الجمعة، 7 سبتمبر 2018

لما التَكَبُّر





يا مظهر الكبر إعجاباً *** الكبر ذنب يأثم صاحبه

مهلا هداك الذي أَعْطَاك *** نَّافِلَةُ الرزق والسعة

دع الفخر وأَبْصَر لنفسك *** فمبدأك نطفة مذرة


فَعلامَ التَعَالِي والتَكَبُّر *** ومُنتَهى أَمْرَكَ جيفة قذرة


ضعيف أنت يا ابن آدم *** تكاد أن تقتلك الشرقة

***

لما تجبر قارون وتكبر*** ولم يرا لله عليه فضله


خَرَجَ على قومه *** فِي زِينَتِهِ يَخْطُر في ِمِشْيَتِه


يَجُرُّ إِزَارَهُ خُيَلَاءِ *** ويَهُزّ أكْتَافَه قد أعْجَبَتْه نَفْسه

قال أُوتِيته بِإدْرَاكِي *** وِسَعْيِي فأرانا الله ضَعفه

ذهب بنفسه تيهاً (1) *** فابتلعته الارض و داره

إذا أمتلأ القلب كَبْرًا *** وزَهْوًاً ترحّل عنه إيمانه

***
عجبتُ من إبليسَ وخُبْثِه *** لمّا فسق عن أمر ربه

تكبر على آدَمَ في سجْدَة *** كابر وجاهر بمعصيته 


شقي إبليسَ فِتْنَة فما *** هان عليه بالشقاوة تفرّده

فأراد تكثير سواده  *** بالسعي في إضلال عباده

فاستكثر أتباعه كَيْ *** لا يَكُونَ وحيدًا في صفِّـه


سعيد من جاهد  نَفْسَهُ *** وشقي من أتبع شيطانه

***

كن في ركاب الصالحين *** فسعادة المرء في إيمانه


وطوع النفس على التقى *** فقد ربح من ثقّل ميزانه


النفس مطواعة للعقل *** كالشمع في اليد يلوى جانبه


والدنيا ظل زائل راحل  *** وطيف خيال ابن ساعته


يأبن ادم لن تُدرِك الْجِبَالَ *** طُولا وإن كنت مديد قامة


orent
ابوعبدالعزيز


1-      التِّيهُ : الصَّلَفُ والكِبْرُ وتَيْهاً أي تكبر 




الخميس، 6 سبتمبر 2018

مثل انسل من قصيدة واشتهر



من الامثال العربية التي نتمثل بها أبيات من الشعر أصبحت مثلاً
فنستشهد بتلك الامثال عندما يطلب منا أبداء رأي حول موضوع معين
 أو لتعزيز موقف أو إسداء نصيحة عن موضوع ما
فنستشهد بتلك الامثال التي وردت ضمن قصيدة
مع أن في القصيدة أبيات قد تكون أجمل من ذلك البيت المستشهد به
لاحتوائها على حكم و نصائح ذات محتوىً شيّق جيد
الا انه لم يشتهر من القصيدة الا ذاك البيت الذي نتمثل به
وأصبح مضرب مثل وسار على السنة الناس وأشتهر
والمثل كلمات حكيمة قالها الشاعر تعليقا على موقف ما
فذهبت مثلا يضرب في كل موقف مشابه
وكثيراً ما يحفظ الناس بيت من القصيدة الذي صار مثلا
ثم ينسون ابيات القصيدة الاخرى
وأحيانا يحذفون الشطر الآخر سواء كان صدراً أم عَجُزاً
وعندما تسأل من يستشهد بذلك البيت من الشعر
من قائل هذا البيت ؟
يجيبك لا يعنيني من القائل ولكن يعنيني القول وهو محقّ في قوله
ففي ميدان الأقوال المأثورة لا قيمة كبيرة للقائل الذي يتوارى اسمه في الظل
حتى لو كان القائل مشهوراً وان هذه العبارة من بنات أفكاره
ويتناقل الناس المثل ويصبح مثلاً دارج على السنتهم
والقصيدة لم تشتهر لا لان القائل مغمور بل قد يكون مشهوراً
الا ان الناس لم يلتفتوا للقصيدة وقائلها بل التفتوا الى المثل
لان المثل المأثورة والمأخوذ من تلك القصائد له طابع مائي سيّال
منحه القدرة على التسرّب من شقوق القصيدة
واتخذ مكان يليق به كمثل مستقل متداول
وهي فرصة لنا هنا ان نعيد قراءة القصائد التي وردت فيها تلك الامثال
ونتعَّرف على القصيدة وقائلها والمناسبة التي قيل فيها ذلك المثل
وقد جمعت لكم عشرون مثلا ونسبتها الى القصائد التي ينتمي اليها ذلك المثل
أتمنى أن تعجبكم

وأقول مستعينا بالله  

مَثَلٌنا الاول 

الذي سنتعرف على قصيدته التي تسرب منها ذلك المثل
قولهم :
أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَةٌ
ويُضرب لمن يتقاوى على ضعيف ولكنه في مواجهة الشجعان والفرسان أجبن من نعامة
وضرب هذا المَثَلٌ مع الحجاج ابن يوسف الثقفي
ومناسبة هذا البيت ان الحجاج بن يوسف طلب عمران بن حطان ولج في طلبه
وظل عمران يهرب من مكان إلى مكان
وحدث ان غزالة الشيبانية التي اشتهَرَت بالشجاعة وتنسب لأهل الموصل بالعراق
دخلت الكوفة ومعها زوجها شبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانيّ
وقد خرجت مع زوجها على عبد الملك بن مروان سنة 76هـ
أيام ولاية الحجاج في العراق فكانت تقاتل في الحروب قتال الأبطال
وقد بعث الحجّاج خمسة قادةٍ لمحاربة شبيب وزوجته غزالة فهزمهم جميعاً
ثم خرج شبيب من الموصل يريد مهاجمة الكوفة ومعه غزالة
وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة أيضاً
وأسرع شبيب لملاقاته قبل وصوله الكوفة
لكن الحجّاج كان أسرع منه فدخل الكوفة وتحصّن في قصر الإمارة
وأغلق عليه قصره خوفاً من ملاقاة شبيب وغزالة
وعندما علم عمران بن حِطّان بذلك 
عيّر الحجاج بهروبه من اللقاء واختبائه في دار الإمارة:

 فكتب إلى الحجاج هذه الابيات:
أسَـدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَــةٌ      رَبْداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
هَلّا بَرَزتَ إِلى غَزالَة في الوَغى       بَل كانَ قَلبُكَ في جَناحَي طائِـرِ
صدعت غَــزالـة  قَـلبـَـهُ بِفَوارِسٍ       تَرَكـتَ مَنـابِـرَهُ كَأَمـسِ الدابِـرِ
أَلقِ السِلاحَ وَخـُذ وِشاحي مُعْصِرٍ       وَاعْـمَد لِمَنزِلـةِ الجَبانِ الكافِـرِ

أن عمران بن حِطّان عبر في هذا البيت بالنعامة الرَبْداءُ
وهي المختلط سوادُها بنقط حمراء وبيضاء أو أن يكون لونها كله سواداً
ويقال شاة رَبْداءُ ويقال نعامة رَبْداءُ ورمداء كلون الرماد
والشاعر هنا عبر بهذا البيت عن صفة الجبن
بقوله:  تجفل من صفير الصافر
الجدير بالذكر ان غزالة الشيبانية قتلها خالد بن عتاب الرياحي سنة 77هـ
أما عمران بن حِطّان صاحب هذا المثل فقتله الحجاج ابن يوسف الثقفي عام 84 هجري
وكان من (الشـَّـراة) وهم الخوارج الذين شروا انفسهم ابتغاء مرضاة الله كما يزعمون
وكان من شعرائهم ودعاتهم والمقدمين في مذهبهم
وهو من (الَقَعدية) من الخوارج الذين يدعون الى التحكيم
وقد شهد له الأخطل التغلبي في مجلس عبدالملك بن مروان 
بأنه أشعر من جميع من كانوا في المجلس
وقال: لأنه قال وهو صادق ففاقهم
فكيف لو كذب كما يكذبون؟
ولهذا الشاعر أبيات من أجمل أبيات الشعر العربي 
غنى فيها المغنون في العصر الأموي 
وقد قالهــا ردا على الذين لاموه على عدم خروجه إلى القتال 
فكأنه يخشى الموت ويحب الحياة فقال :

لـقد زادَ الحَياةَ إِلـيَّ حُـبـّاً *** بَـناتي إِنـَّهُنَّ مِن الضِعافِ
مَخافـَة أَن يَرَين البُؤسَ بَعـدي *** وَأَن يَشـرَبن رَنـْقاً غَيرَ صافِ
وَأَن يَعْرَين إِن كُسِيَ الجَواري *** فـتَنـبو العَينُ عَن كـَرَمٍ عِجافِ
فـلولا ذاكَ قـد سَوَّمْتُ مُهْـري *** وَفي الرَحـمنِ لِلضُّـعَـفـاءِ كافِ
أبانا مَن لـنا إِن غِـبْـتَ عَـنّا *** وَصارَ الحَيُّ بَعدَكَ في اخْتِلافِ

***

ومَثَلٌنا الثاني

الذي درج على السنة العامة وهو :
(مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِدُ)
إن صاحب هذا القول المأثور له من الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة
الذي ملأ الدنيا بقصائده وشغل الناس بها أنه الشاعرالحكيم وأحد مفاخر الأدب العربي
شاعر البلاط الفخري للدولة العباسية أبي الطيب المتنبي
ولكي نتعرف على القصيدة وجمال الابيات الشعرية فيها التي تتميّزُ بوضوح معانيها
اضع بين ايديكم القصيدة كاملة وهي بعنوان
عَوَاذِلُ ذاتِ الخَالِ فيّ حَوَاسِدُ
والقصيدة قالها المتنبي في مدح سيف الدولة 
على أثر انتصاراته في معاركه ضدّ الروم يقول فيها:

عَوَاذِلُ ذاتِ الخَالِ فيّ حَوَاسِدُ *** وَإنّ ضَجيعَ الخَوْدِ منّي لمَاجِدُ
يَرُدّ يَداً عَنْ ثَوْبِهَا وَهْوَ قَادِرٌ *** وَيَعصي الهَوَى في طَيفِها وَهوَ راقِدُ
متى يَشتفي من لاعجِ الشّوْقِ في الحشا *** مُحِبٌّ لها في قُرْبِه مُتَبَاعِدُ
إذا كنتَ تخشَى العارَ في كلّ خَلْوَةٍ *** فَلِمْ تَتَصَبّاكَ الحِسانُ الخَرائِدُ
ألَحّ عَليّ السّقْمُ حتى ألِفْتُهُ  ***  وَمَلّ طَبيبي جانِبي وَالعَوائِدُ
مَرَرْتُ على دارِ الحَبيبِ فحَمْحمتْ  ***  جَوادي وهل تُشجي الجيادَ المعاهدُ
وما تُنكِرُ الدّهْمَاءُ مِن رَسْمِ منزِلٍ  ***  سَقَتها ضَريبَ الشَّوْلِ فيهِ الوَلائِدُ
أهُمّ بشَيْءٍ واللّيَالي كأنّهَا  ***  تُطارِدُني عَنْ كَوْنِهِ وَأُطارِدُ
وَحيدٌ مِنَ الخُلاّنِ في كلّ بَلْدَةٍ *** إذا عَظُمَ المَطلُوبُ قَلّ المُساعِدُ
وَتُسْعِدُني في غَمرَةٍ بَعدَ غَمْرَةٍ ***  سَبُوحٌ لهَا مِنهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ
تَثَنّى عَلى قَدْرِ الطّعانِ كَأنّمَا  ***  مَفَاصِلُهَا تَحْتَ الرّماحِ مَرَاوِدُ
وَأُورِدُ نَفْسِي والمُهَنّدُ في يَدي  *** مَوَارِدَ لا يُصْدِرْنَ مَن لا يُجالِدُ
وَلَكِنْ إذا لمْ يَحْمِلِ القَلْبُ كفَّهُ ***  على حَالَةٍ لم يَحْمِلِ الكَفَّ ساعِدُ
خَليلَيّ إنّي لا أرَى غيرَ شاعِرٍ  *** فَلِمْ منهُمُ الدّعوَى ومني القَصائِدُ
فَلا تَعْجَبَا إنّ السّيُوفَ كَثيرَةٌ *** وَلكِنّ سَيفَ الدّوْلَةِ اليَوْمَ واحِدُ
لهُ من كَريمِ الطبعِ في الحرْبِ مُنتضٍ *** وَمن عادةِ الإحسانِ والصّفحِ غامِدُ
وَلمّا رَأيتُ النّاسَ دونَ مَحَلِّهِ *** تَيَقّنْتُ أنّ الدّهْرَ للنّاسِ نَاقِدُ
أحَقُّهُمُ بالسّيْفِ مَن ضَرَبَ الطُّلى *** وَبالأمْنِ مَن هانَتْ عليهِ الشّدائدُ
وَأشقَى بلادِ الله ما الرّومُ أهلُها *** بهذا وما فيها لمَجدِكَ جَاحِدُ
شَنَنْتَ بها الغاراتِ حتى تَرَكْتَها *** وَجَفنُ الذي خَلفَ الفَرنْجةِ ساهِدُ
مُخَضَّبَةٌ وَالقَوْمُ صَرْعَى كأنّهَا *** وَإنْ لم يكونوا ساجِدينَ مَساجِدُ
تُنَكّسُهُمْ والسّابِقاتُ جِبالُهُمْ *** وَتَطْعَنُ فيهِمْ وَالرّماحُ المَكايدُ
وتَضربهم هبراً وَقد سكنوا الكُدَى *** كما سكَنَتْ بطنَ الترابِ الأساوِدُ
وتُضحي الحصون المشمخرّاتُ في الذرَى*** وَخَيْلُكَ في أعْنَاقِهِنَّ قَلائِدُ
عَصَفْنَ بهمْ يَوْمَ اللُّقَانِ وَسُقنَهم *** بهِنريطَ حتى ابيَضّ بالسبيِ آمِدُ
وَألحَقنَ بالصّفصَافِ سابورَ فانهَوَى *** وَذاقَ الرّدَى أهلاهُما وَالجَلامِدُ
وَغَلّسَ في الوَادي بهِنّ مُشَيَّعٌ *** مُبارَكُ ما تحتَ اللّثَامَينِ عابِدُ
فَتًى يَشْتَهي طُولَ البلادِ وَوَقْتُهُ *** تَضِيقُ بِهِ أوْقاتُهُ وَالمَقَاصِدُ
أخُو غَزَواتٍ مَا تُغِبُّ سُيُوفُهُ *** رِقابَهُمُ إلاّ وَسَيْحانُ جَامِدُ
فلَم يَبقَ إلاّ مَنْ حَمَاهَا من الظُّبى *** لمَى شَفَتَيْها وَالثُّدِيُّ النّوَاهِدُ
تُبَكّي علَيهِنّ البَطاريقُ في الدّجَى *** وَهُنّ لَدَينا مُلقَياتٌ كَوَاسِدُ
بذا قضَتِ الأيّامُ ما بَينَ أهْلِهَا  ***  مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِدُ
وَمن شرَفِ الإقدامِ أنّكَ فيهِمِ  *** على القَتلِ مَوْمُوقٌ كأنّكَ شَاكِدُ
وَأنّ دَماً أجرَيْتَهُ بكَ فَاخِرٌ *** وَأنّ فُؤاداً رُعْتَهُ لكَ حَامِدُ
وَكلٌّ يَرَى طُرْقَ الشّجاعَةِ والنّدى *** وَلكِنّ طَبْعَ النّفْسِ للنّفسِ قائِدُ
نَهَبْتَ منَ الأعمارِ ما لَوْ حَوَيْتَهُ ***  لَهُنّئَتِ الدّنْيَا بأنّكَ خَالِدُ
فأنْتَ حُسامُ المُلْكِ وَالله ضَارِبٌ *** وَأنْتَ لِواءُ الدّينِ وَالله عَاقِدُ
وَأنتَ أبو الهَيْجا بنُ حَمدانَ يا ابنهُ *** تَشَابَهَ مَوْلُودٌ كَرِيمٌ وَوَالِدُ
وحَمدانُ حمدونٌ وَحمدونُ حارثٌ *** وَحارِثُ لُقْمانٌ وَلُقْمَانٌ رَاشِدُ
أُولَئِكَ أنْيابُ الخِلافَةِ كُلُّهَا *** وَسَائِرُ أمْلاكِ البِلادِ الزّوائِدُ
أُحِبّكَ يا شَمسَ الزّمانِ وبَدْرَهُ *** وَإنْ لامَني فيكَ السُّهَى والفَراقِدُ
وَذاكَ لأنّ الفَضْلَ عندَكَ بَاهِرٌ *** وَلَيسَ لأنّ العَيشَ عندَكَ بارِدُ
فإنّ قَليلَ الحُبّ بالعَقْلِ صالِحٌ *** وَإنّ كَثيرَ الحُبّ بالجَهْلِ فاسِدُ
بارك الله فيكم

****

ومَثَلٌنا الثالث

الذي اشتهر على السنة الناس قول الشاعر :
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ *** تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
هذا البيت لأبي الطيب لمتنبي
ورد ضمن قصيدته المسماة  بم التعللُّ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ
والقصيدة بديعةٌ من بدائع وطيبات ابو الطيب المتنبي
وقد اشتهر هذا المثل وسار على السنة الناس
في هذه القصيدة يقول المتنبي مخاطبا نفسه ومظهرا للتوجع من حاله
ومظهرا أيضا قلة الأسف وصابرا على ما آل اليه حاله
فقد نقل لنا ابو الطيب المتنبّي من خلال هذه الابيات صورا عن ذاته
وأضاف إليها من روحه الشّعريّة مصحوبا بالحكمة والشّكوى والعتاب
ولا أدلّ على ذلك كما في هذه الأبيات من هذه القصيدة
واليكم القصيدة كاملة

بِمَ التّعَلّلُ لا أهْلٌ وَلا وَطَنُ *** وَلا نَديمٌ وَلا كأسٌ وَلا سَكَنُ
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني *** مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ
لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ *** ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ
فَمَا يُديمُ سُرُورٌ ما سُرِرْتَ بِهِ *** وَلا يَرُدّ عَلَيكَ الفَائِتَ الحَزَنُ
مِمّا أضَرّ بأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ *** هَوَوا وَمَا عَرَفُوا الدّنْيَا وَما فطِنوا
تَفنى عُيُونُهُمُ دَمْعاً وَأنْفُسُهُمْ *** في إثْرِ كُلّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ
تَحَمّلُوا حَمَلَتْكُمْ كلُّ ناجِيَةٍ *** فكُلُّ بَينٍ عَليّ اليَوْمَ مُؤتَمَنُ
ما في هَوَادِجِكم من مُهجتي عِوَضٌ *** إنْ مُتُّ شَوْقاً وَلا فيها لهَا ثَمَنُ
يَا مَنْ نُعيتُ على بُعْدٍ بمَجْلِسِهِ *** كُلٌّ بمَا زَعَمَ النّاعونَ مُرْتَهَنُ
كمْ قد قُتِلتُ وكم قد متُّ عندَكُمُ *** ثمّ انتَفَضْتُ فزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
قد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قولهِمِ *** جَماعَةٌ ثمّ ماتُوا قبلَ مَن دَفَنوا
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ *** تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
رَأيتُكُم لا يَصُونُ العِرْضَ جارُكمُ *** وَلا يَدِرُّ على مَرْعاكُمُ اللّبَنُ
جَزاءُ كُلّ قَرِيبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ *** وَحَظُّ كُلّ مُحِبٍّ منكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبُونَ على مَنْ نَالَ رِفْدَكُمُ *** حتى يُعاقِبَهُ التّنغيصُ وَالمِنَنُ
فَغَادَرَ الهَجْرُ ما بَيني وَبينَكُمُ *** يَهماءَ تكذِبُ فيها العَينُ وَالأُذُنُ
تَحْبُو الرّوَاسِمُ مِن بَعدِ الرّسيمِ بهَا *** وَتَسألُ الأرْضَ عن أخفافِها الثَّفِنُ
إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ *** وَلا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ
وَلا أُقيمُ على مَالٍ أذِلُّ بِهِ *** وَلا ألَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
سَهِرْتُ بَعد رَحيلي وَحشَةً لكُمُ *** ثمّ استَمَرّ مريري وَارْعَوَى الوَسَنُ
وَإنْ بُلِيتُ بوُدٍّ مِثْلِ وُدّكُمُ *** فإنّني بفِراقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ
أبْلى الأجِلّةَ مُهْري عِندَ غَيرِكُمُ *** وَبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ وَالرّسَنُ
عندَ الهُمامِ أبي المِسكِ الذي غرِقَتْ *** في جُودِهِ مُضَرُ الحَمراءِ وَاليَمَنُ
وَإنْ تأخّرَ عَنّي بَعضُ مَوْعِدِهِ *** فَمَا تَأخَّرُ آمَالي وَلا تَهِنُ
هُوَ الوَفيُّ وَلَكِنّي ذَكَرْتُ لَهُ *** مَوَدّةً فَهْوَ يَبْلُوهَا وَيَمْتَحِنُ
للحديث بقية

 ***
والمثل الرابع هو

يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً ** ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
هذا البيت اشتهر على السنة العامة من قصيدة :
فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ
للشاعر صالح عبدالقدوس من شعراء الدولة العباسية
والذي امتاز شعره بالحكمة والموعظة والزهد في الدنيا ومحاسبة النفس
والقصيدة إحدى قصائد الشاعر الخالدة وهي أقرب للنصيحة المستحقة للخلود
واشتهر هذا البيت من القصيدة وتداوله الناس وكان مضرب مثل
واليكم القصيدة كاملة والمسماة الزينبية :

فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ *** وازهَـدْ فعُمـرُكَ مـرَّ منـهُ الأطيَـبُ
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ *** وأتَى المشيبُ فأيـنَ منـهُ المَهـربُ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا *** واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ
واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه *** لا بَـدَّ يُحصـي مـا جنيـتَ ويَكتُـبُ
لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ *** بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا *** ستَردُّهـا بالرغـمِ منـكَ وتُسلَـبُ
وغرورُ دنيـاكَ التـي تسعـى لهـا *** دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا *** أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ *** حقـاً يَقينـاً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ
تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا *** ومَشيدُهـا عمّـا قليـلٍ يَـخـربُ
فاسمعْ هُديـتَ نصيحـةً أولاكَهـا *** بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ
صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً *** ورأى الأمورَ بمـا تـؤوبُ وتَعقُـبُ
لا تأمَنِ الدَّهـرَ الخَـؤُونَ فإنـهُ *** مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ
وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا *** مَضَـضٌ يُـذَلُّ لـهُ الأعـزُّ الأنْجَـبْ
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ *** إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا *** إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ
واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ *** واليأسُ ممّا فـاتَ فهـوَ المَطْلـبُ
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ *** فلقـدْ كُسـيَ ثـوبَ المَذلَّـةِ أشعـبُ
وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ *** منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً *** فالليـثُ يبـدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ *** فالحقـدُ بـاقٍ فـي الصُّـدورِ مُغيَّـبُ
وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً *** فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
لا خيرَ فـي ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ *** حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ *** وإذا تـوارَى عنـكَ فهـوَ العقـرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً *** ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ *** فالصفحُ عنهـمْ بالتَّجـاوزِ أصـوَبُ
واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً *** إنَّ القريـنَ إلـى المُقـارنِ يُنسـبُ
إنَّ الغنيَ من الرجالِ مُكـرَّمٌ *** وتـراهُ يُرجـى مـا لديـهِ ويُرهـبُ
ويُبَشُّ بالتَّرحيـبِ عنـدَ قدومِـهِ *** ويُقـامُ عنـدَ سلامـهِ ويُقـرَّبُ
والفقرُ شينٌ للرِّجالِ فإنـه *** حقـاً يهـونُ بـه الشَّريـفُ الأنسـبُ
واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ *** بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبـوا
ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً *** إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحـبُ
وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ *** ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ *** فالمرءُ يَسلَـمُ باللسـانِ ويُعطَـبُ
والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ *** إنَّ الزجاجـةَ كسرُهـا لا يُشعَـبُ
وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطـوهِ *** نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ *** في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ
ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً *** والـرِّزقُ ليـسَ بحيلـةٍ يُستجلَـبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُـهُ *** رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
وارعَ الأمانةَ * والخيانةَ فاجتنبْ *** واعدِلْ ولا تظلمْ يَطبْ لـكَ مكسَـبُ
وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا ** مـن ذا رأيـتَ مسلَّمـاً لا يُنْكـبُ
وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ ** أو نالـكَ الأمـرُ الأشـقُّ الأصعـبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ ** يدعـوهُ مـن حبـلِ الوريـدِ وأقـربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ ** إنَّ الكثيرَ من الـوَرَى لا يُصحـبُ
واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ ** يُعدي كمـا يُعـدي الصحيـحَ الأجـربُ
واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً ** واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ ** وخشيـتَ فيهـا أن يضيـقَ المذهـبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا ** طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغـرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي ** فالنُّصحُ أغلى مـا يُبـاعُ ويُوهَـبُ

***

ومَثَلٌنا الخامس

قول الشاعر:
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ *** فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
إِذا غَضِبَت عَلَيكَ بَنو تَميمٍ *** حَسِبتَ الناسَ كُلُّهُمُ غِضابا
لقد اشتهر هذان البيتان بين الخاصة والعامة شهرة كبيرة 
والبيتين لجرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي
شاعر من بني كليب بن يربوع من قبيلة بني تميم
وهي قبيلة في نجد ولد في بادية نجد وبالتحديد مدينة ثرمداء
ويؤكد ذلك قوله في إحدى مطلع قصائده
انظر خليلي بأعلى ثرمداء ضحى *** والعيس جائلة أعراضها جُنُفُ
حيث أن ثرمداء مدينة في منطقة الوشم في قلب نجد
و في باديتها وادي أسمه وادي الكليبية نسبةً إلى بني كليب قبيلة الشاعر
وجرير من أشهر شعراء العرب في فن الهجاء وكان بارعًا أيضًا في المدح
ومن أغزل الناس شعراً له ابيات غزل جميلة
وجرير من الشعراء الذين تغزلوا بنساء لم يكن لهن وجود في حياته
انما تمثل تجربة له معهن واسعفته قوة المخيلة على اقناعنا بحقيقة
علاقته بهن يقول جريرعن نفسه:
ما عشقت قط ولو عشقت لقلت شعراً تسمعه العجوز
فتبكي على ما فاتها من شبابها ومعروف ان جرير لم يعشق
وعلى الرغم من ذلك فإن غزله من ارق الغزل في الشعر
بل ومن أكثره تأثيرا في النفوس فقد مزج الغزل الجاهلي بأسلوب الغزل العذري

يقول في احدى قصائده التي يصف المرأة متغزلا بها :

يا ام عمـرو جـزاك الله مغفرة  *** ردي علـي فـؤادي مثلمـا كانا
لقد كتمت الهـوي حتـي تهيمني *** لا أستطيـع لهذا الحب كتمانا
إن العيون التي في طرفهـا حور ***  قتلننا ثـم لـم يحييـن قتلانـا
يصرعن ذا اللب حتي لا حراك به *** وهـن أضعـف خلـق الله أركانا

واشتهر جرير ايضاً بالهجاء ويكون عنده شديد الصلة بالفخر
فهو إذا هجا افتخر وجعل من الفخر وسيلة لإذلال خصمه
أما موضوع فخره فنفسه وشاعريته ثم قومه وإسلامه
ويقال إن جرير إذا هجا الفرزدق اصطدم بأصل الفرزدق
الذي هو أصله فكلاهما من تميم
وإذا هجا الأخطل فخر بإسلامه ومضريته 
وفي مضر النبوة والخلافة
في قوله:
إن الذي حرم المكارم تغلبا *** جعل الخلافة والنبوة فينـا

عاش جرير عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم
فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل
لذلك اتفق علماء الأدب وأئمة نقد الشعر على انه لم يوجد في الشعراء الذين نشؤوا
في الإسلام أبلغ من جرير والفرزدق والأخطل
وانما اختلفوا في أيهم أشعر ولكل هوى ميل في تقديمه صاحبه
فمن كان هواه في رقة النسيب وجودة الغزل والتشبيب وجمال اللفظ
ولين الأسلوب والتصرف في أغراض شتى فضّل جريراً
ومن مال إلي إجادة الفخر وفخامة اللفظ ودقة المسلك وصلابة الشعر وقوّة أسره فضّل الفرزدق
ومن نظر بُعد بلاغة اللفظ وحُسن الصوغ إلي إجادة المدح والإمعان في الهجاء حكم للأخطل
إن لجرير في كل باب من الشعر ابياتاً سائرة هي الغاية التي يضرب بها المثل
لقد بدأ جرير حياته الشعرية بنقائض ضد شعراء محليين ثم تحول إلى الفرزدق
ولج الهجاء بينهما نحوا من أربعين سنة
ومن اشهر ابيات الشعر في هجاء جرير للفرزدق هذان البيتان :
وهما الشاهدان في موضوعنا هذا المتمثل في قول جرير عن الفرزدق
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ *** فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
وفي بيت آخر
إِذا غَضِبَت عَلَيكَ بَنو تَميمٍ *** حَسِبتَ الناسَ كُلُّهُمُ غِضابا
في قصيدة بعنوان: أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا
واليكم القصيدة كاملة:

أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا *** وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابا
أَجَدِّكَ ما تَذَكَّرُ أَهلَ نَجدٍ *** وَحَيّاً طالَ ما اِنتَظَروا الإِيابا
بَلى فَاِرفَضَّ دَمعُكَ غَيرَ نَزرٍ *** كَما عَيَّنتَ بِالسَرَبِ الطِبابا
وَهاجَ البَرقُ لَيلَةَ أَذرِعاتٍ *** هَوىً ما تَستَطيعُ لَهُ طِلابَ
فَقُلتُ بِحاجَةٍ وَطَوَيتُ أُخرى *** فَهاجَ عَلَيَّ بَينَهُما اِكتِئابا
وَوَجدٍ قَد طَوَيتُ يَكادُ مِنهُ *** ضَميرُ القَلبِ يَلتَهِبُ اِلتِهابا
سَأَلناها الشِفاءَ فَما شَفَتنا *** وَمَنَّتنا المَواعِدَ وَالخِلابا
لَشَتّانَ المُجاوِرُ دَيرَ أَروى *** وَمَن سَكَنَ السَليلَةَ وَالجِنابا
أَسيلَةُ مَعقِدِ السِمطَينِ مِنها *** وَرَيّا حَيثُ تَعتَقِدُ الحِقابا
وَلا تَمشي اللِئامُ لَها بِسِرٍّ *** وَلا تُهدي لِجارَتِها السِبابا
أَباحَت أُمُّ حَزرَةَ مِن فُؤادي *** شِعابَ الحُبِّ إِنَّ لَهُ شِعابا
مَتى أُذكَر بِخورِ بَني عِقالٍ *** تَبَيَّنَ في وُجوهِهِمِ اِكتِئابا
إِذا لاقى بَنو وَقبانَ غَمّاً *** شَدَدتُ عَلى أُنوفِهِمِ العِصابا
أَبى لي ما مَضى لي في تَميمٍ *** وَفي فَرعَي خُزَيمَةَ أَن أُعابا
سَتَعلَمُ مَن يَصيرُ أَبوهُ قَيناً *** وَمَن عُرِفَت قَصائِدُهُ اِجتِلابا
أَثَعلَبَةَ الفَوارِسِ أَو رِياحاً *** عَدَلتَ بِهِم طُهَيَّةَ وَالخِشابا
كَأَنَّ بَني طُهَيَّةَ رَهطَ سَلمى *** حِجارَةُ خارِئٍ يَرمي كِلابا
فَلا وَأَبيكَ ما لاقَيتُ حَيّاً *** كَيَربوعٍ إِذا رَفَعوا العُقابا
وَما وَجَدَ المُلوكُ أَعَزَّ مِنّا *** وَأَسرَعَ مِن فَوارِسِنا اِستِلابا
وَنَحنُ الحاكِمونَ عَلى قُلاخٍ *** كَفَينا ذا الجَريرَةِ وَالمُصابا
حَمَينا يَومَ ذي نَجَبٍ حِمانا *** وَأَحرَزنا الصَنائِعَ وَالنِهابا
لَنا تَحتَ المَحامِلِ سابِغاتٌ *** كَنَسجِ الريحِ تَطرِدُ الحَبابا
وَذي تاجٍ لَهُ خَرَزاتُ مُلكٍ *** سَلَبناهُ السُرادِقَ وَالحِجابَ
أَلا قَبَحَ الإِلَهُ بَني عِقالٍ *** وَزادَهُمُ بِغَدرِهِمِ اِرتِيابا
أَجيرانَ الزُبَيرِ بَرِئتُ مِنكُم *** فَأَلقوا السَيفَ وَاِتَّخِذوا العِيابا
لَقَد غَرَّ القُيونُ دَماً كَريماً *** وَرَحلاً ضاعَ فَاِنتُهِبَ اِنتِهابا
وَقَد قَعِسَت ظُهورُهُمُ بِخَيلٍ *** تُجاذِبُهُم أَعِنَّتَها جِذابا
عَلامَ تَقاعَسونَ وَقَد دَعاكُم *** أَهانَكُمُ الَّذي وَضَعَ الكِتابا
تَعَشّوا مِن خَزيرِهِمُ فَناموا *** وَلَم تَهجَع قَرائِبُهُ اِنتِحابا
أَتَنسَونَ الزُبَيرَ وَرَهطَ عَوفٍ *** وَجِعثِنَ بَعدَ أَعيَنَ وَالرَبابا
وَخورُ مُجاشِعٍ تَرَكوا لَقيطاً *** وَقالوا حِنوَ عَينِكَ وَالغُرابَ
وَأَضبُعُ ذي مَعارِكَ قَد عَلِمتُم *** لَقينَ بِجَنبِهِ العَجَبَ العُجابا
وَلا وَأَبيكَ ما لَهُم عُقولٌ *** وَلا وُجِدَت مَكاسِرُهُم صِلابا
وَلَيلَةَ رَحرَحانِ تَرَكتَ شيباً *** وَشُعثاً في بُيوتِكُمُ سِغابا
رَضِعتُم ثُمَّ سالَ عَلى لِحاكُم *** ثُعالَةَ حَيثُ لَم تَجِدوا شَرابا
تَرَكتُم بِالوَقيطِ عُضارِطاتٍ *** تُرَدِّفُ عِندَ رِحلَتِها الرِكابا
لَقَد خَزِيَ الفَرَزدَقُ في مَعَدٍّ *** فَأَمسى جَهدُ نُصرَتِهِ اِغتِيابا
وَلاقى القَينُ وَالنَخَباتُ غَمّاً *** تَرى لوكوفِ عَبرَتِهِ اِنصِبابا
فَما هِبتُ الفَرَزدَقَ قَد عَلِمتُم *** وَما حَقُّ اِبنِ بَروَعَ أَن يُهابا
أَعَدَّ اللَهُ لِلشُعَراءِ مِنّي *** صَواعِقَ يَخضَعونَ لَها الرِقابا
قَرَنتُ العَبدَ عَبدَ بَني نُمَيرٍ *** مَعَ القَينَينِ إِذ غُلِبا وَخابا
أَتاني عَن عَرادَةَ قَولُ سوءٍ *** فَلا وَأَبي عَرادَةَ ما أَصابا
لَبِئسَ الكَسبُ تَكسِبُهُ نُمَيرٌ *** إِذا اِستَأنوكَ وَاِنتَظَروا الإِيابا
أَتَلتَمِسُ السِبابَ بَنو نُمَيرٍ *** فَقَد وَأَبيهِمُ لاقوا سِبابا
أَنا البازي المُدِلُّ عَلى نُمَيرٍ *** أُتِحتُ مِنَ السَماءِ لَها اِنصِبابا
إِذا عَلِقَت مَخالِبُهُ بِقَرنٍ *** أَصابَ القَلبَ أَو هَتَكَ الحِجابا
تَرى الطَيرَ العِتاقَ تَظَلُّ مِنهُ *** جَوانِحَ لِلكَلاكِلِ أَن تُصابا
فَلا صَلّى الإِلَهُ عَلى نُمَيرٍ *** وَلا سُقِيَت قُبورُهُمُ السَحابا
وَخَضراءِ المَغابِنِ مِن نُمَيرٍ *** يَشينُ سَوادُ مَحجِرِها النِقابا
إِذا قامَت لِغَيرِ صَلاةِ وِترٍ *** بُعَيدَ النَومِ أَنبَحَتِ الكِلابا
وَقَد جَلَّت نِساءُ بَني نُمَيرٍ *** وَما عَرَفَت أَنامِلُها الخِضابَ
إِذا حَلَّت نِساءُ بَني نُمَيرٍ *** عَلى تِبراكَ خَبَّثَتِ التُرابا
وَلَو وُزِنَت حُلومُ بَني نُمَيرٍ *** عَلى الميزانِ ما وَزَنَت ذُبابا
فَصَبراً يا تُيوسَ بَني نُمَيرٍ *** فَإِنَّ الحَربَ موقِدَةٌ شِهابا
لَعَمروُ أَبي نِساءِ بَني نُمَيرٍ *** لَساءَ لَها بِمَقصَبَتي سِبابا
سَتَهدِمُ حائِطَي قَرماءَ مِنّي *** قَوافٍ لا أُريدُ بِها عِتابا
دَخَلنَ قُصورَ يَثرِبَ مُعلِماتٍ *** وَلَم يَترُكنَ مِن صَنعاءَ بابا
تَطولُكُمُ حِبالُ بَني تَميمٍ *** وَيَحمي زَأرُها أَجَماً وَغابا
أَلَم نُعتِق نِساءَ بَني نُمَيرٍ *** فَلا شُكراً جَزَينَ وَلا ثَوابا
أَلَم تَرَني صُبِبتُ عَلى عُبَيدٍ *** وَقَد فارَت أَباجِلُهُ وَشابا
أُعِدَّ لَهُ مَواسِمَ حامِياتٍ *** فَيَشفي حَرُّ شُعلَتِها الجِرابا
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ *** فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
أَتَعدِلُ دِمنَةً خَبُثَت وَقَلَّت *** إِلى فَرعَينِ قَد كَثُرا وَطابا
وَحُقَّ لِمَن تَكَنَّفَهُ نُمَيرٌ *** وَضَبَّةُ لا أَبالَكَ أَن يُعابا
فَلَولا الغُرُّ مِن سَلَفي كِلابٍ *** وَكَعبٍ لَاِغتَصَبتُكُمُ اِغتِصابا
فَإِنَّكُمُ قَطينُ بَني سُلَيمٍ *** تُرى بُرقُ العَباءِ لَكُم ثِيابا
إِذاً لَنَفَيتُ عَبدَ بَني نُمَيرٍ *** وَعَلَيَّ أَن أَزيدَهُمُ اِرتِيابا
فَيا عَجَبي أَتوعِدُني نُمَيرٌ *** بِراعي الإِبلِ يَحتَرِشُ الضِبابا
لَعَلَّكَ يا عُبَيدُ حَسِبتَ حَربي *** تَقَلُّدَكَ الأَصِرَّةَ وَالعِلابا
إِذا نَهَضَ الكِرامُ إِلى المَعالي *** نَهَضتَ بِعُلبَةٍ وَأَثَرتَ نابا
يَحِنُّ لَهُ العِفاسُ إِذا أَفاقَت *** وَتَعرِفُهُ الفِصالُ إِذا أَهابا
فَأَولِع بِالعِفاسِ بني نُمَيرٍ *** كَما أولَعتَ بِالدَبَرِ الغُرابا
وَبِئسَ القَرضُ قَرضُكَ عِندَ قَيسٍ *** تُهَيِّجُهُم وَتَمتَدِحُ الوِطابا
وَتَدعو خَمشَ أُمِّكَ أَن تَرانا *** نُجوماً لا تَرومُ لَها طِلابا
فَلَن تَسطيعَ حَنظَلَتى وَسُعدى *** وَلا عَمرى بَلَغتَ وَلا الرِبابا
قُرومٌ تَحمِلُ الأَعباءَ عَنكُم *** إِذا ما الأَمرُ في الحَدَثانِ نابا
هُمُ مَلَكوا المُلوكَ بِذاتِ كَهفٍ *** وَهُم مَنَعوا مِنَ اليَمَنِ الكُلابا
يَرى المُتَعَيِّدونَ عَلَيَّ دوني *** أُسودَ خَفِيَّةِ الغُلبِ الرِقابا
إِذا غَضِبَت عَلَيكَ بَنو تَميمٍ *** حَسِبتَ الناسَ كُلُّهُمُ غِضابا
أَلَسنا أَكثَرَ الثَقَلَينِ رَجلاً *** بِبَطنِ مِنىً وَأَعظَمُهُ قِبابا
وَأَجدَرَ إِن تَجاسَرَ ثُمَّ نادى *** بِدَعوى يالَ خِندِفَ أَن يُجابا
لَنا البَطحاءُ تُفعِمُها السَواقي *** وَلَم يَكُ سَيلُ أَودِيَتي شِعابا
فَما أَنتُم إِذا عَدَلَت قُرومي *** شَقاشِقَها وَهافَتَتِ اللُعابا
تَنَحَّ فَإِنَّ بَحري خِندِفِيٌّ *** تَرى في مَوجِ جِريَتِهِ عُبابا
بِمَوجٍ كَالجِبالِ فَإِن تَرُمهُ *** تُغَرَّق ثُمَّ يَرمِ بِكَ الجَنابا
فَما تَلقى مَحَلِّيَ في تَميمٍ *** بِذي زَلَلٍ وَلا نَسَبي اِئتِشابا
عَلَوتُ عَلَيكَ ذِروَةَ خِندِفِيٍّ *** تَرى مِن دونِها رُتَباً صِعابا
لَهُ حَوضُ النَبِيِّ وَساقِياهُ *** وَمَن وَرِثَ النُبُوَّةَ وَالكِتابا
وَمِنّا مَن يُجيزُ حَجيجَ جَمعٍ *** وَإِن خاطَبتَ عَزَّكُمُ خِطابا
سَتَعلَمُ مَن أُعِزُّ حِمىً بِنَجدٍ *** وَأَعظَمُنا بِغائِرَةٍ هِضابا
أُعُزُّكَ بِالحِجازِ وَإِن تَسَهَّل *** بِغَورِ الأَرضِ تُنتَهَبُ اِنتِهابا
أَتَيعَرُ يا اِبنَ بَروَعَ مِن بَعيدٍ *** فَقَد أَسمَعتَ فَاِستَمِعِ الجَوابا
فَلا تَجزَع فَإِنَّ بَني نُمَيرٍ *** كَأَقوامٍ نَفَحتَ لَهُم ذِنابا
شَياطينُ البِلادِ يَخَفنَ زَأري *** وَحَيَّةُ أَريَحاءَ لي اِستَجابا
تَرَكتُ مُجاشِعاً وَبَني نُمَيرٍ *** كَدارِ السوءِ أَسرَعَتِ الخَرابا
أَلَم تَرَني وَسَمتُ بَني نُمَيرٍ *** وَزِدتُ عَلى أُنوفِهِمُ العِلابا
إِلَيكَ إِلَيكَ عَبدَ بَني نُمَيرٍ *** وَلَمّا تَقتَدِح مِنّي شِهابا

****
ومَثَلٌنا السادس

بيت شعر اشتهر على السنة العامة وهو قول الشاعر:
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً *** فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ
هذا البيت لأبو العَتاهِيَة أبو إسحاق  إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني
130 - 211 هـ / 747 - 826 م

من طبقة بشار وأبي نواس ابدع  في قول شعر الزهد والمديح وأكثر من قوله
ولد ونشأ قرب الكوفة وسكن بغداد
شاعر مكثر سريع الخاطر في شعره إبداع من طبقة بشار وأبي نواس
يجيد القول في شعر الزهد ولد ونشأ قرب الكوفة وسكن بغداد
كان في بدء أمره يبيع الجرار ثم اتصل بالخلفاء وعلت مكانته عندهم
توفي في بغداد
والقصيدة من اربعة ابيات يقول فيها:
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني *** فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ على شَبابٍ *** نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً *** كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُودُ يَوْماً *** فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيبُ


***

ومَثَلٌنا السابع

ابيات شعر لعنترة بن شداد
وعنترة ابن شداد  من أشهر الشعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام ومن شعراء المعلّقات
له معلقة هي إحدى معلقات الشعر نظمها بعد أن عايره رجل بأنه لا يقول الشعر
وأنه عبد أسود استهلّ معلقته بالبيت التالي:
هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم *** أم هلْ عرفتَ الدارَ بعدَ توهمِ
لقد اشتهر شعر عنترة  بالفروسية وأشتهر بتغزله بابنة عمه عبلة
 أخذ السواد من أمه زبيبة حبشية سوداء سباها أبوه في إحدى غزواته
لذلك ينسب سواد عنترة لامه
إن عقدة السواد واضحة وبارزة لدى عنترة فهو لا يفتأ يذكر لونه في معظم قصائده
ومن يتتبع شعره يجد عقدة السواد واضحة وبارزة لديه في هذه الابيات :
يعيبون لوني بالسواد جهالة ***  ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
يعيبونَ لوني بالسواد وإنما *** فعالهم بالخبث أسودُ من جلدي
لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني*** ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء
وما عابَ الزَّمانُ عليّ لوْني *** ولا حَطّ السوادُ رفيع قَدري
لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ *** يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُ
ما ساءني لوني واسمُ زبيبةٍ *** إنْ قَصَّرَتْ عَنْ هِمَّتي أعدَائي
تُعيّرني العِدى بِسوادِ جلْدي *** وبيض خصائلي تمحو السَّوادا
وإنْ يعيبوا سواداً قد كُسيتُ بهِ *** فالدرُّ يسترهُ ثوبٌ من الصّدف
يعيبون لوني بالسواد جهالة ***  ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
وله ابيات شعر كثيرة مضرب مثل اذكر منها قوله:

سيذْكُرني قَومي إذا الخيْلُ أقْبلت *** وفي الليلة  الظلماءِ يفتقدُ البدر
اشتهر  شطر هذا البيت وجرى على السن الناس واصبح مضرب مثل
وقد ورد في قصيدة جميلة يقول فيها عنترة :

دهتْني صروفُ الدّهر وانْتَشب الغَدْرُ *** ومنْ ذا الذي في الناس يصفو له الدهر
وكم طرقتني نكبة  بعد نكبة  ***  ففَرّجتُها عنِّي ومَا مسَّني ضرُّ
ولولا سناني والحسامُ وهمتي  ***  لما ذكرتْ عبسٌ ولاَ نالها فخرُ
بَنَيْتُ لهم بيْتاً رفيعاً منَ العلى  **** تخرُّ له الجوْزاءُ والفرغ والغَفْرُ
وها قد رَحَلْتُ اليَوْمَ عنهمْ وأمرُنا *** إلى منْ له في خلقهِ النهى والأمر
سيذْكُرني قَومي إذا الخيْلُ أقْبلت *** وفي الليلة  الظلماءِ يفتقدُ البدر
يعيبون لوني بالسواد جهالة ***  ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
وانْ كانَ لوني أسوداً فخصائلي  ***  بياضٌ ومن كَفيَّ يُستنزل القطْر
محوتُ بذكري في الورى ذكر من مضى *** وسدتُ فلا زيدٌ يقالُ ولا عمرو


***
ومَثَلٌنا الثامن

مثل يُرَدَّدُ عَلَى الأَلْسِنَةِ للشاعر طرفة بن العبد:

كُلُّهُمُ أرْوَغُ من ثَعْلَبٍ *** مَا أشْبَهَ الَّليْلَةَ بِالبَارِحَهْ

وهذا المثل قد يجهل كثير من الناس معناه ومناسبته
ويضرب عند تشابه الشيئين
ومعناه ان الناس تتساوِى في الشر والخديعة وخص البارحة  لقُرْبِهَا  منها
فكأنه قَالَ:
ما أشبه الليلة بالليلة يعنى أنهم في اللؤم من نصاب واحد
والباء في البارحة من صلة المعنى كأنه في التقدير شيء يشبه الليلة بالبارحة
يُقَال : شبهته كذا
وهذا المثل له قصة يقال:

أن طرفة بن العبد طبعه حاد لا يقبل وصاية ولا رعاية من أحد
خصوصاً من أقربائه وبعد وفاة والده ساقته نفسه إلى شيء من الغرور
فتفرّد بنفسه لا يستمع ولا ينتصـح لأحـد وكانت النتيجة انعزاله التام
وهذا ما انعكسَ على شخصيّته
فنراه ينفر من المنافقين ويَسِمُ من حوله بالخداع ونلاحظ هذا في شعره
ولما كان في سجن ذات يوم طلب النجدة من أصحابه وأقربائه فخذلوه
فقال ابيات شعر ضمنها مثلنا هنا فقال :

أسلمني قومي ولم يغضبوا  ***  لِسَوْءةٍ حلّتْ بهم فادحهْ
كلّ خليلٍ كنت خاللْته  ***  لا ترك الله له واضحهْ
كُلُّهُمُ أرْوَغُ من ثَعْلَبٍ *** مَا أشْبَهَ الَّليْلَةَ بِالبَارِحَهْ

***

ومَثَلٌنا التاسع

 من الامثال العربية التي نتمثل بها وهو قول الحطيئة:

مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ *** لا يَذهَبُ العُرفُ بَين اللَهِ وَالناسِ

وأسم الحطيئة جرول بن أوس بن مالك أبو مليكة العبسي
ويلقب بالحطيئة لقصر قامته
ولد في بادية المدينة المنورة في العصر الجاهلي في قبيلة بني عبس الغطفانية
وقد قيلفي شعره ليس في الشعر العربي بيت مكتف بذاته مثل قول الحطيئة هذا
 لان كل شطر من هذا البيت مكتف بذاته
وقد كانوا يعدون عيبا في القصيدة ألا يكتمل المعنى إلا في بيتين او ثلاثة
ومعنى هذا البيت:
أي لا تبخلوا بفعل الخير وتذكروا أنه كما تدينوا تدانوا والحياة دين ووفاء
فإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة تنال معروفك 

واليكم ابيات القصيدة كاملة

وَاللَهِ ما مَعشَرٌ لاموا اِمرَأً جُنُباً *** في آلِ لَأيِ بنِ شَمّاسٍ بِأَكياسِ
عَلامَ كَلَّفتَني مَجدَ اِبنِ عَمِّكُمُ *** وَالعيسُ تَخرُجُ مِن أَعلامِ أَوطاسِ
ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ لا أَبا لَكُمُ *** في بائِسٍ جاءَ يَحدو آخِرَ الناسِ
لَقَد مَرَيتُكُمُ لَو أَنَّ دِرَّتَكُم *** يَوماً يَجيءُ بِها مَسحي وَإِبساسي
وَقَد مَدَحتُكُمُ عَمداً لِأُرشِدَكُم *** كَيما يَكونَ لَكُم مَتحي وَإِمراسي
وَقَد نَظَرتُكُمُ إِعشاءَ صادِرَةٍ *** لِلخَمسِ طالَ بِها حَبسي وَتَنساسي
فَما مَلَكتُ بِأَن كانَت نُفوسُكُمُ *** كَفارِكٍ كَرِهَت ثَوبي وَإِلباسي
لَمّا بَدا لِيَ مِنكُم غَيبُ أَنفُسِكُم *** وَلَم يَكُن لِجِراحي مِنكُمُ آسي
أَزمَعتُ يَأساً مُبيناً مِن نَوالِكُمُ *** وَلَن تَرى طارِداً لِلحُرِّ كَالياسِ
أَنا اِبنُ بَجدَتِها عِلماً وَتَجرِبَةً *** فَسَل بِسَعدٍ تَجِدني أَعلَمَ الناسِ
ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ أَن رَأى رَجُلاً *** ذا فاقَةٍ عاشَ في مُستَوعَرٍ شاسِ
جارٌ لِقَومٍ أَطالوا هونَ مَنزِلِهِ *** وَغادَروهُ مُقيماً بَينَ أَرماسِ
مَلّوا قِراهُ وَهَرَّتهُ كِلابُهُمُ *** وَجَرَّحوهُ بِأَنيابٍ وَأَضراسِ
دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها *** وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
وَاِبعَث يَساراً إِلى وُفرٍ مُذَمَّمَةٍ *** وَاِحدِج إِلَيها بِذي عَركَينِ قِنعاسِ
سيري أُمامَ فَإِنَّ الأَكثَرينَ حَصىً *** وَالأَكرَمينَ أَباً مِن آلِ شَمّاسِ
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ *** لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
ما كانَ ذَنبِيَ أَن فَلَّت مَعاوِلَكُم *** مِن آلِ لَأيٍ صَفاةٌ أَصلُها راسِ 
قَد ناضَلوكَ فَسَلّوا مِن كِنانَتِهِم *** مَجداً تَليداً وَنَبلاً غَيرَ أَنكاسِ

***

ومَثَلٌنا العاشر

قول الشاعر أحمد شوقي

قم للمعلم وفّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا

قد يسأل البعض عن قول أحمد شوقي من الناحية الشرعية :
( كاد المعلم أن يكون رسولا )
فيرد على ذلك بهذا الجواب :
إن هذا البيت ألقاه أمير الشعراء أحمد شوقي (ت1932م)
في حفل قام به نادي مدرسة المعلمين العليا بين الناس من يومها 
لما فيها من قيم عليا تحث على العلم والتعليم وترفع مكانة المعلم بين الناس
فكان مما جاء في هذه القصيدة:

قم للمعلم وفِّهِ التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشئ أنفسا وعقولا
سبحانك اللهم خيرَ معلِّم *** علّمت بالقلم القرونَ الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماته *** وهديته النور المبين سبيلا
أرسلت بالتوراة موسى مرشدا *** وابنَ البتول فعلّم الإنجيلا
قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا *** كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولا
لأعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي *** يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا؟
سـبـحانكَ اللهمَّ خـيـرُ مـعلّمٍ *** عـلَّمتَ بـالقلمِ الـقرونَ الأولى
أخـرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ *** وهـديتَهُ الـنورَ الـمبينَ سبيلا
أرسـلتَ بالتوراةِ موسى مرشداً *** وابـنَ الـبتولِ فـعلّمَ الإنـجيلا
وفـجّرتَ يـنبوعَ البيانِ محمّداً *** فـسقى الـحديثَ وناولَ التنزيلا
إنَّ الـذي خـلقَ الـحقيقةَ علقماً *** لـم يُـخلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلا
أوَ كلُّ من حامى عن الحقِّ افتنى *** عـندَ الـسَّوادِ ضغائناً وذحولا
لـو كنتُ أعتقدُ الصليبَ وخطبَه *** لأقـمتُ من صلبِ المسيحِ دليلا
تـجدُ الـذين بنى "المسلّةَ" جدُّهم *** لا يُـحسنونَ لإبـرةٍ تـشكيلا
الـجهلُ لا تـحيا عـليهِ جماعةٌ *** كـيفَ الحياةُ على يديّ عزريلا
ربُّوا على الإنصافِ فتيانَ الحِمى *** تـجدوهمُ كـهفَ الحقوقِ كهولا
فـهوَ الـذي يبني الطباعَ قويمةً *** وهـوَ الذي يبني النفوسَ عُدولا
وإذا الـمعلّمُ لم يكنْ عدلاً، مشى *** روحُ الـعدالةِ في الشبابِ ضئيلا
وإذا أتى الإرشادُ من سببِ الهوى *** ومـن الـغرورِ، فسَمِّهِ التضليلا
وإذا أصـيبَ الـقومُ في أخلاقِهمْ *** فـأقمْ عـليهم مـأتماً وعـويلا
وإذا الـنساءُ نـشأنَ فـي أُمّيَّةٍ *** رضـعَ الـرجالُ جهالةً وخمولا
لـيسَ اليتيمُ من انتهى أبواهُ من *** هــمِّ الـحياةِ، وخـلّفاهُ ذلـيلا
إنَّ الـيتيمَ هـوَ الـذي تلقى بهِ *** أمّـاً تـخلّتْ أو أبَـاً مـشغولا
 وفجرت ينبوع البيان محمدا *** فسقى الحديث وناول التنزيلا
إلى آخر القصيدة التي تقرؤها في ديوان "الشوقيات
مخلص الجواب :
لا حرج في هذا البيت من الشعر لا على قائله ولا على المستشهد به
فليس هذا بمحذور أيضا لأن مسألة القيام للمعلم مسألة خلافية بين الفقهاء
والأكثرون على استحباب هذا القيام وجوازه إجلالا للمعلم واحتراما لقدرته ومكانته

***

مَثَلٌنا الحادي عشر 

قول الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس

يروى أن فارساً ذا نخوة مرّ على رجل وجده مسجى تحت ظل شجرة في البيداء
فعلم أنه ينازع الموت جوعاً وعطشاً حيث تقطعت به الأسباب
فنزل من دابته وأخذ برأسه فسقاه وأطعمه وما زال يلازمه ويرعاه حتى أفاق واستقوى
ثم أمعن الفارس في الإحسان عليه وأخذه إلى مضارب قومه كما أراد
ولكن في الطريق نزل الفارس ليقضي حاجته تاركاً رسن البعير بيد الرجل التائه
فما كان من الأخير إلا أن همّ بالفرار ومعه متاع الفارس وطعامه
فقال الفارس مناشد اللص أن يسمع مقالته قبل أن يختفي بما سرق
فوقف اللص يسمع قول الفارس:
فقال أسألك بالله ألا تخبر أحداً من أحياء العرب بما فعلت من سوء
حتى لا تذهب المروءة بين العرب
إن قبائل العرب عبر تاريخها الطويل ظلت دائماً تمجد القيم الإنسانية النبيلة
وعمل الخير عبر أمثالها الشعبية وحكمها الشائعة المتوارثة
وعبر أشعارها التي تجسد آلتها الإعلامية الأشد تأثيراً على مدى القرون الماضية
واليكم قصيدة الحطيئة كاملة :
وَاللَهِ ما مَعشَرٌ لاموا اِمرَأً جُنُباً *** في آلِ لَأيِ بنِ شَمّاسٍ بِأَكياسِ
عَلامَ كَلَّفتَني مَجدَ اِبنِ عَمِّكُمُ *** وَالعيسُ تَخرُجُ مِن أَعلامِ أَوطاسِ
ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ لا أَبا لَكُمُ *** في بائِسٍ جاءَ يَحدو آخِرَ الناسِ
لَقَد مَرَيتُكُمُ لَو أَنَّ دِرَّتَكُم *** يَوماً يَجيءُ بِها مَسحي وَإِبساسي
 وَقَد مَدَحتُكُمُ عَمداً لِأُرشِدَكُم *** كَيما يَكونَ لَكُم مَتحي وَإِمراسي
وَقَد نَظَرتُكُمُ إِعشاءَ صادِرَةٍ *** لِلخَمسِ طالَ بِها حَبسي وَتَنساسي
فَما مَلَكتُ بِأَن كانَت نُفوسُكُمُ *** كَفارِكٍ كَرِهَت ثَوبي وَإِلباسي
لَمّا بَدا لِيَ مِنكُم غَيبُ أَنفُسِكُم ***  وَلَم يَكُن لِجِراحي مِنكُمُ آسي
 أَزمَعتُ يَأساً مُبيناً مِن نَوالِكُمُ *** وَلَن تَرى طارِداً لِلحُرِّ كَالياسِ
أَنا اِبنُ بَجدَتِها عِلماً وَتَجرِبَةً *** فَسَل بِسَعدٍ تَجِدني أَعلَمَ الناسِ
ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ أَن رَأى رَجُلاً *** ذا فاقَةٍ عاشَ في مُستَوعَرٍ شاسِ
جارٌ لِقَومٍ أَطالوا هونَ مَنزِلِهِ *** وَغادَروهُ مُقيماً بَينَ أَرماسِ
مَلّوا قِراهُ وَهَرَّتهُ كِلابُهُمُ *** وَجَرَّحوهُ بِأَنيابٍ وَأَضراسِ
 دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها *** وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
وَاِبعَث يَساراً إِلى وُفرٍ مُذَمَّمَةٍ *** وَاِحدِج إِلَيها بِذي عَركَينِ قِنعاسِ
سيري أُمامَ فَإِنَّ الأَكثَرينَ حَصىً *** وَالأَكرَمينَ أَباً مِن آلِ شَمّاسِ
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ *** لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
ما كانَ ذَنبِيَ أَن فَلَّت مَعاوِلَكُم *** مِن آلِ لَأيٍ صَفاةٌ أَصلُها راسِ
قَد ناضَلوكَ فَسَلّوا مِن كِنانَتِهِم *** مَجداً تَليداً وَنَبلاً غَيرَ أَنكاسِ

وقد قال عبد الله بن مبارك  في بذل المعروف هذه الابيات :
يد المعروف غنمٌ حيث كانت *** تحمَّلها شكورٌ أو كفـور
ففي شكر الشَّكور لها جزاءٌ *** وعند الله ما كفر الكفـور

ولابن دريد وقيل إنه أنشدها:
وما هذه الأيَّام معارةٌ *** فما استطعت من معروفها فتـزوَّد
فإنَّك لا تدري بأيَّة بلدةٍ *** تموت ولاما يحدث الله في غـد

***

مَثَلٌنا الثاني عشر 

قول الامام الشافعي:
ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣاﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ *** ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕُ

يروى أن حاكم مصر ﺍﺳﺘﺪﻋﻰ الشعراء يوماً ﻓﺼﺎﺩﻓﻬﻢ ﺷﺎﻋﺮ ﻓﻘﻴﺮ ﺑﻴﺪﻩ ﺟﺮّﺓ ﻓﺎﺭﻏﺔ ﺫﺍﻫﺒﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﻴﻤﻸﻫﺎ ﻣﺎﺀ
ﻓﺮﺍﻓﻘﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺭ ﺍلأمير ﻓﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺇﻛﺮﺍﻣﻬﻢ ﻭﺍﻹﻧﻌﺎﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ
ﻭﻟّﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺮﺟﻞ بينهم ﻭﺍﻟﺠﺮّﺓ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ رث الثياب
ﻗﺎﻝ له: ﻣﻦ ﺃﻧﺖ؟
ﻭﻣﺎ ﺣﺎﺟﺘﻚ؟
ﻓﺄﻧﺸﺪ ﺍﻟﺮﺟﻞ:
ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺃﻳﺖُ ﺍﻟﻘﻮﻡَ ﺷﺪﻭﺍ ﺭﺣﺎﻟﻬﻢ *** ﺇﻟﻰ ﺑﺤﺮِﻙ ﺍﻟﻄَّﺎﻣﻲ ﺃﺗﻴﺖُ ﺑِﺠﺮﺗّﻲ
ﻓﻘﺎﻝ ﺍلأمير:
ﺍﻣﻸﻭﺍ ﻟﻪ ﺍﻟﺠّﺮﺓ ﺫﻫﺒﺎً ﻭﻓﻀّﺔ.
ﻓﺤﺴﺪﻩ مرافقوه وقالوا:
ﻫﺬﺍ ﻓﻘﻴﺮ ﻣﺠﻨﻮﻥ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻗﻴﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺭﺑّﻤﺎ ﺃﺗﻠﻔﻪ ﻭﺿﻴّﻌﻪ
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ:
ﻫﻮ ﻣﺎﻟﻪ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﺀ ﻓﻤُﻠﺌﺖ ﻟﻪ ﺟﺮّﺗﻪ ﺫﻫﺒﺎً ﻭﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ 
ﻓﻔﺮّﻕ ﺍﻟﻤﺎﻝ على ﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺑﻠﻎ ﺍلأمير ﺫﻟﻚ
ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﺎﻩ ﻭﺳﺄﻟﻪ عن ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺎﻝ:
ﻳﺠﻮﺩ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺨﻴّﺮﻭﻥ ﺑﻤﺎﻟﻬﻢ *** ﻭﻧﺤﻦ ﺑﻤاﻝ ﺍﻟﺨﻴّﺮﻳﻦ ﻧﺠﻮدُ
ﻓﺄﻋﺠﺐ ﺍلأمير ﺑﺠﻮﺍﺑﻪ ﻭﺃﻣﺮ بأﻥ ﺗُﻤﻸ ﺟﺮّﺗُﻪ ﻋﺸﺮ ﻣﺮّﺍﺕ ذهباً وفضة

ثم أنشد ابيات للامام الشافعي
ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ *** ﻭﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ﺃﻭﻗﺎﺕ ﻭﺳﺎﻋﺎﺕُ
ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭﻯ ﺭﺟﻞٌ *** ﺗﻘﻀﻰ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺎﺕُ
ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻦ ﺃﺣــﺪٍ *** ﻣـﺎ ﺩﻣـﺖ ﺗـﻘﺪﺭ ﻭﺍﻷﻳـﺎﻡ ﺗـــﺎﺭﺍﺕُ
ﻭﺍﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﺫ ﺟﻌﻠﺖ *** ﺇﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟـــﺎﺕُ
ﻗﺪ ﻣﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭﻣﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ *** ﻭﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻣﻮﺍﺕُ

***

مَثَلٌنا الثالث عشر 

قول الشاعر أَبو تَمّام

السيف اصدقُ إِنباءً من الكُتُبِ *** في حدَّهِ الحدُّ بين الجدَ واللِّعبِ

أَبو تَمّام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي
188 - 231 هـ / 803 - 845 م

أحد أمراء البيان ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر
واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته
ثم أقام فيها وولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها
كان أسمر طويلاً فصيحاً حلو الكلام فيه تمتمة يسيرة
يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع
في شعره قوة وجزالة واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري
له تصانيف منها فحول الشعراء وديوان الحماسة ومختار أشعار القبائل
ونقائض جرير والأخطل نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني
عمل حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية
وفي أخبار أبي تمام للصولي:
أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت 
فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء

واليكم القصيدة كاملة:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ *** في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في *** مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة  *** بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة  الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة  بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا *** صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
تخرُّصاً وأحاديثاً ملفَّقة  *** لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ ولاغَرَبِ
عجائباً زعموا الأيَّامَ مُجْفلة *** عَنْهُنَّ في صَفَرِ الأَصْفَار أَوْ رَجَبِ
وخَوَّفُوا الناسَ مِنْ دَهْيَاءَ مُظْلِمَة *** إذا بدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنبِ
وصيَّروا الأبرجَ العُلْيا مُرتَّبة *** مَا كَانَ مُنْقَلِباً أَوْ غيْرَ مُنْقَلِبِ
يقضون بالأمر عنها وهي غافلة *** ما دار في فلك منها وفي قُطُبِ
لو بيَّنت قطّ أمراً قبل موقعه *** لم تُخْفِ ماحلَّ بالأوثان والصلُبِ
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ *** نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ
فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ *** وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ
يَا يَوْمَ وَقْعَة  عَمُّوريَّة  انْصَرَفَتْ *** منكَ المُنى حُفَّلاً معسولة  الحلبِ
أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ *** والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في صَبَبِ
أُمٌّ لَهُمْ لَوْ رَجَوْا أَن تُفْتَدى جَعَلُوا *** فداءها كلَّ أمٍّ منهمُ وأبِ
وبرْزة  الوجهِ قدْ أعيتْ رياضتُهَا *** كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِي كَرِبِ
بِكْرٌ فَما افْتَرَعَتْهَا كَفُّ حَادِثَة  *** ولا ترقَّتْ إليها همَّة  النُّوبِ
مِنْ عَهْدِ إِسْكَنْدَرٍ أَوْ قَبل ذَلِكَ قَدْ *** شابتْ نواصي اللَّيالي وهيَ لمْ تشبِ
حَتَّى إذَا مَخَّضَ اللَّهُ السنين لَهَا *** مَخْضَ البِخِيلَة  كانَتْ زُبْدَة  الحِقَبِ
أتتهُمُ الكُربة  السَّوداءُ سادرة  *** منها وكان اسمها فرَّاجة  الكُربِ
جرى لها الفالُ برحاً يومَ أنقرة *** إذْ غودرتْ وحشة  الساحاتِ والرِّحبِ
لمَّا رَأَتْ أُخْتَها بِالأَمْسِ قَدْ خَرِبَتْ *** كَانَ الْخَرَابُ لَهَا أَعْدَى من الجَرَبِ
كمْ بينَ حِيطانها من فارسٍ بطلٍ *** قاني الذّوائب من آني دمٍ سربِ
بسُنَّة  السَّيفِ والخطيَّ منْ دمه *** لاسُنَّة  الدين وَالإِسْلاَمِ مُخْتَضِبِ
لقد تركتَ أميرَ المؤمنينَ بها *** للنَّارِ يوماً ذليلَ الصَّخرِ والخشبِ
غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيلِ وهوَ ضُحى *** يَشُلُّهُ وَسْطَهَا صُبْحٌ مِنَ اللَّهَبِ
حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ *** عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ لَم تَغِبِ
ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفة  *** وظُلمة  منَ دخان في ضُحى  شحبِ
فالشَّمْسُ طَالِعَة  مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَتْ *** والشَّمسُ واجبة  منْ ذا ولمْ تجبِ
تصرَّحَ الدَّهرُ تصريحَ الغمامِ لها *** عنْ يومِ هيجاءَ منها طاهرٍ جُنُبِ
لم تَطْلُعِ الشَّمْسُ فيهِ يَومَ ذَاكَ على *** بانٍ بأهلٍ وَلَم تَغْرُبْ على عَزَبِ
ما ربعُ ميَّة  معموراً يطيفُ بهِ *** غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبى  مِنْ رَبْعِهَا الخَرِبِ
ولا الْخُدُودُ وقدْ أُدْمينَ مِنْ خجَلٍ *** أَشهى إلى ناظِري مِنْ خَدها التَّرِبِ
سَماجَة  غنِيَتْ مِنَّا العُيون بِها *** عنْ كلِّ حُسْنٍ بدا أوْ منظر عجبِ
وحُسْنُ مُنْقَلَبٍ تَبْقى عَوَاقِبُهُ *** جاءتْ بشاشتهُ منْ سوءٍ منقلبِ
لوْ يعلمُ الكفرُ كمْ منْ أعصرٍ كمنتْ *** لَهُ العَواقِبُ بَيْنَ السُّمْرِ والقُضُبِ
تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِمِ *** للهِ مرتقبٍ في الله مُرتغبِ
ومُطعَمِ النَّصرِ لَمْ تَكْهَمْ أَسِنَّتُهُ *** يوماً ولاَ حُجبتْ عنْ روحِ محتجبِ
لَمْ يَغْزُ قَوْماً، ولَمْ يَنْهَدْ إلَى بَلَدٍ *** إلاَّ تقدَّمهُ جيشٌ من الرَّعبِ
لوْ لمْ يقدْ جحفلاً، يومَ الوغى ، لغدا *** منْ نفسهِ، وحدها، في جحفلٍ لجبِ
رمى بكَ اللهُ بُرْجَيْها فهدَّمها *** ولوْ رمى بكَ غيرُ اللهِ لمْ يصبِ
مِنْ بَعْدِ ما أَشَّبُوها واثقينَ بِهَا *** واللهُ مفتاحُ باب المعقل الأشبِ
وقال ذُو أَمْرِهِمْ لا مَرْتَعٌ صَدَدٌ *** للسارحينَ وليسَ الوردُ منْ كثبِ
أمانياً سلبتهمْ نجحَ هاجسها *** ظُبَى السيوفِ وأطراف القنا السُّلُبِ
إنَّ الحمامينِ منْ بيضٍ ومنْ سُمُرٍ *** دَلْوَا الحياتين مِن مَاءٍ ومن عُشُبٍ
لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ *** كأسَ الكرى ورُضابَ الخُرَّدِ العُرُبِ
عداك حرُّ الثغورِ المستضامة  عنْ *** بردِ الثُّغور وعنْ سلسالها الحصبِ
أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً *** وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَمْ تُجِبِ
حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِراً *** ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ والطُّنُبِ
لمَّا رأى الحربَ رأْي العينِ تُوفلِسٌ *** والحَرْبُ مَشْتَقَّة  المَعْنَى مِنَ الحَرَبِ
غَدَا يُصَرِّفُ بِالأَمْوال جِرْيَتَها *** فَعَزَّهُ البَحْرُ ذُو التَّيارِ والحَدَبِ
هَيْهَاتَ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُورُ بِهِ  *** عن غزْوِ مُحْتَسِبٍ لا غزْو مُكتسبِ
لمْ يُنفق الذهبَ المُربي بكثرتهِ *** على الحصى وبهِ فقْرٌ إلى الذَّهبِ
إنَّ الأُسُودَ أسودَ الغيلِ همَّتُها *** يوم الكريهة  في المسلوب لا السَّلبِ
وَلَّى ، وَقَدْ أَلجَمَ الخطيُّ مَنْطِقَهُ *** بِسَكْتَة  تَحْتَها الأَحْشَاءُ في صخَبِ
أَحْذَى قَرَابينه صَرْفَ الرَّدَى ومَضى *** يَحْتَثُّ أَنْجى مَطَاياهُ مِن الهَرَبِ
موكِّلاً بيفاعِ الأرضِ يُشرفهُ *** مِنْ خِفّة  الخَوْفِ لا مِنْ خِفَّة  الطرَبِ
إنْ يَعْدُ مِنْ حَرهَا عَدْوَ الظَّلِيم، فَقَدْ  *** أوسعتَ جاحمها منْ كثرة  الحطبِ
تِسْعُونَ أَلْفاً كآسادِ الشَّرَى نَضِجَتْ *** جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ
يا رُبَّ حوباءَ لمَّا اجتثَّ دابرهمْ *** طابَتْ ولَوْ ضُمخَتْ بالمِسْكِ لم تَطِبِ
ومُغْضَبٍ رَجَعَتْ بِيضُ السُّيُوفِ بِهِ *** حيَّ الرِّضا منْ رداهمْ ميِّتَ الغضبِ
والحَرْبُ قائمَة  في مأْزِقٍ لَجِجٍ *** تجثُو القيامُ بهِ صُغراً على الرُّكبِ
كمْ نيلَ تحتَ سناها من سنا قمرٍ *** وتَحْتَ عارِضِها مِنْ عَارِضٍ شَنِبِ
كمْ كان في قطعِ أسباب الرِّقاب بها *** إلى المخدَّرة  العذراءِ منَ سببِ
كَمْ أَحْرَزَتْ قُضُبُ الهنْدِي مُصْلَتَة  *** تهتزُّ منْ قُضُبٍ تهتزُّ في كُثُبِ
بيضٌ، إذا انتُضيتْ من حُجبها، رجعتْ *** أحقُّ بالبيض أتراباً منَ الحُجُبِ
خَلِيفَة  اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ *** جُرْثُومَة  الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ
بصُرْتَ بالرَّاحة  الكُبرى فلمْ ترها *** تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ
إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهرِ من رحمٍ *** موصولة  أوْ ذمامٍ غيرِ مُنقضبِ
فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا *** وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ
أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسِمِهمُ  ***  صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ

***

مَثَلٌنا الرابع عشر

 قول الشاعر:
مَن راقَبَ الناسَ ماتَ غَمّاً 
قائل هذا البيت هو سالم الخاسر ذُكِر في وفيات الأعيان :
سالم الخاسر أبو عمر سالم الشاعر عرف بالخاسر
ويقال إنه مولى أبي بكر الصديق وقيل بل مولى المهدي 
وسمي الخاسر لكونه باع مصحفاً واشترى بثمنه طنبوراً
قدم بغداد ومدح المهدي والهادي والبرامكة وكان على طريقة غير مرضية 
من المجون والتظاهر بالخلاعة والفسوق
وكان سالم المذكور قد مدح المهدي بقصيدة منها:
حضر الرحيل وشدت الأحداج *** وحدا بهن مشمر مـزعـاج
شربت بمكة في ذرى بطحائها *** ماء النبوة ليس فـيه مـزاج

وكان المهدي أعطى مروان بن أبي حفصة مائة ألف درهم بقصيدته التي أولها:

طرقتك زائرة فحي خيالها

فأراد أن ينقص سالماً من هذه الجائزة فحلف سالم أن لا يأخذ إلا مائة ألف وقال:
تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخبروا بتقدم قصيدتي
فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم وألف درهم وكان هذا ماله
وكان ينتمي إلى ولاء تيم بن مرة من قريش
فلما بلغ زمن الرشيد وكان الرشيد قد بايع لمحمد بن زبيدة يعني ولده الأمين
قال قصيدته التي أولها:
قل للمنازل بالكثيب الاعفر *** أسقيت غادية السحاب الممطر
قد بايع الثقلان مهدي الهـدى *** لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر
ومات سالم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده ستة وثلاثون ألف دينار
فاودعها أبا السمراء الغساني فبقيت عنده وإن إبراهيم الموصلي 
دخل يوماً على الرشيد وغناه فأطربه فقال:  سل ما شئت 
قال: نعم يا سيدي
أسأل شيئاً لا يزرأك
قال: ما هو؟
قال: مات سالم وليس له وارث وخلف ستة وثلاثين ألف دينار عند أبي السمراء الغساني 
تأمره أن يدفعها إلي فتسلمها

وكان الجماز قدم هو وأبوه يطالبان بميراث سالم بأنهما من قرابته
وذكروا أنه لما قال أبو العتاهية:

تعالى الله يا سلم بن عمرو *** أذل الحرص أعناق الرجال

غضب سالم وقال:
 يزعم أني حريض وقال يرد عليه:

ما أقبح التزهيد من واعظ *** يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقاً *** أضحى وأمسى بيته المسجد
ويرفض الدنيا ولم يقنها *** ولم يكن يسعى ويستـرفد
يخاف أن تـنفد أرزاقه *** والرزق عند الله لا ينفد
والرزق مقسوم على من ترى *** يناله الأبيض والأسود
كل يوفى رزقه كاملاً *** من كف عن جهد ومن يجهد

وكان سالم من الشعراء المجيدين من تلامذة بشار
وصار يقول أرق من شعر بشار وكان بشار قد قال:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته *** وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

وقال سالم:
من راقب الناس مات غماً *** وفاز باللذة الجـسور

فغضب بشار وقال: ذهب والله بيتي يأخذ المعاني التي تعبت فيها 
فيكسوها ألفاظاً أخف من ألفاظي 
لا أرضى عنه فما زالوا يسألونه حتى رضي عنه

وقال أبو معاذ النميري: رأيت بشاراً لما قال هذا البيت وهو يلهج به كثيراً
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
قلت: يا أبا معاذ قد قال سالم الخاسر بيتاً في هذا المعنى هو أخف من هذا وأنشدته:
من راقب الناس مات غماً
فقال: ذهب والله بيتي والله لا أكلت اليوم شيئاً ولا صمت
وكانت وفاة سالم المذكور سنة ست وثمانين ومائة رحمه الله تعالى

***

مَثَلٌنا الخمس عشر 

قول الشاعر:

وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ *** فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ

قائل هذا البيت هو ابو الطيب المتنبي
سبق ترجمته 
واليكم القصيدة كاملة :

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ *** أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ
يَعْلَمْنَ ذاكَ وما عَلِمْتِ وإنّمَا *** أوْلاكُما يُبْكَى عَلَيْهِ العاقِلُ
وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّةَ طَرْفُهُ *** فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القاتِلُ
تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّباءِ وعِنْدَهُ *** من كُلّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ
أللاّءِ أفْتَكُهَا الجَبانُ بمُهْجَتي *** وأحَبُّهَا قُرْباً إليّ البَاخِلُ
ألرّامِياتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ *** والخاتِلاتُ لَنَا وهُنّ غَوافِلُ
كافأنَنَا عَنْ شِبْهِهِنّ مِنَ المَهَا *** فَلَهُنّ في غَيرِ التّرابِ حَبَائِلُ
مِنْ طاعِني ثُغَرِ الرّجالِ جآذِرٌ *** ومِنَ الرّماحِ دَمَالِجٌ وخَلاخِلُ
ولِذا اسمُ أغطِيَةِ العُيُونِ جُفُونُها *** مِنْ أنّها عَمَلَ السّيُوفِ عَوامِلُ
كم وقْفَةٍ سَجَرَتكَ شوْقاً بَعدَما *** غَرِيَ الرّقيبُ بنا ولَجّ العاذِلُ
دونَ التّعانُقِ ناحِلَينِ كشَكْلَتيْ *** نَصْبٍ أدَقَّهُمَا وضَمَّ الشّاكِلُ
إنْعَمْ ولَذّ فَلِلأمورِ أواخِرٌ *** أبَداً إذا كانَتْ لَهُنّ أوائِلُ
ما دُمْتَ مِنْ أرَبِ الحِسانِ فإنّما *** رَوْقُ الشّبابِ علَيكَ ظِلٌّ زائِلُ
للّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرّ كأنّهَا *** قُبَلٌ يُزَوَّدُهَا حَبيبٌ راحِلُ
جَمَحَ الزّمانُ فَلا لَذيذٌ خالِصٌ *** ممّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِلُ
حتى أبو الفَضْلِ ابنُ عَبْدِالله رُؤ *** يَتُهُ المُنى وهيَ المَقامُ الهَائلُ
مَمْطُورَةٌ طُرُقي إلَيهَا دونَهَا *** مِنْ جُودِهِ في كلّ فَجٍّ وابِلُ
مَحْجُوبَةٌ بسُرادِقٍ مِنْ هَيْبَةٍ *** تَثْني الأزِمّةَ والمَطيُّ ذَوامِلُ
للشّمسِ فيهِ وللسّحابِ وللبِحَا *** رِ وللأسُودِ وللرّياحِ شَمَائِلُ
ولَدَيْهِ مِلْعِقْيَانِ والأدَبِ المُفَا *** دِ ومِلْحيَاةِ ومِلْمَماتِ مَنَاهِلُ
لَوْ لم يَهَبْ لجَبَ الوُفُودِ حَوَالَهُ *** لَسَرَى إلَيْهِ قَطَا الفَلاةِ النّاهِلُ
يَدْري بمَا بِكَ قَبْلَ تُظْهِرُهُ لَهُ *** مِن ذِهْنِهِ ويُجيبُ قَبْلَ تُسائِلُ
وتَراهُ مُعْتَرِضاً لَهَا ومُوَلّياً *** أحْداقُنا وتَحارُ حينَ يُقابِلُ
كَلِماتُهُ قُضُبٌ وهُنّ فَوَاصِلٌ *** كلُّ الضّرائبِ تَحتَهُنّ مَفاصِلُ
هَزَمَتْ مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلّهَا *** حتى كأنّ المَكْرُماتِ قَنَابِلُ
وقَتَلْنَ دَفْراً والدُّهَيْمَ فَما تَرَى *** أُمُّ الدُّهَيْمِ وأُمُّ دَفْرٍ ثَاكِلُ
عَلاّمَةُ العُلَمَاءِ واللُّجُّ الّذي *** لا يَنْتَهي ولِكُلّ لُجٍّ ساحِلُ
لَوْ طابَ مَوْلِدُ كُلّ حَيٍّ مِثْلِهِ *** وَلَدَ النّساءُ وما لَهنّ قَوابِلُ
لَوْ بانَ بالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ *** لَدَرَتْ بهِ ذَكَرٌ أمْ أنثى الحامِلُ
ليَزِدْ بَنُو الحَسَنِ الشِّرافُ تَواضُعاً *** هَيهاتِ تُكْتَمُ في الظّلامِ مشاعلُ
جَفَختْ وهم لا يجفَخونَ بها بهِمْ *** شِيَمٌ على الحَسَبِ الأغَرّ دَلائِلُ
مُتَشابِهُو وَرَعِ النّفُوسِ كَبيرُهم *** وصَغيرُهمْ عَفُّ الإزارِ حُلاحِلُ
يا کفخَرْ فإنّ النّاسَ فيكَ ثَلاثَةٌ *** مُسْتَعْظِمٌ أو حاسِدٌ أو جاهِلُ
ولَقَدْ عَلَوْتَ فَما تُبالي بَعدَمَا *** عَرَفُوا أيَحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائِلُ
أُثْني عَلَيْكَ ولَوْ تَشاءُ لقُلتَ لي *** قَصّرْتَ فالإمْساكُ عنّي نائِلُ
لا تَجْسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ ههُنا *** بَيْتاً ولكِنّي الهِزَبْرُ البَاسِلُ
ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّةِ كُلُّهُمْ *** شِعْرِي ولا سمعتْ بسحري بابِلُ
وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ *** فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ
مَنْ لي بفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدّعي *** أنْ يَحْسُبَ الهِنديَّ فيهِمْ باقِلُ
وأمَا وحَقّكَ وهْوَ غايَةُ مُقْسِمٍ *** لَلْحَقُّ أنتَ وما سِواكَ الباطِلُ
ألطِّيبُ أنْتَ إذا أصابَكَ طِيبُهُ *** والماءُ أنتَ إذا اغتَسَلْتَ الغاسِلُ
ما دارَ في الحَنَكِ اللّسانُ وقَلّبَتْ *** قَلَماً بأحْسَنَ مِنْ ثَنَاكَ أنَامِلُ

***

مَثَلٌنا السادس عشر

قول الامام الشافعي :

 يُخَاطِبني السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ *** فأكرهُ أن أكونَ له مجيبا
يزيدُ سفاهة ً فأزيدُ حلماً *** كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا

وقال أيضا :
إذا نطق السَّفِيهُ فلا تُجِبْه *** فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ
فإن كلَّمته فرَّجت عنه *** وإن خلَّيته كمدًا يموتُ

وقال أيضا :
إذا سبَّني نذلٌ تزايدت رفعةً *** وما العيبُ إلَّا أن أكونَ مساببه 
ولو لم تكنْ نفسي عليَّ عزيزةً *** لمكَّنتُها مِن كلِّ نذلٍ تحاربُه
ولو أنَّني أسعى لنفعي وجدتني *** كثيرَ التَّواني للَّذي أنت طالبُه
ولكنَّني أسعى لأنفعَ صاحبي *** وعارٌ على الشَّبعانِ إن جاع صاحبُه
 
***

مَثَلٌنا السابع عشر

قول ابو العتاهية
إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ *** خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، أبو إسحاق
تقدمت ترجمته
واليكم القصيدة كاملة :

إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ *** خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة *** وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب
لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَتْ *** ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ
فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى *** ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ
إذَا ما مضَى القَرْنُ الذِي كُنتَ فيهمِ *** وخُلّفْتَ في قَرْنٍ فَأنْت غَريبُ
وإنَّ أمرءًا قَدْ سارَ خمسِينَ حِجَّةٍ *** إلى مَنْهِلِ مِنْ وردِهِ لقَرِيبُ
نَسِيبُكَ مَنْ ناجاكَ بِالوُدِّ قَلبُهُ *** ولَيسَ لمَنْ تَحتَ التّرابِ نَسيبُ
 فأحْسِنْ جَزاءً ما اجْتَهَدتَ فإنّما *** بقرضِكَ تُجْزَى والقُرُوضُ ضُروبُ


***

مَثَلٌنا الثامن عشر

الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
لابي الطيب المتنبي وقد تقدمت ترجمته
 واليكم القصيدة كاملة:

واحر قلباه ممن قلبه شبم *** ومن بجسمي وحالي عنده سقم
مالي أكتم حبا قد برى جسدي *** وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته *** فليت أنا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وسيوف الهند مغمدة *** وقد نظرت إليه والسيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلهم *** وكان أحسن مافي الأحسن الشيم
فوت العدو الذي يممته ظفر *** في طيه أسف في طيه نعم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت *** لك المهابة مالا تصنع البهم
ألزمت نفسك شيئا ليس يلزمها *** أن لا يواريهم بحر ولا علم
أكلما رمت جيشا فانثنى هربا *** تصرفت بك في آثاره الهمم
عليك هزمهم في كل معترك *** و ما عليك بهم عار إذا انهزموا
أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر*** تصافحت فيه بيض الهندو اللمم
يا أعدل الناس إلا في معاملتي **** فيك الخصام و أنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة *** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره *** إذا استوت عنده الأنوار و الظلم
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا **** بأنني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر العمى إلى أدبي **** و أسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها *** ويسهر الخلق جراها ويختصم
و جاهل غره في جهله ضحكي *** حتى أتته يد فراسة وفم
إذا رأيت نيوب الليث بارزة *** فلا تظنن أن الليث يبتسم
و مهجة مهجتي من هم صاحبها *** أدركته بجواد ظهره حرم
رجلاه في الركض رجل و اليدان يد *** وفعله ماتريد الكف والقدم
ومرهف سرت بين الجحفلين به *** حتى ضربت و موج الموت يلتطم
الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
صحبت الوحش في الفلوات منفردا *** حتى تعجب مني القور و الأكم
يا من يعز علينا أن يفارقهم *** وجداننا كل شيء بعدكم عدم
ما كان أخلقنا منكم بتكرمة *** لو أن أمركم من أمرنا أمم
إن كان سرَّكم ما قال حاسدنا *** فما لجرح إذا أرضاكم ألم
و بيننا لو رعيتم ذاك معرفة *** عن المعارف في أهل النهى ذمم
كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم *** و يكره الله ما تأتون والكرم
ما أبعد العيب و النقصان عن شرفي *** أنا الثريا وذان الشيب و الهرم
ليت الغمام الذي عندي صواعقه *** يزيلهن إلى من عنده الديم
أرى النوى تقتضينني كل مرحلة *** لا تستقل بها الوخادة الرسم
لئن تركن ضميرا عن ميامننا *** ليحدثن لمن ودعتهم ندم
إذا ترحلت عن قوم و قد قدروا *** أن لا تفارقهم فالراحلون هم
شر البلاد مكان لا صديق به *** و شر ما يكسب الإنسان ما يصم
و شر ما قنصته راحتي قنص *** شبه البزاة سواء فيه و الرخم
بأي لفظ تقول الشعر زعنفة *** تجوز عندك لا عرب ولا عجم
هذا عتابك إلا أنه مقت *** قد ضمن الدر إلا أنه كلم


***

 مَثَلٌنا التاسع عشر

 على قَدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ *** وتأتي على قَدرِ الكِراَمِ المَكارِمُ
لابي الطيب المتنبي – تقدمت ترجمته
واليكم القصيدة كاملة

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ *** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها *** وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ *** وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ
وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه *** وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ
يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْراً سِلاحَهُ *** نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ
وَما ضَرّها خَلْقٌ بغَيرِ مَخالِبٍ *** وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ
هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها *** وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ
سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ *** فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ
بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا *** وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ
وَكانَ بهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ *** وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ
طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَهَا *** على الدّينِ بالخَطّيّ وَالدّهْرُ رَاغِمُ
تُفيتُ اللّيالي كُلَّ شيءٍ أخَذْتَهُ *** وَهُنّ لِمَا يأخُذْنَ منكَ غَوَارِمُ
إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضارِعاً *** مَضَى قبلَ أنْ تُلقى علَيهِ الجَوازِمُ
وكيفَ تُرَجّي الرّومُ والرّوسُ هدمَها *** وَذا الطّعْنُ آساسٌ لهَا وَدَعائِمُ
وَقَد حاكَمُوهَا وَالمَنَايَا حَوَاكِمٌ *** فَما ماتَ مَظلُومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ
أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْ *** سَرَوْا بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ
إذا بَرَقُوا لم تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُ *** ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ
خميسٌ بشرْقِ الأرْضِ وَالغرْبِ زَحْفُهُ *** وَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ
تَجَمّعَ فيهِ كلُّ لِسْنٍ وَأُمّةٍ *** فَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ
فَلِلّهِ وَقْتٌ ذَوّبَ الغِشَّ نَارُهُ *** فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صَارِمٌ أوْ ضُبارِمُ
تَقَطّعَ ما لا يَقْطَعُ الدّرْعَ وَالقَنَا *** وَفَرّ منَ الفُرْسانِ مَنْ لا يُصادِمُ
وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ *** كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ
تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً *** وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ
تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى *** إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ
ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً *** تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ
بضَرْبٍ أتَى الهاماتِ وَالنّصرُ غَائِبٌ *** وَصَارَ إلى اللّبّاتِ وَالنّصرُ قَادِمُ
حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتى طَرَحتَها *** وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ
وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا *** مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ
نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ *** كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ
تدوسُ بكَ الخيلُ الوكورَ على الذُّرَى *** وَقد كثرَتْ حَوْلَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا *** بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ
إذا زَلِقَتْ مَشّيْتَها ببُطونِهَا *** كمَا تَتَمَشّى في الصّعيدِ الأراقِمُ
أفي كُلّ يَوْمٍ ذا الدُّمُسْتُقُ مُقدِمٌ *** قَفَاهُ على الإقْدامِ للوَجْهِ لائِمُ
أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتى يَذُوقَهُ *** وَقد عَرَفتْ ريحَ اللّيوثِ البَهَائِمُ
وَقد فَجَعَتْهُ بابْنِهِ وَابنِ صِهْرِهِ *** وَبالصّهْرِ حَمْلاتُ الأميرِ الغَوَاشِمُ
مضَى يَشكُرُ الأصْحَابَ في فوْته الظُّبَى *** لِمَا شَغَلَتْهَا هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ
وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشرَفِيّةِ فيهِمِ *** على أنّ أصْواتَ السّيوفِ أعَاجِمُ
يُسَرّ بمَا أعْطاكَ لا عَنْ جَهَالَةٍ *** وَلكِنّ مَغْنُوماً نَجَا منكَ غانِمُ
وَلَسْتَ مَليكاً هازِماً لِنَظِيرِهِ *** وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ
تَشَرّفُ عَدْنانٌ بهِ لا رَبيعَةٌ *** وَتَفْتَخِرُ الدّنْيا بهِ لا العَوَاصِمُ
لَكَ الحَمدُ في الدُّرّ الذي ليَ لَفظُهُ *** فإنّكَ مُعْطيهِ وَإنّيَ نَاظِمُ
وَإنّي لَتَعْدو بي عَطَايَاكَ في الوَغَى *** فَلا أنَا مَذْمُومٌ وَلا أنْتَ نَادِمُ
عَلى كُلّ طَيّارٍ إلَيْهَا برِجْلِهِ *** إذا وَقَعَتْ في مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِمُ
ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَداً *** وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ
هَنيئاً لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى *** وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ
وَلِم لا يَقي الرّحمنُ حدّيك ما وَقى *** وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ


***

مَثَلٌنا العشرون والاخير

لقد أسمعت إذ ناديت حيًا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

وهذا المثل ورد ضمن قصيدة لعمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي
الذي عاش في الفترة بين عامي 525 - 642م
ويضرب هذا المثل فيمن لا فائدة فيه ولا رجاء معه
مهما حاولت نصحه فلن يستجب لك
 ولهذا البيت قصة :
يروى انه كان بالمدينة رجل كثير المال وكان له ولد وحيد ماتت عنه أمه وهو صغير
فأغدق عليه والده المال والدلال حتى أفسده
وكان الأب رجل كريم كثير الصدقة والعطاء
وكان كل صباح يأتي إليه فقراء السوق فيعطيهم ويجلسهم على فطوره يأكلوا  وبعدها ينصرف
وظل الأمر على هذا الحال لسنوات حتى اشتد المرض على الأب 
وخاف أن يبدد الابن كل ما ترك له فحاول نصحه ولكن دون جدوى
فرفقاء السوء يحيطون بالابن من كل صوب وحدب يصمون أذنه ويعمون عينيه لأنهم منتفعين مما هو فيه بذخ ومال دون حساب
ولما اقترب الأجل استدعى الأب أخلص خدمه وأمرهم أن يبنوا سقفًا جديدًا لمجلس القصر تحت السقف القديم
ويصنعوا ما بين السقفين مخزن يضعون به كمية كبيرة من الذهب
وأمرهم أن يصنعوا في السقف بوابة ويضعون بها سلسلة حديدية 
إذا تم سحبها للأسفل تنفتح باتجاه الأرض
وفعلًا فعل الخدم كل ما أراد الاب وأبقوا الأمر سرًا عن الابن
وقبل الرحيل استدعى الأب ولده مرة أخيرة وأعاد عليه النصح والوعظ
ولكن دون جدوى وفائدة
ثم قال له : يا بني إذا مت وضاع منك كل شيء وغلقت الأبواب في وجهك
فعدني ألا تبيع هذا القصر تحت أي ظرف
وإن فكرت يومًا في الانتحار ففي المجلس الكبير سلسلة معلقة اشنق بها نفسك
ومت في قصرك ميتة سهلة مستورة
لم يأخذ الابن كلام أبيه على محمل الجد وظل رفقاء السوء ينفقون من ماله حتى أفنوه
فكسدت التجارة وبيعت المحلات ثم البساتين والقصور
ولم يبق له سوى قصر أبيه
فباع الأثاث واحدًا تلو الأخر وانفض الرفاق من حوله وكرهوا صحبته
حتى أنه كلما ذهب إلى أحدهم أنكر وجوده ورفض لقاءه  
ساءت أحوال الشاب ولم يعد عنده ما يقتات به حتى ملابسة تمزقت ونعله
لم يعد يقوى على المسير
كل الذي كان يجده كسرات من الخبز وبعضًا من الماء
يحضرها لها المسكين الذي كان يعطف عليه أبوه في حياته
فضاقت به السبل وأُغلقت في وجهه الطرق فقرر أن يضع حدًا لمأساته وينتحر
وهنا تذكر كلام أبيه وتلك السلسلة المتدلية من سقف مجلس القصر
فأحضر صندوقًا ووقف عليه وربط السلسة حول عنقه
وبعدها أزاح الصندوق بقديمة ليسقط مشنوقا فيموت ميتة سهلة يرتاح فيها من الدنيا وكدرها
ولكنه لم يمت لقد فتحت البوابة السرية التي بين السقفين حينما انجذبت السلسة لأسفل
وسقطت كميات الذهب الكبيرة على رأس الفتي حتى أغرقت
ففرح فرحًا شديدًا لأن الله فرج كربه وذهب إلى السوق واشترى حلو الطعام واللباس 
وجاء بالرجل الفقير وجعله رفيقًا له يقتسم معه الطعام والهندام
وبدأ في التجارة واسترد أمواله أبيه وبساتينه وخدمه
ولما سمع رفاق السوء بتبدل حاله وما صار فيه من عز وغنى
أرادوا الوصل والود القديم فأعدوا مأدبة فاخرة ودعوه إليها فلبى دعواهم
ودخل ولكنه لم يأكل من الطعام فكل ما فعله أن أمسك كم ثوبه
وأخذ يضعه في كل صنف من الطعام
وبعدها أراد الانصراف فاستغرب الرفاق عجيب صنعه
وسألوه لماذا صنع هذا العمل ؟
فقال لهم :
أنتم ما دعوتموني دعوتم أموالي وملابسي
وهذا ثوبي قد لبى دعوتكم أما أنا فلا وانصرف عنهم
وتلكم ابيات تناسب صنيع الفتى في بداياته قالها الشاعر عمرو بن معدي :
ألا غدرت بنو أعلى قديما *** وأنعم إنها ودق المزاد
ومن يشرب بماء العبل يغدر*** على ما كان من حمى وراد
وكنتم أعبدا أولاد غيل *** بني آمرن على الفساد
لقد أسمعت لو ناديت حيا  *** ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد


orent

ابوعبدالعزيز

خليفه عبد العزيز الدريس