الأحد، 14 مايو 2017

غريبٌ أن تودّع ضيفاً قبل وصوله





بعد ايام يطل علينا شهر رمضان الكريم

شهر التقوى والإيمان الذي انزل فيه القران

قال تعالى:

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾

وقد كتب غازي القصيبي رحمه الله مقالا بعنوان:

( رمضان .. وداعا )

تزامناً مع قرب دخول شهر رمضان المبارك كتبه في منتصف شهر شعبان

يودع فيه رمضان قبل أن يدخل ويشبه رمضان بالضيف الغالي الغائب

الذي رحل عنا منذ زمن وسبب الوداع المبكرهذا

ان أمور سرقت روحانية رمضان اليوم

الذي اظهر اختلال في المفاهيم وتغيرت الصورة

فقارن القصيبي بين الحاضر والماضي

فرأى ان لرمضان الماضي روحانية فريدة

بذرها الصائم بالجوع وسقاها بالدموع وقواها بالركوع

اما رمضان اليوم يقول عنها غازي القصيبي

( تجيء من التهام واثب لأطعمة تقود إلى مختلف أنواع المرض؟ )

مقال القصيبي هذا أحيا في نفسي تذكر ذلك الزمن الجميل

وأحيا في نفسي أيضا امل صفحة مشرقة لغد أجمل

ان توقيت نشر المقال الذي كان في أواخر شهر شعبان

جاء وداع لرمضان القادم قبل ان يدخل

اترككم مع مقال الدكتورغازي القصيبي رحمه الله

(رمضان .. وداعاً )

غريبٌ أن تودّع ضيفاً قبل وصوله

إلا أن هذا الضيف الغالي "رمضان" رحل عنا منذ زمن

أحسبه يعود إلى فترة الطفرة الأولى

وحل محله رمضان آخر بملامح نعرف أقلّها وننكر معظمها

رمضان القديم لم يكن "أولمبياد" طعام

يتضاعف فيه استهلاك المواد الغذائية عدة أضعاف

ولم يكن موسم تلفزيون يجمد أمامه - كالخُشب المسندة

النساء والرجال والكبار والصغار

ولم يكن يأتي وفي صحبته مسلسلات لها أول وليس لها آخر

وليس في واحد منها شيء عن تزكية النفس أو تنقية الروح

لم يكن مسابقة في الفتوى بين المفتين

ولا في الجمال بين المذيعات ولا في الذكاء بين المحللين السياسيين

لم يكن مدرسة للعادات السيئة يتعلم فيها الصغار

الطعام المتصل والعبث المتصل، والسهر المتصل

في رمضان القديم كان الطلاب يذهبون إلى مدارسهم كالمعتاد

وكان الموظفون يمارسون عملهم كالمعتاد

أما في رمضان الجديد فقد أصبحت دراسة الأطفال عقوبة جسدية

ومعنوية قاسية لا مبرر لها

أما دوام الموظفين فقد تحول إلى "وصلة" نوم

وخمول استجماماً من سهر الليلة السابقة

واستعداداً "لملاحم" الليلة القادمة

أي هدف من أهداف الصيام الربانية يتحقق في رمضان الجديد؟

أي "تقوى" يمكن أن يحس بها شخص

يلهث متلمظاً من حسناء في مسلسل إلى حسناء في مسلسل؟

أي شعور بمعاناة الفقير يحس بها صائم

يأكل في ليلة واحدة ما يكفي قريةً أفريقية بأكملها؟

أي صحة يمكن أن تجيء من التهام واثب لأطعمة

تقود إلى مختلف أنواع المرض؟

أي روحانية يمكن أن يحس بها الصائم في شهر يجسد المادية الطاغية

بدءاً بالإعلانات وانتهاء بجوائز المسابقات؟

الحق أقول لكم، أنا، ولا أدري عنكم

أحن إلى رمضاني القديم.. كثيراً.. كثيراً.. ؟ (1) انتهى كلامه

ان كلام الفقيد رحمه الله ليس بحاجة لتعليق بقدر ما هو بحاجة الى التطبيق

وكان دائماً يردد غداً يوم جميل

درس القانون والعلاقات الدولية

عمل في السياسة سفيراً مرتين يتنقل كحمامة سلام

وعمل استاذاً ثم عميداً في جامعة الملك سعود

ووزيرا في ثلاث وزارات الصحة - والصناعة - والعمل

أصدر أكثر من 60 كتاب وأثار في كل ماكتب الكثير من المياه الراكدة

جريء ومثير للجدال - شاعر وكاتب وأديب - ودبلوماسي وأكاديمي

هو بأختصار زوبعة سياسية وحراك فكري في مجتمع سعودي

أسس جمعية الاطفال المعاقين في السعودية

وانشىء جمعية أصدقاء المرضى التي لا يعرف قيمتها

الا مريض مغترب عن أهله او غريب لا أهل له

منح اوسمة عديدة منها :

وسام الملك عبدالعزيز ووسام الكويت للطبقة الممتازة

ومنح أهم وسام وهي شهادة جمعية الاطفال المعوقين اليوم

يقول عن نفسه :

مشكلتي الحقيقية ليست في كثرة النسيان بل من كثرة الذكريات

ومع إطلالة شهر رمضان الكريم وتحديدا في صباح يوم الأحد

الخامس عشر من شهر أغسطس عام 2010

انتقل إلى رحمة الله تعالى غازي القصيبي

مخلّفًا وراءه إرثًا عظيمًا بعد قرابة سبعين عامًا التي عاشها

قبل ان يوارى في مقبرة العود بالرياض

كانت حياته عطاء في مجال التنمية والإدارة والسياسة

وله كثير من المؤلفات ومسائل في الإبداع الأدبي

رجل لن ينساه التاريخ توفاه الله تعالى

واعماله تبقى حيه شاهدة له على مدى الدهر

رحم الله الفقيد غازي بن عبدالرحمن القصيبي

وغفر الله له


orent
ابوعبدالعزيز


  1- نشر المقال في صحيفة الوطن السعودية، الأربعاء بتاريخ 26 شعبان 1429هـ الموافق 27 أغسطس 2008م، العدد (2889) السنة الثامنة


.