وَفِي مُوسَى اصْطَفَاهُ ذو العُلا *** مُنَزَّلَةً مَا نَالَهَا
أَحَدَا
إلّا رسولَ اللهِ خيرَ الورى *** محمودَ في التوراةِ قد وُجِدا
وفي الزبور الماحي أحيدا *** وفي الإنجيلِ أحمدُ سيِّدا
وفي القرآن أوحى الله ذكراً *** مبيناً مرسلاً في محمدا (1)
ما رَأَت العيون مِثلَهُ ظُنَّ *** موسى أنْ لا يُرْفَعَ عَلَيَّه
أحَدٌا
اصطفى اللهُ موسى وارتضى *** وخصَّه بالوحي إذْ قد هُدِى
كلَّمَهُ ربٌّ عظيمُ المنزلا *** فازَ الكليمُ فضلاً ومجدا
صَفِيُّ ربِّ العرشِ بين الأنبيا *** نورُ الهُدى قد لاحَ في مُرْتَقى
شقَّ البحارَ بعصاهُ آيةً *** فانفلقَ الموجُ وانجلى مُبدَدا
في الأرضِ والسماءِ ذِكرُه *** سرمَـدُ مجدٍ خالداً سرمَدا
✦✦✦
تدارسوا عن خليلٍ مُرشِدا *** على يديه انكسارُ جاحدا
ذَبَحَ كلَّ ناشئٍ مُولَدا *** خوفًا من الموعودِ أن يتجدَّدا
أوحى الإلهُ لأمٍّ فاهتَدى *** أن ألقِهِ باليمِّ وامضِ مُسعِدا
جاء التابوتُ على الماءِ غدا *** عند شطوطِ القصرِ يبدو مُرسَلا
فرعونُ لم يدرِ أنَّ الموعدا *** في حجره قد غدا مُمهَّدا
✦✦✦
التقطه جندُ فرعونَ ليكونَ *** لآلِ فرعونَ وهامانَ العِدا
ربّاهُ فرعونُ في قصرِهِ *** وعنايةُ اللهِ صارت له سَدّا
نشأ الفتى طاهراً مؤيَّداً *** والحقُّ بالوحيِ قد زادَهُ هُدى
أخفى الإلهُ سرَّهُ عن عِدا *** حتى أتت ساعةٌ تُفصحُ الرَّدى
ليُظهرَ اللهُ دينَهُ عالياً *** ويهزمَ البغيَ مَن ناوأهُ أبدا
✦✦✦
فرَّ تلقاءَ مَدْيَنَ من بطشِ *** طاغيةٍ فأضاءت له الآفاقُ مَجدا
تمادى فرعونُ وأبانَ *** عن جُندِيّةٍ جَبَرِيّةٍ تحملُ الحِقدا
بمدينَ لاقى كريماً أعانهُ *** فسَقى ورَحّبتِ الديارُ به وُدّا
تجلّى لطفُ ربٍّ حافظٍ *** يَهَبُ العبدَ أُنساً إن غدا مُبعدا
وفي الغُربةِ يهيئُ مولاهُ أمراً *** ليَعودَ نبيّاً يَدكُّ الظلمَ
دكّا
✦✦✦
ناجى الإلهَ بقلبِه متخشِّعاً *** فسمَا الدعاءُ، وشَرَّفَ السُّجدا
نَصَبَ له البحرُ فخّاً سيُغرِقُ *** الجيشَ في لُجّةِ اليمِّ غَدرا
أصبحَ الطريقُ يَبَساً لا طينَ فيهِ *** والماءُ السيّالُ كالجبالِ
جَليدا
وسار موسى وقومُه في أمانٍ *** إذ جُندُ فرعونَ في خطاهم تَبَعْدا
فلمّا توسّطوا البحرَ اندكّ موجٌ *** يَطوي الأعادي ويَستبيحُ
الجُندا
نجّى الإلهُ حبيبَهُ من كيدِهم *** ليُصبحَ الحقُّ بالآياتِ رشدا
✦✦✦
نجّى اللهُ ذلكَ اليومَ موسى *** واتّخذَ اليهودُ يومَ النجاةِ عيدَا
قالَ رسولُنا نحنُ أولى بموسى *** منهم فصامَهُ شكراً للهِ تعبُّدا
فصار عاشوراءُ فضلاً ونوراً *** يُحيي القلوبَ ويَغسلُ الذنبَ غسلا
مَن صامهُ إيماناً يُجزَ مضاعفاً *** ويُرفعُ الدرجاتِ عِزّاً
وسُؤددا
ذِكرى نبيٍّ صابرٍ قدوةٍ *** نستلهمُ الصبرَ منهُ رشاداً وسَدادا
✦✦✦
ألم تَرَ كيفَ نَجّى الرضيعَ *** في ضعفِهِ قَسوةً واشتدادا
وغَرِقَ فرعونُ في جَبروتِهِ *** أضلَّهُم عن الهُدى والرَّشدا
ففي القصصِ عِظةٌ للمُهتدي *** بأنَّ مَن يتوكَّلِ اللهَ سَعدا
كم من ضعيفٍ نصرُهُ مولاهُ *** حتى غدا للورى سِراجاً وهدى
والبَغيُ مهما طغى مصيرُهُ *** خُسرانُ دنياً وعقوبةٌ أبَدا
✦✦✦
فلا تغترَّ بالبغيِ وإن علا *** فاللهُ يمحو ظُلمَهُ ويمدُّ هُدَى
واصبرْ فإنَّ الصبرَ دربُ الفائزينَ *** يُورِثُ الأرواحَ طُهراً
وسَعدا
والناسُ إمَّا ناجٍ بفضلِ ربِّهِ *** أو غارقٌ في الخسرِ قد أضلَّ
سُدَى
شتَّانَ مَن هو في جهنَّمَ ثاوياً *** ومَن هو في الجِنانِ مُخلَّدا
واللهُ يقضي ويختارُ سِلاحَهُ *** وكُلُّ مَن في الكونِ له جُنداً
✦✦✦
1- الأصل أن يقال "محمدٌ" أو "محمدٍ"، وليس "محمدا والشعراء الكبار استخدموا هذه الضرورة كثيرًا حفاظًا على القافية ، مثل قول امرئ القيس: كأنّي لم أركب جوادًا للذّةٍ *** ولم أتبطّن كاعبًا ذات خلخالا
orent
أبو عبد العزيز
