الثلاثاء، 7 مارس 2023

عطاء الله المُدهِش


 يكمن الفهم الخاطئ في قصر مفهوم الرزق على المعنى المادي

ويتصوّر كثير من الناس أنَّ الرزقَ محصورٌ في المال فقط

فأنواع الرزق كثيرة لا يمكن تعدادها حتى أنها تشمل جميع جوانب حياة الإنسان وما يُنتفع به فيها

هناك رزق الصحة - ورزق الولد -  ورزق الطعام -  ورزق في البركة – ورزق الزوجة

وكل نعمة من الله سبحانه وتعالى هي رزق 

والحقيقة التي تشير إليه النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

تؤكد شمول معنى الرزق في الإسلام الأمور المادية والمعنوية

ولو جئنا لتعريف الرزق لقلنا أن الرِّزقُ يُعرّف بأنه :

كلُّ ما يُنتَفَعُ بهِ الانسان من مالٍ أو زَرعٍ أو غيرِهما

وهو ما يتهيّأ للإنسان من اللهِ عزّ وجلّ الذي سخر لنا الأرض وذللها لنا

بأن جعلها قارة ساكنة لا تمتد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال

وأنبع فيها من العيون وسلك فيها من السبل وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار

وقد شغل الرزق كل الخلق المؤمن والكافر والطائع والعاصي والذكر والانثى والكبير والصغير

والانسان مطالب بأخذ الأسباب قال تعالى : ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)

هو يعلم ماذا سينتج عن المشي في مناكبها من الفرص والأرزاق والأموال

وأن يحرص على الكسب وطلب الرزق بالوسائل المباحة التي أباحها الله وأحلها له

إن طلب الرزق  له معاناة عند طلبه وكسبه هو مطلب كل إنسان على ظهر البسيطة

منهم من رزقه في باطن الأرض ومنهم في اعماق البحار يستخرجون منه لحمًا طريًا

ومنهم فيما يخرج من زرعه ومنهم رزقهم في الثروة الحيوانية

ومنهم من يأتيه رزقه وهو في بطن امه الا ترون أن المولود تأتيه الملاين وهو في بطن امه وارث

فالرزق مكتوب ومقدر بأسبابه لا يزيد ولا ينقص ومن الأسباب :

أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله تعالى:

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(

وقد نبه الله على كثرة نعمه علينا وإحسانه إلينا بقوله سبحانه :

(وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)

لقد تغيّرت طرق البحث عن كسب الرزق في السابق كانت بلاد الهند والسند والشام والزبير

ذهب اجدادنا لتلك البلاد لكسب المال وتوفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم

وقد تطلب ذلك الغربة والسفر والبعد عن أسرهم

كلُّ مَن في الوجودِ يَطلُبُ صَيداً *** غيرَ أنّ الشِّبَاكَ مُخْتَلِفاتُ

الرزق الإيجابي والرزق السلبي

إن مطلب الرزق وكسبه هو مطلب كل إنسان ويوجد فرق بين الرزق وبين المال

وأول ما تأتي كلمة الرزق يذهب العقل إلى المال وهذا غير صحيح

وفسر الشيخ السعدي رحمه الله مفهوم الرزق الوارد في قوله تعالى :

{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

فقال في تفسير الآية  :

 " فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر وأما رزق القلوب من العلم والإيمان 

ومحبة الله وخشيته ورجائه ونحو ذلك : فلا يعطيها إلا من يحب"

يقول أحد العارفين عن الرزق :

إذا تصورنا موسوعة مكونة من عشرة الاف صفحة فإن الرزق المادي يكون (المال)

هو آخر صفحة في هذه الموسوعة 

يتفق الناس في الغالب على أن السعي في الحصول على المال هو وسيلة يُراد بها الوصول لغايات عدة

لا يمكن تحقيقها إلا بالمال

فالإنسان عنده رزق إيجابي وعنده رزق سلبي

والرزق لكل الخلق المؤمن والكافر والطائع والعاصي والذكر والانثى والكبير والصغير

فالكل مرزوق ويكمن الفهم الخاطئ في قصر مفهوم الرزق على المعنى المادي المتمثل بالمال فقط

بينما الحقيقة التي تشير إليه النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

تؤكد شمول معنى الرزق في الإسلام الأمور المادية والمعنوية

وجاء الرزق بالمعنى المادي من مال وطعام ومطر

وجاء بمعنى معنوي في أكثر من موضع كمعنى الثواب في قوله تعالى :

 ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )

أي : يثابون على ما قدموا من أعمال وتضحيات

وقد ذكر لفظ (الرزق) في القرآن الكريم 123 مرة

الفرق بين الرزق الإيجابي والرزق السلبي

نقطة دقيقة في الرزق قد لا يلتفت إليها كثيراً من الناس سماها بعض العلماء :

الرزق السلبي والرزق الإيجابي  فالإنسان عنده رزق إيجابي وعنده رزق سلبي

أولاً الرزق الإيجابي

مثل رزق الولد ورزق الطعام والمسكن والزوجة والصحة والعافية 

فإذا منّ الله على عبده بالعافية التامة عاش عمراً مديداً بلا أمراض فهو رزق صحة

أما رِزق المال: وهوَ رزقٌ يعتاش منهُ الإنسان ويقضي بهِ حوائجه وينتفع بهِ هو وأهله

إلا أن غالبية الناس يتخيلون أن الأغنياء يعيشون حالة من النقاء وراحة البال

فالمال لا يجلب السعادة ولا يشتريها ولكنه يقلل شعورك بالتعاسة 

تخيل لديك مال وليس لديك أولاد وقد يدرك المرء المال ولا يدرك الصحة وهكذا

مع أن أحد المشاهير يروى عنه قوله :

 من قال أن المال لا يشتري السعادة لم يكن لديه ما يكفي من المال

وقد يقول قائل : البعض يرى ان من يرزق بالمال يبتلي بالأمراض

هذا القول لا وجه للاستدلال به

قد يبتلي الله عباده ويختبرهم فتارة بالسراء وتارة بالضراء

وفي ترجمة عبد الرّحمن بن عوف القرشيّ الغني الشاكر وأحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة

فعن طلحة بن عبد الله بن عوف قال:

(كان أهل المدينة عيالاً على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه

ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينه، ويصل ثلثا)

وتحضرني هنا قصة عن رجل ثري صاحب بستان مثمر بالفواكه والخضروات

في هذا البستان حديقة فمن جاءها وصفها بأنها غنّاء لغناها ووفرة العشب والأزهار والورود والثمار

هذا الثري جمع ثروة طائلة على مدى سنيين طويلة

اخذت من وقته وجهده وصحته وعمره وفراغه الشيء الكثير

وانصرف عن كثيراً من الملذات المباحة رغبة في تنمية هذه الثروة وإكثارها

وبعد أن جمع ذلك المال على مدى سنين طولية في حياته

أصابه مرض جعله طريح الفراش وأصبح ممنوع من كثيراً من الملذات

وبينما هو في غرفته الخاصة نظر من شرفة غرفته

ووقعت عيناه على أحد عماله في فترة راحته

يفترش الأرض وبجواره زوجته وأبناؤه وكان يأكل الطعام في فترة الغداء

لقمة في فمه .. ولقمة في يده .. ولقمة يرمقها ..

وقال في نفسه انا صاحب هذه المزرعة وهذا عامل عندي

وأنا لا اكل إلا ما يقرره لي الأطباء

فقطع عليه تفكيره طرق باب غرفته من قبل ممرضه الصحي الخاص

مستأذن منه في تغيير حقنة المغذي

فضحك وقال للممرض تفضل فعلاً لقد حان وقت الغداء

نحن نتفكر في المسألة من المنطق البشري القاصر غير الحكيم وإلا فإن الرزق اعم من المال

إن هذا الثري ابتلي بالصحة الجيدة التي هي من أفضل كنوز الرزق

فالصحة تمكّن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة وتحقيق إمكاناته والتعلّم والعمل بشكل جيد

والعمل والمساهمة في بناء المجتمع لأن إشراك كل فرد في المجتمع هو ضرورة حيوية

ثانياً الرزق السلبي :

في تفكير هادئ قد يعطى الرجل الرزق ولا يعطى القناعة

والقناعة جزء من الرزق وهي أعظم هبة من الله 

وفي الحديث لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا

ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ

ولو عددنا الرزق لوجدنا الإيمان رزقٌ يؤدّي بصاحبهِ إلى دُخول الجنّة والسعادة في الدُّنيا والآخرة

فالمؤمن بربّه والمؤمن بوجوده هوَ صاحبُ رزقٍ عريض وعطاءٍ عظيم

ولأنّ الرزق هوَ نفعٌ للإنسان ومن مميزاته أنّهُ يأتي دوماً بالخير

فإن أكبر رزق: رزقُ العِلم والفقه والحِكمة .. فالعِلم هو ميراث الأنبياء

وكذلك الحِكمة هيَ عطاء عظيم لأنَّ الله قالَ عمّن أوتي الحكمة بأنّهُ أوتيَ خيراً كثيراً

وكذلك الفقه والفهم هوَ رزق واسِع لأنَّ من يُرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُفقّههُ في الدين

فالمنطق البشري مختلف عن حكمة الله وتدبيره لخلقه

والله سبحانه وتعالى له حكمته الخاصة في تلك المسألة مثلما له حكمته في الأمور كلها

ولو عددنا الرزق لوجدنا القناعة من الرزق وهي أعظم هبة

والناس يتمنون المال حتى أصبح المال معيار الرزق وغفلوا عن :

الزوجة الصالحة هي من الرزق : الذي يهبه الله لعباده

وبذلك جاءت الإشارة النبويّة اليها حيث صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنّه قال:

(الدُّنيا متاعٌ، وخيرُ متاعِ الدُّنيا المرأةُ الصَّالحةُ)

رزق محبّة الناس لك هي من الرزق :

أن يضع الله للعبد القبول والمحبة بين خلقه من ملائكته وإنسه وجنه

وفي الحديث : (إن الله إذا أحب عبداً نادى في السماء: أن يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل

 ثم ينادي جبريل في أهل السماءإن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض)

فالإنسان القريب من الناس والمألوف عندهم هوَ شخصٌ محظوظ قد ألقى الله لهُ القَبول في الأرض بين عباده

فكم من شخصٍ ذائع الصيت بكرمِ أخلاقه وحُسن سُمعته

وكم من شخصٍ منبوذ بين الناس مُحتقَر عندهم بغيض إلى قُلوبهم

سكينة الرُوح وصحة الجسد : وهي أفضل كنوز الرزق

أن يعافيك الله ويعافي أهلك وأولادك فمن رزق العافية كمن كان بعافيته حاز الدنيا

فقد تجد أسرة تنعم بالصحة التامة في بيت متواضع لكن فيه طمأنينة فيه حب فيه ود

والصحة هيَ نعمةٌ ورزقٌ لا يملكها كثيرٌ من الناس وفي الحديث :

(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا)

رِزق الذُريّة الصالحة: فإن رزقُ الذريّة الصالحة من خير ما يتحصّل عليه الإنسان في الدنيا

لأنَّ الذريّة الشقيّة تُشقي صاحبها وتُشقي المُجتمعات بينما الذريّة الطيّبة تَسعد بها أنت ومن حولك

وهي قُرّةُ عين ومصدر للسعادة

والتوفيق والهداية هي رزق بيد الله عز وجل من شاء الله أن يهديه هداه ومن شاء أن يضله أضله

ومن حرص على أن يرزقه الله الهداية التامة جاءه التوفيق من الله تعالى

وكذلك حفظ المال وحينما يحفظ الله مالك هذا رزق سلبي

وكل بلاء يدفعه الله عنّا يسمى رزق فهو كسبٌ سلبي

فالرزق السلبي الله سبحانه وتعالى قد يحفظنا من نفقات كثيرة لا طائل لها

إذا وفر علينا بعض النفقات فكأنه رزقنا رزقاً ليس ملحوظاً لدينا

فحينما تنفق المال في الطعام والشراب والكساء لا تنفقه في إتلاف ما فسد

القصد في طلب الرزق

نعم الله علينا تتوالى كم نعمة أنعمها الله علينا ونحن عنها غافلون

نتقلب في نعمة العظيمة التي لا تعد ولا تحصى

  (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)

‏أمن مكان وعَيْشٌ رَغَدٌ و قوة في الأوطان وصحة في الأبدان

 يُعطي ويجزل وفي شكر حقها نُقصر غني عن طاعتنا ولا تضره معصيتنا

يعز أولياءه بالعلم والقناعة ويذل أعداءه بالجهل والقساوة

لذا ينبغي للمسلم عند طلبه للرزق أن ينوي الاستعانة بهذا المال لإقامة الدين

وما يجب عليه من نفقات وإعفاف نفسه عن الحرام والتقرب إلى الله عز وجل به بأنواع العبادات المالية

فتلك نية صالحة يثاب عليها الإنسان والعلماء يقولون: ما دمت تنوي الخير فأنت بخير

من المستفيد من جمع المال

أن جمع المال مشروع في الإسلام

 فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل عمرو بن العاص بن وائل السهمي رضي الله عنه:

( نعم المال الصالح للرجل الصالح)

ولكن أحصنوا هذا المال بالزكاة وليعلم ان فيه نصيب للفقراء والمحتاجين الذين لا يجدون كفايتهم

ويُعطي الزكاة للفقير لدفع ضرره وحاجته

فإذا زكيت مالك بعدها تمتعوا بهذا المال فيما يرضي الله ولا يجعل غاية بل وسيلة

وعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وأعدوا للبلاء الدعاء(

ما يحز في النفس ان تجد رجل لا يرى عليه اثر النعمة وبعد وفاته يترك الملايين

وقد ورثها لأبنائه وكان أولاده يسكنون في بيوت اجار بعيدين عنه في حياته

من المستفيد أذاً من جمع تلك الأموال و لمن كان يجمعها ؟

وتستغرب اكثر عندما تعلم ان هذا الرجل  لم يكتب وصية وقد تجاوز عمره السبعين

لا تجعلوا جمع المال يأخذ من وقتكم وحياتكم الشيء الكثير

فالعمر قصير ورزقك مكتوب قبل مجيئك للدنيا

ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد

لذا استعينوا بالله في طلب الرزق ولا تحملوا أنفسكم فوق ما تحتمل

فإن القلق على الرزق من الشيطان: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ)

ويقيم لكم هذا الهاجس دائمًا منصوبًا أمامكم وفي أذهانكم حتى يجعلكم تحزنون

وأعلموا أن الله تكفَّل برزق جميع الدواب والطيور والأسماك وسائر المخلوقات

(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلىَ اللَّهِ رِزقُهَا ... )

فإن الذي يرزق السمكة في أعماق المحيط قادر على أن يرزق عبداً يقول: يا الله

 ولا تنسوا قوله تعالى :

﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾

orent

ابوعبدالعزيز