ويرفض أحدهما مفارقة صاحبه

وأليكم القصة يا سادة:

يقال أنه في يوم من الايام اراد قوم خليف وربعه أن يبحثوا عن الربيع

وقالوا: لن نأخذ خليف معنا لنحسه إذ لا فائدة ترجئ منه

وأسم خَلِيفُ عند أهل البادية مشتق من المُتَخَلِّف كما جاء في المعاجم العربية

وهو من يتخلف عن مرافقة الرجال سواءً كان ذلك في الغزو

أو في طلب الرزق بأن يبقى مع الخوالف

فقرر قومه تركه وحده هو وأمه في بيت الشعر وذهبوا عنه

وبعد رحيل قوم خليف أصبح وحيداً هو وأمه

فقرر خليف الذهاب الى أحد مجاوريه في البر الذي لا يبعد عنه كثيرا

وهو الشيخ ساجر الرفيدي العنزي الذي عرف عنه الكرم والحلم

وهو أحد شيوخ قبيلة عنزه ميسور الحال

فقدم خليف على الشيخ ساجر والشيخ لا يعرفه ولا يعرف أي شيء عنه

فقال خليف للشيخ ساجر:

إن ربعي ذهبوا عني وتركوني أنا وأمي وحيدين

وانا والله ما عندي عشى هذه الليلة ولا زاد أسد به جوعي وجوع أمي

قال له الشيخ ساجر على الرحب والسعة الله يحيك جب أمك وبيت الشعر وجاورنا

فضرب خليف خيمته بجوار الشيخ ساجر وكان الزمن في رمضان

والشيخ ساجر مشهور عنه القنص

وفي الغد قال الشيخ ساجر لخليف لعلك تخاويني الى الصيد

رحب خليف بالدعوة ورافق الشيخ في رحلة القنص تلك
 
كان للشيخ ساجر طير أسمه حطاب وكلب صيد أسمه خطاف 
أخذهما معه في تلك الرحلة
فلما قطعا مسافة في البر ظهرت لهم حباري فقام الشيخ وأطلق عليها الطير حطاب

وبدأ الطير يرتفع في السماء وينقض على الحباري وخليف يشاهد تلك الحركات

وبينما الطير في انقضاض على الحباري

 أخذ خليف بندقيته وصوبها نحو الحباري يريد صيدها فأصاب الطير فقتله خطأً

فقال الشيخ ماذا فعلت يا خليف قال والله يا عم هذا الي صار

أردت إصابة الحباري فأصبت الطير

فسكت الشيخ ساجر على فعل جاره وقال خير أن شاء الله

وواصلا المسير في تلك الرحلة

وبعدما قطعوا مسافة ظهر لهم أرنب فأطلق الشيخ ساجر كلبه السلوقي خطاف

وبدأ السلوقي يحوش الارنب عليهم وبينما السلوقي يحوش الارنب

قام خليف وأخذ رمح معه وهو سلاح قنص يستخدم من مسافات قريبة

وكانت القبائل تستخدمه في الحروب وفي رحلات الصيد

هذه المرة استخدم خليف الرمح بدلا من البندقية خوفا من قتل الكلب

فرمى الارنب وأخطأ الهدف وأصاب الكلب في مقتل فقتله

قال الشيخ ساجر لخليف وش سويت يا خليف قال والله يا عم هذا الي صار
 
فأصبح الشيخ ساجر مهموما بفقده طيره حطاب وكلبه خطاف

بسبب عجلة خليف وطفاقته وسوء تدبيره الارعن

فكظم الشيخ غيظه وقال خير ان شاء اليوم مالنا نصيب في الصيد

وهم بالعودة بعد أن فقد حطابا ًوخطافاً

وعاد الشيخ ساجر وخليف الى منزليهما ووصلا وقت العصر

وكانوا في شهر رمضان
  
فقام الشيخ بعمل أفطاره فجهز القهوة والتمر منتظراً أذان المغرب للإفطار

ووضع أمامه التنباك المحشو في العظم

وكان البدو قديما يستخدمون عظم ساق الخروف أو التيس لغرض التتنبك

وجعله كسيجار يحشونها بالتبغ ويدخنون كما هو التدخين اليوم

واعتيادها قديما لاعتقادهم ان السجائر والقهوة تزيد الشعور والنشاط والتركيز

حتى إن أحد شعرائهم يصف حاله مع القهوة وشرب الدخان فيقول:

لولا شراب العظم يومني أملاه *** أكويه بالجمرة ويكوي جروحي

مع دلة صفرا على النار مركاة *** أبصر بصبتها على كيف روحي

وقال شاعر آخر

ياما حلا الفنجال والعظم ولعان *** ومعطش يغذي خوى الراس عني

أما خليف فعاد لخيمته وقص لامه ما حدث معه عندما رافق الشيخ ساجر

في رحلة الصيد فأمسكت الام رأسها وقالت:

حسبي الله عليك وش سويت ما بقى الا أنك تقتل الشيخ ساجر

ثم قالت: الشيخ ساجر له حق علينا يجب ان تذهب له الان وتقبل رأسه وتعتذر منه

وبينما الشيخ ساجر جالس في خيمته ينتظراً الأذان ليفطر وامامه دلة القهوة والتمر

اذا بخليف داخلا عليه في خيمته يريد الاعتذار منه لما بدر منه هذا اليوم

فأقبل نحو الشيخ ساجر يريد تقبيل رأسه فتعثر فكب دلة القوة

فأرتبك خليف فتراجع للوراء فدعس على السبيل (عظم التنباك ) وكسره

هنا نفد صبر الشيخ ساجر وقال له :

يا خـــليف لقد ذبحت الطير والسلوقي وكسرت سبيلي وكبيت الدلة

يا خليف خذ كل ما تبي مني بس ارحل عني

ثم أنشد الشيخ ساجر هذه الابيات :

البارحة بالليل مـا تريـد حالي *** قضيت انا ليلي حزين ٍ ومحتار

مصيبة ٍ مـا شفتهـا بالليالي *** يا تقل يوهج بالضماير لهب نـار

مصايب ٍ جنّي مـن اول وتالي *** أربع مصايب لوعني من الجار

الأوله حطـاب يعـدل عيالي *** أشقر عديم ولا برق الريش نثار

والثانية خطاف ما له مثالي *** شره ٍ عل تيس الجميلة ليا نار

والثالثة سوّيت صفـر الدلالـي *** وقصرتها وفاحت علي بن وبهار

والرابعة بالعظم تتـن الشمالي *** وافلست منهن حين حزّات الافطار

يا ليت جتني قوم وافنت حلالـي *** اصبر على مر الليالي والاعزار

من صرت انا مهزابة للرجالي *** وكم واحدنً هدمت بيته على النار

جيته بربع يبعدون المدالي *** سباع بر فوق نزاع الازوار

قدة السبايا مع فجوجن خوالي *** وخليت غارتها على القوم تنهار

ما شفت مثل خليف قليل والي *** من خلقة البدوان ما مثلها صار

وكما يقال أن لكل زمان ومكان خَلِيفُ

الا أن الشيء الجميل والحسن في شخصيّة خَلِيفُ حُبّه لمساعدة الآخرين

والرغبة في الأعمال التطوعية الخيرية

لكن هذه الشخصية نادراً ما تجيد ما يسند اليها من اعمال ومهام

بل أنه ينتج عن أفعال تلك الشخصية نتائج وخيمة غير سليمة

وفي المقابل اذا انتقدنا شخصية خليف فأننا نثني على خلة جميلة في الشيخ ساجر

والمتمثلة في حلمه وصبره

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس المنذر بن عمرو

(إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ)

بارك الله في الجميع

orent

ابوعبدالعزيز




.

.

الأحد، 19 نوفمبر 2017

أول ليلة القبر




تخيلوا معي أول ليلة القبر فالموت حق علينا جميعاً
  
فيا أخوان اعملوا لمثل هذا اليوم وهوله

إن الإنسان خلق لعبادته سبحانه وينبغي للانسان ان يعيش حياته يبتغي بها 

وجه الله عز وجل

حتى يصل إلى المبتغى الحقيقي ألا وهي جنة الله التي أعدت للذين عملوا عملاً صالحاً

قال تعالى:

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)


وفي رواية عند مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ:

( قُولُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ

مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ )


وقد اختلف العلماء في حكم هذه الاستعاذة :

فذهب جمهور منهم إلى استحبابها وذهبت طائفة منهم إلى وجوبها

فالعمل بالأعمال الصّالحة استعداد لهذه الليلة وما بعدها مطلب لكل مسلم مؤمن

فالقبر: موطن العظماء والحقراء والحكماء والسفهاء

ومَنزل الصالحين ومستودع الأعمال وجني الحصاد

يقول الوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي


إني أبثك من حديثي *** والحديث له شجون

فارقت موضع مرقدي *** ليلا ففارقني السكون

قل لي فأول ليلة *** في القبر كيف ترى أكون


استمعوا للشيخ الدكتور عمر عبد الكافي في هذا الفيديو:


وهذه آيات من سورة الفرقان مؤثرة بصوت الشيخ ياسر الدوسري

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا)

https://www.youtube.com/watch?v=0IF1Lw_Vs6Y

أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة والثبات والاستمرار في طريق الهداية على الخير

والسعي الدائم للاستزادة وملازمة صراطهِ المستقيم

والمداومة عَلَى الطَّاعَةِ وَالْـحَذَرَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْـمَعَاصِي وَالْـمُـحَرَّمَـاتِ

وصل الله وسلم على سيدنا محمد

  
orent
ابوعبدالعزيزيز




.

الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

يا بنتي



يا بنتي

رحم الله الشيخ علي الطنطاوي فعلا الناس صنفان:
موتى لا حياة لهم واخرون ببطن الارض احياء

هذه وصية للشيخ علي الطنطاوي موجهة لابنته ولكل بنت مسلمه يقول فيها:

يا بنتي انا رجل يمشي الى الخمسين قد فارق الشباب وودع احلامه واوهامه

ثم اني سحت في البلدان ولقيت الناس وخبرت الدنيا

فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي لم تسمعيها من غيري

لقد كتبت وناديت ندعو الى تقويم الاخلاق ومحو الفساد وقهر الشهوات

حتى كلت منا الاقلام وملت الالسنة وما صنعنا شيئا ولا ازلنا منكرا

بل ان المنكرات لتزداد والفساد ينتشر والسفور والحسور والتكشف تقوى شرّته

وتتسع دائرته ويمتد من بلد الى بلد حتى لم يبق بلد اسلامي فيما احسب في نجوة منه

حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة

وفيها الغلو في حفظ الاعراض وستر العورات

قد خرج نساؤها سافرات حاسرات كاشفات السواعد والنحور..

ما نجحنا وما اظن اننا سننجح

اتدرين لماذا؟

لأننا لم نهتد الى اليوم الى باب الاصلاح ولم نعرف طريقه

ان باب الاصلاح امامك انت يا بنتي ومفتاحه بيدك

فاذا امنت بوجوده وعملت على دخوله صلحت الحال

صحيح ان الرجل هو الذي يخطو الخطوة الاولى في طريق الاثم لا تخطوها المرأة ابدا

ولكن لولا رضاك ما اقدم ولولا لينك ما اشتد

انت فتحت له وهو الذي دخل

قلت للص تفضل .. فلما سرقك اللص صرخت اغيثوني يا ناس سرقت
 .....
ولو عرفت ان الرجال جميعا ذئاب وانت النعجة لفررت منهم فرار النعجة من الذئب

وانهم جميعا لصوص لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص

واذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها

فالذي يريده منك الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة

وشر عليك من الموت عليها

يريد منك أعز شئ عليك:

عفافك الذي تشرفين ، وبه تفخرين ، وبه تعيشين

وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها

أشد عليها بمئة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها
 ...
إي والله، وما رأى شاب فتاة إلا جردها بخياله من ثيابها ثم تصورها بلا ثياب

إي والله ، أحلف لك مرة ثانية ، ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال

من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها وأدبها

وأنهم يكلمونها كلام الرفيق ، ويودونها ود الصديق كذب والله

ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم لسمعت مهولا مرعبا

وما يبسم لك الشاب بسمة ، ولا يلين لك كلمة ، ولا يقدم لك خدمة

إلا وهي عنده تمهيد لما يريد ، أو هي على الأقل إيهام لنفسه أنها تمهيد

وماذا بعد؟

 ماذا يا بنت؟

فكري تشتركان في لذة ساعة

ثم ينسى هو وتظلين أنت أبدا تتجرعين غصصها

يمضي (خفيفا) يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عرضها

وينوء بك أنت ثقل الحمل في بطنك ، والهم في نفسك ، والوصمة على جبينك

يغفر له هذا المجتمع الظالم ، ويقول:

شاب ضل ثم تاب
وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة

لا يغفر لك المجتمع أبدا

ولو انك إذ لقيته نصبت له صدرك

وزويت عنه بصرك ، وأريته الحزم والاعراض ...

فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد

وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد

نزعت حذاءك من رجلك ، ونزلت به على رأسه

لو أنك فعلت هذا ، لرأيت من كل من يمر في الطريق عونا لك عليه

ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار

ولجاءك _ إن كان صالحا _ تائبا مستغفرا يسأل الصلة بالحلال

جاءك يطلب الزواج. والبنت مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة والجاه

لا تجد البنت أملها الاكبر وسعادتها إلا في الزواج

 في أن تكون زوجا صالحة ، وأما موقرة ، وربة بيت

سواء في ذلك الملكات و الاميرات

وممثلات هوليود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع كثيرات من النساء

وأنا أعرف أدبيبتين كبيرتين في مصر والشام ، أديبتين حقا

جمع لهما المال والمجد الادبي

ولكنهما فقدتا الزوج فقدتا العقل وصارتا مجنونتين

ولا تحرجيني بسؤالي عن الاسماء إنها معروفة

 الزواج اقصى اماني المرأة ولو صارت عضوة البرلمان وصاحبة السلطان

والفاسقة المستهترة لا يتزوجها احد

حتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج ان هي غوت وسقطت تركها وذهب

اذا اراد الزواج- فتزوج غيرها من الشريفات

لأنه لا يرضى ان تكون ربة بيته وام بنته امرأة ساقطة

والرجل وان كان فاسقا داعرا

اذا لم يجد في سوق اللذات بنتا ترضى ان تريق كرامتها على قدميه

وان تكون لعبة بين يديه

إذ لم يجد البنت الفاسقة او البنت المغفلة التي تشاركه في الزواج على دين ابليس

وشريعة القطط في شباط طلب من تكون زوجته على سنة الاسلام

فكساد سوق الزواج منكن يا بنات لو لم يكن منكن الفاسقات

ما كسدت سوق الزواج ولا راجت سوق الفجور ..

فلماذا لا تعملن؟
لماذا لا تعمل شريفات النساء على محاربة هذا البلاء؟

انتن اولى به واقدر عليه منا

لأنكن اعرف بلسان المرأة وطرق افهامها

ولأنه لا يذهب ضحية هذا الفساد الا انتن

البنات العفيفات الشريفات البنات الصيّنات الديّنات

في كل بيت من بيوت الشام بنات في سن الزواج لا يجدن زوجا

لان الشباب وجدوا من الخليلات ما يغني عن الحليلات

ولعل مثل هذا في غير الشام ايضا ...

فألفن جماعات منكن من الاديبات والمتعلمات

ومدرسات المدرسة وطالبات الجامعة تعبد أخواتكن الضالات الى الجادة

خوّفنهن الله فان كن لا يخفنه فحذرهن المرض

فان كن لا يحذرنه فخاطبهن بلسان الواقع قلن لهن:

انكن صبايا جميلات فلذلك يقبل عليكن الشباب ويحومون حولكن

ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال ؟

ومتى دام في الدنيا شيء حتى يدوم على الصبيّة صباها وعلى الجميلة جمالها ؟

فكيف يكن اذا صرتن عجائز محنيات الظهور مجعّدات الوجوه

من يهتم يومئذ بكن ومن يسأل عنكن ؟

اتعرفن من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها ؟

اولادها وبناتها وحفدتها وحفيداتها

هناك تكون عجوز ملكة في رعيتها ومتوجة على عرشها

على حين تكون الاخرى ... انتن اعرف بما تكون عليه

فهل تساوي هذه اللذة تلك الآلام ؟

وهل تشتري بهذه البداية تلك النهاية ?

وأمثال هذا الكلام لا تحتجن الى من يدلكن عليه

ولا تعدمن وسيلة الى هداية أخواتكن المسكينات الضالات

فإن لم تستطعن ذلك معهن فاعملن على وقاية السلمات من مرضهن

والناشئات الغافلات من أن يسلكن طريقهن

وأنا لا أطلب منكن أن تعدن بالمرأة المسلمة اليوم بوثبة واحدة

إلى مثل ما كانت علية المرأة المسلمة حقا، لا

وإني لأعلم أن الطفرة مستحيلة في العادة ولكن أن ترجعن إلى الخير خطوة خطوة

كما أقبلتن على الشر خطوة خطوة

إنكن قصرتن الثياب شعرة شعرة ورققتن الحجاب

وصبرتن الدهر الاطول تعلمن لهذا الانتقال

والرجل الفاضل لا يشعر به ، والمجلات الداعرة تحث عليه

والفساق يفرحون به ، حتى وصلنا إلى حال لا يرضى بها الاسلام

ولا ترضى بها النصرانية

ولم يعلمها المجوس الذين نقرأ أخبارهم في التاريخ  إلى حال تأباها الحيوانات

إن الديكين إذا اجتمعا على الدجاجة اقتتلا غيرة عليها وذودا عنها

وعلى الشواطئ في الاسكندرية وبيروت رجال مسلمون

لا يغارون على نسائهم المسلمات أن يراهن الاجنبي

لا أن يرى وجوههن ...ولا أكفهن...ولا نحورهن... بل كل شيء فيهن!!

كل شيء إلا الشيء الذي يقبح مرآه ويجعل ستره

وهو حلقتا العورتين ، وحلمتا الثديين 

وفي النوادي والسهرات (التقدمية) الراقية

رجال مسلمون يقدمون نساءهم المسلمات للأجنبي ليراقصهن

يضمهن حتى يلامس الصدر الصدر ، والبطن البطن، والفم الخد

والذراع ملتوية على الجسد ، ولا ينكر ذلك أحد

وفي الجامعات المسلمات شباب مسلمون

يجالسون بنات مسلمات متكشفات باديات العورات

 ولا ينكر ذلك الآباء والامهات المسلمات

وأمثال هذا كثير لا يدفع في يوم واحد

ولا بوثبة عاجلة ، بل بأن نعود إلى الحق

من الطريق الذي وصلنا منه إلى الباطل ولو وجدناه الآن طويلا

وإن من لا يسلك الطريق الطويل الذي لا يجد غيره لا يصل أبدا

وأن نبدأ بمحاربة الاختلاط غير السفور

أما كشف الوجه، إن كان لا يتحقق بكشفه الضرر على الفتاة والعدوان على عفافها

فأمره أسهل ولعله أهون من هذا الذي نسميه في بلاد الشام حجابا

وما هو إلا ستر للمعايب ، وتجسيم للجمال ، وإغراء للناظر

السفور إن اقتصر على الوجه كما خلق الله الوجه ليس حراما متفقا على حرمته

وإن كنا نرى الستر أحسن وأولى

وكان ستره عند خوف الفتنة واجبا أما الاختلاط فشيء آخر

وليس يلزم من السفور أن تختلط الفتاة بغير محارمها

وأن تستقبل الزوجة السافرة صديق زوجها في بيتها

أو أن تحييه إن قابلته في الترام ، أو لقيته في الشارع

وأن تصافح البنت رفيقها في الجامعة أو أن تصل الحديث بينها وبينه

أو أن تمشي معه في الطريق ، وتستعد معه للامتحان

وتنسى أن الله جعلها أنثى وجعله ذكرا وركب في كل الميل إلى الآخر

فلا تستطيع هي ولا هو ولا الاهل الارض جميعا

أن يغيروا خلقة اله ، وأن (يساووا) بين الجنسين أو أن يمحوا من نفوسهم هذا الميل

وإن دعاة المساواة والاختلاط باسم المدينة قوم كذابون من جهتين:

كذابون لانهم ما أرادوا من هذا كله إلا إمتاع جوارحهم ، وإرضاء ميولهم

وإعطاء نفوسهم حظها من لذة النظر وما يأملون به من لذائذ أخر

ولكنهم لم يجدوا الجرأة على التصريح به

فلبسوه بهذا الذي يهرفون به من هذه الالفاظ الطنانة

التي ليس وراءها شيء:

التقدمية، والتمدن ، والفن ، والحياة الجامعية ، والروح الرياضية

وهذا الكلام الفارغ (على دويه) من المعنى فكأنه الطبل

وكذابون لان أوروبة التي يأتمون بها ، ويهتدون بهديها

ولا يعرفون الحق إلا بدمغتها عليه، فليس الحق عندهم الذي يقابل الباطل

ولكن الحق ما جاء من هناك:

من باريس ولندن وبرلين ونيويورك

ولو كان الرقص والخلاعة ، والاختلاط في الجامعة

والتكشف في الملعب والعري على الساحل ، والباطل ما جاء من هنا:

من الازهر والاموي وهاتيك المدارس الشرقية ، والمساجد لاسلامية

ولو كان الشرف والهدى والعفاف والطهارة ، طهارة القلب وطهارة الجسد

إن في أوروبا وفي أمريكا ، كما قرأنا وحدثنا من ذهب إليهما

أسرا كثيرات لا ترضى بهذا الاختلاط ولا تسيغه

وإن في باريس آباء وأمهات لا يسمحون لبناتهم الكبيرات أن يسرن مع الشاب

أو يصحبنه إلى السينما ، بل هم لا يدخلونهن إلا إلى روايات عرفوها

وأيقنوا بسلامتها من الفحش والفجور

اللذين لا يخلو منهما مع الاسف واحد من هذه التهريجات الصبيانيات السخيفة

التي تسميها شركات مصر الهزيلة الرفيعة تسميها أفلاما يقولون:

إن الاختلاط يكسر شرة الشهوة ، ويهذب الخلق وينزع من النفس هذا الجنون الجنسي

وأنا أحيل في الجواب على من جرب الاختلاط في المدارس

روسيا التي لا تعود إلى دين ، ولا تسمع رأي شيخ ولا قسيس

ألم ترجع عن هذه التجربة لما رأت فسادها؟ 

      وأميركا ، ألم تقرؤوا أن من جملة مشاكل أمريكا

مشكلة ازدياد نسبة (الحاملات) من الطالبات؟

فمن يسره أن يكون في جامعات مصر والشام ، وسائر بلاد الاسلام مثل هذه المشكلة

وأنا لا أخاطب الشباب ، ولا أطمع في أن يسمعوا لي

وأنا أعلم أنهم قد يردون علي ويسفهون رأيي

لأني أحرمهم من لذائذ ما صدقوا أنهم قد وصلوا إليها حقا

ولكن أخاطبكن أنتن يا بناتي المؤمنات الدينات يا بناتي الشريفات العفيفات

إنه لا يكون الضحية إلا أنتن

فلا تقدمن نفوسكن ضحايا على مذبح إبليس

لا تسمعن كلام هؤلاء الذين يزينون لكن حياة الاختلاط باسم:

الحرية والمدنية والتقدمية والفن والحياة الجامعية

فإن أكثر هؤلاء الملاعين لا زوجة له ولا ولد

ولا يهمه منكن جميعا إلا اللذة العارضة أما أنا فإني أبو بنات

فأنا حين أدافع عنكن أدافع عن بناتي ، وأنا أريد لكن من الخير ما أريده لهن

إنه لا شيء مما يهرف به هؤلاء يرد على البنت عرضها الذاهب

ولا يرجع لها شرفها المثلوم ، ولا يعيد لها كرامتها الضائعة

وإذا سقطت البنت لم تجد واحدا منهم يأخذ بيدها ، أو يرفعها من سقطتها

إنما تجدهم جميعا يتزاحمون على جمالها ، ما بقي فيها جمال

فإذا ولى ولوا عنها ، كما تولي الكلاب عن الجيفة التي لم يبق فيها مزعة لحم 

هذه نصيحتي إليك يا بنتي ، وهذا هو الحق فلا تسمعي غيره

واعلمي أن بيدك أنت ، لا بأيدينا معشر الرجال

بيدك مفتاح باب الاصلاح

 فإذا شئت أصلحت نفسك وأصلحت بصلاحك الامة كلها


هذه المقالة كتبها الشيخ علي الطنطاوي سنة 1406هـ رحمه الله
من كتاب : صور وخواطر لعلي الطنطاوي

orent
ابوعبدالعزيز



.