الأربعاء، 2 فبراير 2022

الارتحال

 


الارتحال

في طريق الارْتِحَال(1) ما لظلي(2)*** شُعاعٌ ولا لشمسي ظِلَال

ما نحن في الدنيا إلا ضيوف *** وعَلَى الأضَّيْافِ الحل والتَرْحَال

ونصحي نصح إجلال ومودة *** وضرر النصح أن يكون جدال

والوعــظ  لا يخفـى مناهجـه *** هو أغْلَـى ما دل عليه الرجــال

أذكـرُك بالمَنُون فاتّـعظ *** فإن ألأجـل قـَدْ دَنَا وقرب الاِنْتِقَــال

وتصاريف الزمان خير واعظ *** كل يوم ماضً يدني من الآجال

***

تـحرّ ربحاً وتخـل عن بخـل *** وأي نعيـم قيّد بالبخـل أقفـال

لا البخل في مالِ الشحيح يزيد *** ولا جود الكريم يفني المال

ما يغني الثراءُ إذا حَشْرَجَتْ *** الرُوحُ كالإِبل سَمِنَت بعد هُزال

أشد الناس ظلما لنفسه رغم *** حاجته بخيل ممسك يخش إقلال

تَمَلُّكـوا أمـوال لم ينعموا بها *** فمـا جـمعوا من مال قـد سـال

***

يامن يعز المال وله محب *** ليس زود المال فيه كَمَال

إنما المال زينة وتفاخر *** وغنم قدمته للوارثين أنفال

يكسب أهله حب ومهابة *** والبخيل لا يسوده كثرة المال

وإن غادره كان عليه حسرة *** وله الشقاء الدائب المتوال

ليس الرِّبْـــحُ  جــمع مــالٍ *** أنما الرِّبْحُ جِنــان  تُنــال

***

لا تحفل بالمال للوارث تجمعه *** فليس مالك الا يوم منه تنال

المــال عارِيَّةُ على أصحابه *** والعيش أطوار والعمر رحــال

يفـك به العانـي ويؤكـل طيبـا ***  وتنـال به الحســنات الثقـال

إنما المـال غـاد ورائح ويبقى *** الربـح في جَزِيل الاعمــال

دع ما يقال ولا تكترث به *** غداً تموت والنجاة هي النوال

***

 نظـــرت للدنيا بعَيْنِ بَصِـيرَة *** عيشها نكد وهنأها كَــلاَل

يغطي السخاء كل نقصان *** وكم نقص غَطَّاهُ كرم الرجال

والنفس مائلة إلى شهواتها *** وإن ترد إلى قليل تزيد إقلال

غلّت يد كل شــحيح ممسـك *** إما بأغـلال بخل أو بإقـلال

فأشرب الماء عذب ولا تكن *** كمن غص بماء بارد زلال

***

 اكســبتني المُرُوءَةُ كـل عَـزٍ *** صَيَّرَتُها لنفســي رأس مـــال

 نَفْسِي عَلَيَّ عَزِيزَة لا ارخصها *** أتَتَبَّعُها بِالْغُدُوِّ وَالْآصَــالِ

تركت شـــهوة وعصيت هوى***وما تَسَـلَّطَ علي حب مـــال

لَبِسْتُ ثَوَّب التقى خوفَ شُبهةِ *** حرام لذيذهُ وأكلتُ الحلال

وكَفَفْتُ يدي عن الشـــر *** وما عهدت نفســي بســوء الفِعْـال

***

لا يدرك المجد ويبلغه إلا سيد *** فلا شرف ولا بذل إلا بفعال

والبخيل لا فخر له ولا مجد *** هو عنه في غفلة واشتغال

والادب مِرْآةٌ لفكر صاحبه *** والمُرُوءَةُ من صفات الكمال

سل الله عقلا نافعا واستعذ من *** الجهل تستوفي به كل الفِضَال

للعقل سلطان على صاحبه *** فصوَّرَهُ للناس أَنَّى شئت أن يقال

orent

ابوعبدالعزيز

    1- الارْتِحَالُ : أي الانْتِقَالُ

2-  الظلُّ : قد يكنى به عن ذات الشّيء مثل ظلُّ شجرةٍ - ظلُّ حائطٍ - المرأة ظلّ الرّجل


في طريق الارْتِحَال ما لظلي ***  شُعاعٌ ولا لشمسي ظِلَال

الارتحال : هو الوجه المقابل للاستقرار والإقامة فالعرب يحلون ويرتحلون

وإن انتقالهم فردي أو جماعات من مكان إلى مكان لأسباب متعددة

وباعثهم على السفر لا يخلوا من هرب أو طلب

والانسان لا يسافر إلا في غرض والغرض هو المحرك لذلك الارتحال

فالارْتِحَال : في هذه الحياة التي نعيشها له خمس مراحل هي:

مرحلة أولى -  تسبقها مرحلتان - تتلوها مرحلتان

فأول المراحل: مرحلة عالم الأرواح

والثانية : ساعة التقاء ماء الرجل مع ماء المرأة وحصول الإخصاب

المرحلة الثالثة المرحلة التي يعيش الانسان فيها منذ ولادته الى الممات

المرحلة الرابعة قبل قيام الساعة في القبر وتسمى حياة البرزخ

المرحلة الخامسة : المقر الابدي إما الى جنة وإما الى نار

 

 أما الظلُّ والشُعاعٌ في البيت

يقول أبن منظور: الظّلُ إنما هو ضوء شُعاعٌ الشمس دون شعاع

فاذا لم يكن له ضوء فهو ظلمة وليس بظل ولذلك سمي الليل ظلا

والشُّعاعُ ضَوْءُ الشمس الذي تراه عند ذُرُورِها كأنه الحبال أو القضبان مقبلة عليك إذا نظرت إليها، وقيل: هو الذي تراه ممتدا كالرماح بعيد الطلوع

وقيل: الشعاع انتشار ضوئها

يقول الشاعر :

فجاءَتْ بها كالشّمْسِ يحْكي شُعاعُها *** شُعاعَ الثّرَيّ في زُجاجٍ لها حُسْنـا

أما الظلال‏ جمع ظلة وهي التي تحجب من الشمس

ويقال ظِلالُ البَحْرِ أي أَمْواجُهُ ولذلك سمي الليل ظلا

وفرق ما بين بَيْنَ الظِّلِّ والفَيْءِ

ولا يُحسِنُ تَوظيفهما كثير من النّاطقين بالضّاد

إما جهلا منهم بدلالتهما اللّغويّة أوغفلةً عن دَرْك أصل وَضْعِهما

فالظِّلُّ : يكونُ من الغَداةِ إلى الزّوالِ

والفيءُ : هو الرّجوع قال تعالى :

﴿ ... فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 


يا عبدالله إنما الليل والنهار مطيتان فاركبوهما بلاغاً إلى الآخرة

واصل المسير دون توقف حتى تصل الى الهدف المقصود وهو الجنة

والحياة قصيرة لا طعم لها إلا بالأيمان

لكن قسوتها والمصائب تجعلها طويلة

وهي قطار سريع من اجتازه في طاعة الله سعد وسهل عليه ما هو مقبل عليه

لان ما هو مقبل ليس بوهم إنما هي حقيقة إما جنة أو نار

والإيمان هو الحياة فلا يسعد النفس ويزكيها ويطهرها ويفرحها

ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله

والمقصود بالارتحال في هذه القصيدة

هي الرحلة من الحياة الدنيا الى الاخرة

في هذه الرحلة الدنيوية نحن نعبر طريق المهلة

ولا نزال على المسير سائرون

لأننا أحياء يوشك أن نصل إلى منازلنا

إن هذه الرحلة التي في جوهرها أنها حركة

وهذه الحركة ذات هدف لا بد أن يتحقق

وهدف المؤمن دخول الجنة


إن هذه الرحلة الخالدة قصيرة ولا يمكن الرجوع إليها بعد تركها 

وهي الرحلة الأخيرة الى دار الاخرة

وما هي إلا نقلة يتعداها الانسان الى حياة النعيم

وهي بداية سعادة المؤمن بانتقاله من الدار الدنيا إلى الدار الاخرة

دار العمار ودار الخلود ثم حياة لانهاية لها

فما الموت إلا فاصل بين الحياة الدنيا والحياة الاخرة

ونقلة يتعداها الانسان إلى حياة النعيم الذي لا ينقطع

والمغبون من يستيقظ عند مفاجأة الموت وقد باع آخرته بدنياه

ويقول عندما يدركه الموت

﴿.. رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ..﴾

هي مقولة الكافر في لهفة أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحًا

ويأتيه الجواب

﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾

إنها الحقيقة التي لا ينجو منها مخلوق وسيذوقها كل حي

 الكل سيذوق كأس الموت والجميع سيموت والكل سيرحل يومًا ما ويفارق هذه الدنيا

ومن تذكر الموت صغرت الدنيا في عينيه وكبرت فيها الاخرة

ولم يركن إلى لذائذه وأفراحه فهي إلى زوال وهوعن قريب إلى ارتحال

كم نحن غافلون عن هذه الرحلة وكم قطعنا منها

وكم بقي لنا للاقتراب والاستيطان والوصول الى مصيرنا المحتوم

لقد ذهب الكثير من الايام وما أسيقضنا من نيامنا

حرصنا على بقاء دنيانا فما بقيت لنا

اللهم يا ذا الحبل الشديد والامر الرشيد نسألك الامن يوم الوعيد

orent

ابوعبدالعزيز