الجمعة، 13 ديسمبر 2024

اِمْرُؤُ اَلْقَيْسِ

 


اِمْرُؤُ اَلْقَيْسِ

 تمهيد:

هو شاعر جاهلي نجدي من قبيلة كنده النجدية

وأسمه: حُنْدُجُ بْنُ حُجْرِ بْنِ اَلْحَارِثِ اَلْكِنْدِيُّ (500- 540)

عُرِف واشتهر بلقبه اِمْرُؤُ اَلْقَيْسِ من قبيلة كنده النجدية

و روى "ابن قتيبة" أن "امرأ القيس" من أهل نجد

وأن الديار التي وصفها في شعره كلها في ديار بني أسد

تغنى بمواضع نجدية وصفها وصفا دقيقا يدلل على عمق ارتباطه بنجد

التي ولد فيها ونشأ بها وترعرع في أرجائها

 شاعر عربي  نجدي ذو مكانة رفيعة بَرز في فترةِ الجاهلية 

لم يترك شيئاً من ملذات الحياة الا فعله امتلك وأفتقر قاتل وقوتل  بكى وأبكى

ضيَّع وقتَه وأضاع ملك أبيه في ايام لهو لا تتوقف وأيام ماجنة لا تنتهي

تَفَرَّدَ بإبداعه الشعر الذي كَانَ فِيهِ شاعراً لاَ مَثِيلَ لَهُ

يُعد رأس شعراء العرب وأبرزهم في التاريخ

وصف بأنه أشعر الناس ومن فحول شعراء الجاهلية

متدفق لا يشبهه أي نهر من أنهار الشعراء

ويكفيه فخرا أن معلقته اللامية تقدم على جميع المعلقات

لم يكن ليصل إلى هذه الدرجة إلا لبلاغته وجزالة أشعاره وتفرده بين الشعراء

تردَّد اسمه في أروقة الزمن تاركاً بصمة لا تُمحى على مشهد الأدب العربي

وهو صاحب أشهر معلقة من المعلقات السبع

 وتذكر كتب التراث العربية أن أمرؤ القيس لقب بألقاب عدة منها

 المَلك الضّليل لانصرافه عن الملك الذي ورثه عن أبيه

و ذو القروح  وكُني بأبي وهب وأبي زيد وأبي الحارث

حياة أمرؤ القيس

تنقسم حياة أمرؤ القيس إلى حقبتين متميزتين : ولكل منهما حالاتها الخاصة بها

الحقبة الاولى:

عاشها في نجد غزل صريح وحياة لعبً ولهو وطيش

يتنقل بين العرب مع بعض أصحابه كان فيها يعيش حياة الفوضى والترف

واللهو والعبث عنواناً عريضاً لحياته التي لم يترتب عليها أي مسئولية

كان أمرؤ القيس يخرج ومعه أخلاط من العرب من شُذَّاذِهِم

من قبائل طيء وكلب وبكر بن وائل يتنقلون بين القبائل

ينشدوا غديرًا أو روضة فيتصيّدوا الصيد فيقيموا فيأكلوا من ذلك الصيد

ويشربوا الخمر فيطعم ويسقي قيانه من النساء الذين تدربن على الترفيه والغناء

ولا يزال كذلك حتى ينفد ماء ذلك الغدير ثم ينتقل معهم إلى غيره

كان أمرؤ القيس يعيش فراغ عامر بالأوقات الممتعة

وبحبه للنساء التي اشتهر بها وكثرة علاقاته العاطفية معهن

حياة ملأها في البداية باللهو والشراب وحب النساء

جاهر بغزله الصريح وتحدث عن النساء بأسمائهن في أكثر من قصيدة

برع في الغزل الذي خصص له مساحة واسعة في قصائده

تجاه المرأة بكل صدق وعفوية

وهو أول من وصف النساء بالظباء والمها والبيض

قال أبو عبد الله الجمحي:

كان امرؤ القيس ممن يتعهر في شعره وذلك قوله:

فمِثْلِكَ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ

وقال:

سَمَوْتُ إِلَيْهَا بَعْدَ ما نامَ أَهْلُهَا

يَفتخر امرؤ القيس بسيطرته على عالَم النساء ويُقدِّم نَفْسَه كعاشق محترِف له سطوة عليهن

كان جميلاً وسيماً ومع جماله وحسنه مفركاً : أي لا تريده النساء إذا جربنه

يُعَدُّ امرؤ القيس من عشاق العرب والزناة لأنه كان يشبب بالنساءٍ

منهن فاطمة بنت العبيد بن ثعلبة بن عامر العذرية

وهي التي يقول فيها:

أَفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذَا التَّدلُّل

وقال لها :

لا وأبيك ابنة َ العامريّ  ***  لا يدّعي القومُ أني أفرَ

ومنهن أم الحارث الكلبية

وهي التي يقول فيها:

كدأبكَ من أمِّ الحويَرثِ قبلها *** وجارتها أمَّ الربابِ بمأسل

ومنهن عنيزة وهي صاحبة يوم دارة جلجل

لم تكن حياة أمرؤ القيس طويلة بمقياس عدد السنين

ولكنها طويلة جداً بمقياس تراكم الاحداث وكثرة الانتاج ونوعية الابداع

الحقبة الثانية :

إن حياة أمرؤ القيس في هذه الحقبة حياة مأساوية بمعنى الكلمة

كان لموت والده تأثير كبير عليه بعد أن جاءه خبر مقتل والده على يد بني أسد

الذي غير حياته رأساً على عقب فاستفاق من طيشه وانتقل إلى حياة الجد والعزم

للأخذ بثأر أبيه مما أدى إلى ظهوره بأكبر الأضرار التي وقعت عليه

بالرغم من أنه لم يكن أكبر أبناء أبيه إلا أنه تقلد زمام الأمور ونصَّب نفسه لها  

لم يرض امرؤ القيس طريق للصلح مع بني أسد وعزم على الانتقام من قاتلي أبيه

لم يبك أو يجزع من بين إخوته فور وصول خبر مقتل أبيه اليه

يروى أنه قال بعد فراغه من اللهو ليلة مقتل أبيه على يد بني أسد قال :

(ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيراً لا صحو اليوم ولا سكر وغدًا أمر)

فأخذ على عاتقه الثأر لمقتل والده (حجر) على يد بني أسد

وانطلق ينشد الأخذ بالثأر وتوجه إلى بني أسدٍ فجزعوا منه

وحاولوا استرضاءه لكنه أبى فقاتلهم وأثخن جراحهم

ثم توجه إلى الشام ووصل اليها ولم يصل إلى أرض الروم (القسطنطينيّة)

المعروفة اليوم في تركيا باسم إسطنبول كما يزعم الروائيون

طالباً المساندة من أجل الثأر من مقتل ابيه من إمبراطور الروم لكنه مات قتيلاً في المنفى

 حيث حل التعب بجسده وأصيب بالجدري الذي تمكن منه وصرعه ودفن هناك

كل هذا سنناقشه بتفصيل أكبر لاحقاً وكل ما يتعلق بحياة أمرؤ القيس

 مولِده ونشأته

ولد امرؤ القيس في نجد بقرية (مرات) بجبل عاقل (ديار بني سعد)

 ونشأ مترفاً لأبيه حجر بن الحارث الذي كان ملكاً على بني أسد وغطفان وعند أخواله ( بني تغلب)

وهو من قبيلة كندة النجدية التي قامت في وسط إقليم نجد

وعاصمتها قرية الفاو وتتصل قرية الفاو بالأفلاج

التي تتصل باليمامة (الرياض) في وسط المملكة العربية السعودية

وقرية مرات تتبع إداريًا وتعليميًا منطقة الرياض

وقيل أن مولده في بطن عاقل المنطقة التابعة لمدينة الرس التابعة لمنطقة القصيم 

والجدير بالذكر جده آكل المرار اَلْحَارِثِ بن عمرو بن معاوية الكندي

من البدو الرحل حيث أنتقل جده آكل المرار اَلْحَارِثِ بن عمرو بن معاوية الكندي (نحو 370م- 445م(

من مملكة كندة (قرية الفاو الأثرية) عاصمة مملكة كندة الأولى وهي أحد الممالك العربية القديمة في نجد

التي تعتبر من أهم المواقع الأثرية في شبه الجزيرة العربية اليوم

لأنها عبارة عن تجسيد متكامل للمدن العربية قبل الإسلام

وتقع قرية الفاو في المملكة العربية السعودية في الجنوب الغربي من العاصمة الرياض بمسافة 700 كم

وأستقر جده وأبوه في وسط نجد وتنقلوا في ربوع نجد متنقلين بين البادية والحضر

الا أنهم عاشوا عيشة بدو رحل

وفي ظل ذلك عاش امرؤ القيس عيشة أبناء الملوك ونشأ مترفًا ميالًا للترف وحياة واللهو

عاش تجارب متنوعة وذاق طعم الحب والغرام الذي ترك اثراً في شعره

جعله غنيا بالمشاعر ومتنوعاً في الاغراض والاحاسيس

تحت كنف والده ملك بني أسد وغطفان وكنف أخواله التغلبيين

فترعرع بين بني أسد في صميم العرب الخلّص

فسمع الأشعار ورواها فقال الشعر على حداثة سنه

ولا غرابة في هذا لأن أبوه حجر ملك كنده على بني أسد وغطفان

منحه هذا التراث الملكي مكانة هامة

وأمه هي فاطمة بنت ربيعة التغلبية أخت الملك والفارس العربي كُليب بن ربيعة

ملك العرب وائل بن ربيعه التغلبي اول من ملك العرب

ملك قومه تغلب وبكر أبناء وائل وبعضاً من قبائل ربيعة من العدنانيين

واول من قضاء على سيطرة (التبع اليماني) على الجزيرة العربية

بعد سيطرة اليمنية وقبائل قحطان على العرب سنين عديدة

وجعل الملك كُليب بن ربيعة للعرب تفوق في جزيرة العرب على  قحطان بعد سنين طويلة من القتال

وقبائل معد التي تعود لعدنان وهي القبائل الأكبر من عدنان

 استطاعت النهوض ومقاسمة السيطرة على بعض أجزاء الجزيرة

بعد هزيمة التبع اليماني من قبل قبائل معد بقيادة الملك كليب

حين فض كليب جموع اليمن وهزمهم فاجتمعت معه معد كلها

وجعلوا له قسم الملك وتاجه وطاعته

فدخله زهو شديد وبغى على قومه لما هو فيه من عزة وانقياد معد له

حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه

وإذا جلس لا يمر أحد بين يديه إجلالاً له ولا يختبئ أحد في مجلسه غيره

ولا يغير إلا بإذنه ولا تورد إبل أحد ولا توقد مع ناره

ولم يكن بكرى ولا تغلبي يجير رجلا ولا بعيراً أو يحمى إلا بأمره

وكان يجبر على الدهر فلا تخفر ذمته وكان يقول:

وحش أرض في جواري فلا يهاج وكان هو الذي ينزل القوم منازلهم ويرحلهم

ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره

وقد بلغ من عزته وبغيه أنه اتخذ جرو كلب فكان إذا نزل به كلأ قذف ذلك الجرو وفيه فيعوى

فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب

فضرب به المثل في العز فقيل: أعز من كليب وائل

وكان يحمى الصيد فيقول: صيد ناحية كذا وكذا في جواري فلا يصيد أحد منه شيئاً

أخذ امرؤ القيس الكثير من أخواله من بني تغلب

فأمه فاطمة بنت ربيعة التغلبية أختُ كُليبٍ والمهلهل ابنا ربيعة

وقصتهما المشهورة في حرب البسوس معروفة

وقيل إنَّ امرؤ القيس تعلم الشعر من خاله عَدي الملقَّب بالمهلهل لأنه أول من هلهل الشعر أي رققه

كان أمروا القيس منذ نعومة أظفاره يتنفس الشعر

 بدافع حب أخواله التغلبيين وتقليدهم وسار على نهجهم وخطاهم

ولولاهم ربما ما كان ليصبح واحداً من أهم شعراء العصر الجاهلي على الإطلاق

وليست صلة القرابة وحدها هي القاسم المشترك بين امرؤ القيس والزير سالم أبو ليلى المهلهل

فقد تشارك الرجلان في قضاء معظم أوقاتهما شغفاً بحياة اللهو وحب الشعر وعشق النساء

 شهرته والقابه

عُرِف واشتهر بلقبه امرؤ القيس ومعنى أمرؤ القيس أي رجل الشدائد

ولقَّب بالقاب عديدة منها :

ابو وهب وأبو الحارث وأبو زيد

ووصف بأنه أبن ملك مملكة كندة الخارج عن نمط تقاليد عصره

والمَلكُ الضِّلّيل ذو القروح الأشعر الباكي المتباكي

والأمير الأسير صاحب المعلقة الشهيرة قفا نبك

والفارس المطالب بعرشه الذي أوقع بالقبائل القتل والذبح

والشاعر النجدي الذي بكى الديار وتغنى بمواضع نجدية ووصف جمالها

والشاعر الصعلوك والمشرد الذي كان يقود عصبة من شذاذ الآفاق

وصديق الصعاليك المتغزل بالنساء

لم يكن امرؤ القيس في مطلع حياته يؤخذ بأُبَّهة الملك وشهرة السلطة والحكم

بل شغف بالشعر يصور به عواطفه وأحلامه وبالحياة ينتهب لذائذها

وأنت حين تقرأ لشعره يجعلك تقف إعجاباً بشاعريته الفذة

ومدى تمكنه من الشعر مع كل تفجير لغوي لقصائده

 ومن مميزات شعره أنه شعراً فصيحاً جزلاً يبرع في تصوير المشاعر والمواقف

لم تكن حياة امرؤ القيس طويلة بمقياس عدد السنين

ولكنها كانت طويلة وطويلة جدا بمقياس تراكم الإحداث وكثرة الإنتاج ونوعية الإبداع

وحياة امرؤ القيس لا تقاس بطول السنين بل بعرض الأحداث

أمرؤ القيس الشاعر النجدي

امرؤ القيس نجدي المنشأ واللغة واللحن فقد ترعرع في ديار بني أسد في نجد

بين العرب الخلص منهم وسمع أشعار النجديين وغيرهم من النزاريين

وأكثرَ مِن ذِكر الديار والمنازل والجبال والمياه والأودية والمواضع التي في ديار نجد

وتمثلت لهجة بلهجة تميم واسد وقيس وبكر وتغلب

ولهجة امرؤ القيس تبع أخواله نجدية عدنانية مضريه أسدية

فلا عجب في ذلك لأنه تربى في نجد بين بني أسد فأخذ لهجتهم وطبعهم

فانفتق لسانه بالشعر على حداثة سنه وطمحت نفسه إلى مساجلة الشعراء

وأخذ الشعر من اخواله التغلبيين فالخال والد كما جاء في الحديث الذي رواه الدارقطنيُّ

مِن حديثِ عائشةَ مرفوعًا أنّ النبيَّ ﷺ قال للأسودِ بنِ وهبٍ وهو خالُهُ:

(اجْلِسْ يا خالِ فَإنَّ الخالَ والِدٌ)

أذن هو نجدي المنشأ واللسان والطباع

فمن يقرأ معلقة امرؤ القيس لا يجد صعوبة في فهمها وقد كتبت قبل آلاف السنين

ولو كان أمروا القيس حضرمي لكان لسانه وشعره على لغتهم مهرية حضرمية

واللغة المهرية تعود جذورها إلى آلاف السنين توارثها أبناء حضرموت

من آبائهم وأجدادهم الذين ينتمون نسباً إلى:

مهرة بن حيدان بن عمرو بن لحاف بن قضاعة ويمتد النسب بعد ذلك إلى مالك بن حمير

وهي لغة أهل اليمن آنذاك والبعض اليوم من أهل حضرموت يتحدث هذه اللهجة  لكن قلة منهم

صحيح أنّ المهرية لسان عربي لكن لغتهم تختلف عن اللهجة النجدية التي هي لغة أمرؤ القيس

لأن المهرية تعتبر لغة عربية بمنظور وأسلوب آخر

لأنها تشتمل على جميع الحروف العربية الأبجدية

إضافة إلى ثلاثة حروف أخرى لا توجد في اللغة العربية

إذن تختلف اللهجة المهرية عن اللهجة النجدية العربية

ولو كان أمرؤ القيس من حضرموت لقال الشعر باللهجة المهرية وليس النجدية

حينها لن يعرفه العرب فالإنسان ابن بيئته ولا ننسى أن أخواله التغلبيين ونشأته في كنفهم

فلولا أخواله التغلبيين لما أصبح أمرؤ القيس وعُد على رأس شعراء العرب ومن أبرزهم

كما وإننا لا نقف من قول أن اليمن أصل العرب موقف الحيطة والشك

بل موقف الرفض والإنكار

لأن هذا الرأي قائم كله على تكلف قصد به التضليل وهذا القول لم يقال في عصر الاسلام الاول

إنما أتى الينا من تقولات نقلها الينا بعض المؤرخين القدماء والنسابة والإخباريين

نقلوها من أهل الكتاب

ذلك أن بعض المؤرخين القدماء والنسابة والإخباريين من قدماء مؤرخي العرب مثل :

1- محمد بن إسحاق بن يسار المدني

2- المؤرخ الإخباري محمد بن السائب الكلبي

وعلى هذا فإننا نأخذ من ابن الكلبي مالا يخالف النقل الثابت ثم العقل

إذا علمنا أن ابن الكلبي يأتي بمصادره من أهل الكتاب

وقال عنه الدارقطني وغيره متروك وقال ابن عساكر رافضي ليس بثقة

لهجة امرؤ القيس نجدية

إن اللهجة النجدية هي اللهجة العربية السائدة في إقليم نجد

لو رجعنا لبعض الفاظ امرؤ القيس في معلقته المشهورة حين قال:

تقول وقد مال الغبيط بنا معًا ***  عقرت بعيري يا امرؤ القيس فانزل

والغبيط بلغة قبيلة طيء النجدية :

هودج ما يوضع على ظهر البعير لتركب المرأة فيه

أشبه بحجرة صغيرة كالرّحْل للرجل

وقال أيضًا:

كجلمود صخر حطه السيل من علِ

من علٍ: من فوق وفيه ثلاث لغات:

من علو ومن علا ومن علي بالرفع والنصب والجر والكل بمعنى عالٍ

وملاحظة أخرى أن من يقرأ معلقة امرؤ القيس لا يجد صعوبة في فهمها

وقد كتبت قبل آلاف السنين

لأنها بلهجة تميم واسد وقيس وبكر وتغلب فالإنسان ابن بيئته

يقول ابن خلدون:

(إن سلوك الإنسان وطباعه وثقافته ما هي إلا امتداد لعناصر بيئته

وطريقته في التواصل والتعاطي معها فالبيئة هي من تصقله وتلونه حسب جغرافيتها ومناخها)

فأمرؤ القيس لهجته نجديه عدنانية مضرية أسدية فهو نجدي المنشأ واللسان والطباع

مثل نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام

لم يكن نبي الله إسماعيل يتكلم العربية وقتها كان يتكلم السريانية مثل ابية ابراهيم عليه السلام

علمه الله العربية الفصحى وأنطقه بها في غاية الفصاحة والبيان وكان عمره أربع عشرة سنة

فأصبح إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام جد العرب وأول من تكلَّم  بالعربية الفصيحة البليغة

ودعا قومه إلى عبادة الله وحده جرهم والمحيطين بها – والعماليق -  وأهل اليمن قديما

وهو أول من قام بترويض وركوب الخيل في التاريخ

وكانت وحشيه لا يستطيع احد ركوبها أو ترويضها فأخذها وقام بترويضها

واستجابت له بمنتهى الخضوع

وتعجب الناس وقتها من أمرها لطالما كانت وحشية شرسة وعنيفة وكانوا يخشونها جميعًا

أمير شعراء الجاهلية

يتميز شعر امرئ القيس عن غيره من الشّعراء العرب بقدرته على ابتكار المعاني

والتّعبير عنها بطرق لم يسبقه أحدٌ إليها شاعر خرج عن تقاليد القبيلة وعن نمطية التقليد

وهو سباق إلى العديد من المعاني والصور

وأول من بكى واستبكى ووقف واستوقف وأول من وقف على الطلول  ومن قيَّد الأوابد

كانت بداية شعر الغزل على يديه فأكثر في الوصف فيه وأبدع في التّصوير والتّشبيه

كما كان شعره صورة واضحةً عن حياته

وبعض النقاد يعدونه من أبرز عشاق العرب

روى الأصمعي أن أبا عبيد سئل في خير الشعراء فقال :

امرؤ القيس إذا ركب  والأعشى إذا طرب  وزهير إذا رغب  والنابغة إذا رهب

قال لبيد بن ربيعة: أشعر الناس ذو القروح يعني امرؤ القيس

واجتمع عند عبد الملك أشراف من الناس والشعراء فسألهم عن أرق بيت قالته العرب

فاجتمعوا على بيت امرؤ القيس:

وما ذَرَفَتْ عيْنَاكِ إِلاَّ لِتَضْربِي *** بَسْهَميْكِ في أَعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّل

وقال:
واللهُ أَنْجَحُ ما طَلَبْتَ بِهِ *** والبِرُّ خَيْرُ حَقِيبَةِ الرَّحْل

وقال:
مِنْ آل لَيْلَى وأَيْنَ لَيْلى *** وخَيْرُ ما رُمْتَ ما يُنَالُ

كان شعر امرؤ القيس أصدق أغراض الشعر عاطفة وأصحها وجداناً وأغزرها بياناً

وأكثرها تعبيراً عن إحساسه المشبوب وقلبه الملهوف

وكان شعره جزل الألفاظ كثير المعاني جيد السبك سريع الخاطر بديع الخيال بليغ التشبيه

دقيق الوصف وشديد الملاحظة ودقة الانتباه وقوة البصر

وشبه الخيل بالعقبان والعصي وفرق بين النسيب وما سواه من القصيدة

كل هذه الأمور توافرت عند امرؤ القيس

فساعدته أن ينقل إلينا بشعره صور الأشياء كاملة وأوصافها واضحة

وقد سبق امرؤ القيس إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعته عليها الشعراء

ويستجاد من تشبيهه قوله:

كأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً ... لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ البالى

وقوله:
كأَنَّ عُيُونَ الوَحْشِ حَوْلَ قِبَابِنَا ... وأَرْحُلِنَا الجَزْعُ الَّذِي لم يُثَقَّبِ
وقوله:
كأَني غَدَاةَ البَينِ لَمَّا تَحَمَّلُوا ... لَدَى سَمُرَاتِ الحَىِّ ناقِفُ حَنْظَل

وقد أجاد في صفة الفرس:

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً ... كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَل

ومما يتمثل به من شعره قوله:

وَقَاهُمْ جَدُّهُمْ بِبَنى أَبِيِهم *** وبالأَشْقَيْنَ ما كان العقابُ

وقوله:
صُبَّتْ عَلَيْهِ ولَمْ تَنْصَبَّ من كَثَبٍ *** إِنَّ الشَّقَاءَ على الاشْقَيْنَ مَصْبُوبُ

وقوله:
وقَدْ طَوَّفْتُ في الآفَاق حَتىَّ *** رَضِيتُ مِن الغَنِيمَةِ بالإياب

ومما يتغنى به من شعره قوله:

تَقُولُ وقَدْ مال الغَبِيطُ بنا مَعاً *** عَقَرْتَ بَعيري يا امْرَأَ القَيْسِ فانُزِل

وقوله:
كأَنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَمامِ *** ورِيحَ الخُزَامى ونَشْرَ القُطُرْ

يُعَلُّ به بَرْدُ أَنْيَابِها *** إَذا طَرَّبَ الطائِرُ المُسْتَحِرْ

وكل ما قيل في هذا المعنى فمنه أُخذ

تاريخه غير غارق في الأسطورة

إن امرؤ القيس مثله مثل باقي شعراء العصر الجاهلي

الدلائل المادية على وجوده التاريخي تكاد تكون معدومة

لأن الثقافة التي حافظت على هذا الإرث كانت ثقافة شفهية

وأول جهود تدوين الشعر الجاهلي بدأت في القرن الثاني والثالث بعد الإسلام

وأقدم الإخباريين العرب الذين أشاروا لأمرؤ القيس هو ابن السائب الكلبي

وهناك أربع روايات شفهية تم تدوينها عن حياة امرؤ القيس

وقد أشار مؤلف كتاب الأغاني إلى ذلك  من الناحية التاريخية المدونة

وهناك لمحات من حياة امرئ القيس محفوظة ومسجلة في روايات الإخباريين

في الكتابات البيزنطية الكلاسيكية

فجده الحارث بن عمرو الكندي مذكور ووجوده مؤكد في كتابات البيزنطيين

يذكر البيزنطيين شخصًا قريبًا للحارث بن عمرو اسمه كايسوس ) قيس)

كان ملكًا على قبيلة كندة

إلا أن التاريخ الحقيقي لأمرؤ القيس غير غارق في الأسطورة

مساجلات أمرؤ القيس

عُرفت المساجلات الشعرية قديما في الأدب العربي

وهي جمع “مساجلة” وهي المناظرة والمفاخرة والمساجلة أخذا من السَّجْلِ

والسَّجْلُ هو الدلوُ الكبيرة أو الدلو مملوءة أو ملؤُها

تذكر كتب الأدب مساجلة شعرية جميلة بين الشاعرين:

علقمة بن عَبَدة بن ناشرة بن قيس والشاعر امرؤ القيس

وعلقمة بن عَبَدة شاعر جاهلي من الطبقة الأولى من بني تميم من نجد

عاصر امرؤ القيس وله معه مساجلات

لقب بالفحل لتفوقه على امرؤ القيس  في قصة معروفة

حين تحاكما فيها إلى ام جندب زوج امرؤ القيس

فأنشد فيها امرؤ القيس  قصيدته في وصف فرسه والتي مطلعها:

خليلي مرا بي على أم جندب *** نقض لبانات الفؤاد المعذب

إلى أن بلغ قوله :

فللسوط الهوب وللساق درة *** وللزجر منه وقع أهوج مهذب

فاندفع علقمة منشدًا قصيدة مطلعها:

ذهبت من الهجران في غير مذهب *** ولم يك حقاً كل هذا التجنب

إلى قوله :

فأدركهن ثانيُا عن عنانه *** يمر كمر الرائح المتحلب

فكان حكمها لصالح علقمة على أن امرأ القيس الذي أجهد فرسه بالضرب والزجر

في حين أن وصف علقمة جاء أنه امتطاه وهو تارك عنان فرسه

مما أثار نفس امرئ القيس فطلقها فتزوجها علقمة فسمي علقمة الفحل

ومهما قيل في تحيّز أم جندب وأنها فضلت علقمة لأنها كانت تحبه

وكانت تكره امرأ القيس ؛ لأنَّه كان مفركا تعافه النساء

فقد علَّلت لرأيها وتجاوزت حد النظرة السريعة إلي شيء من التأمل والروية

ويري الدكتور / بدوي طبانة أنَّ أم جندب قد حكّمت هواهَا فعلاً

وأنَّها ليست علي صوابٍ فيما التمستهُ من تَعليل

لأنَّ امرأ القيس لم يرد أن جَواده لا يسير إلا بتحريك الساقين والزجر والضرب بالسوط

فالحقيقة : أن تحريك الساقين واستعمال السوط لازمتان من لوازم كل فارس

مهمَا يكن فرسُه كليلاً بليداً أو جواداً حديداً وذلك ليكون متمكّنا منه

وليس في بيت امرئ القيس ما يدل علي بلادةِ جواده

فإنَّ معنى بيته أنَّه إذا مسَّه بساقه ألهبه الجري أي جري جرياً شديداً كالتهاب النَّار

وإذا مسَّه بسوطه در بالجري كما يدر السيل والمطر

وإذا زجره بلسانه وقع الزجر منه موقعه من الأهوج الذي لا عقل له

لوحة أمرؤ القيس المطرية

أكثرَ أمرؤ القيس مِن ذِكر الديار والمنازل والجبال والمياه والأودية والمواضع التي في بلاد نجد

ووصف الجُدَيَّةِ التي في ضواحي الرياض اليوم

في القصيدة التي مطلعها:

لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل *** مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل

ووصف امرؤ القيس جبل أبان

في أسلوب رائع يصور أمرؤ القيس سحابة المطر فوق جبل  أباناً

في لوحته المطرية وجبل أبان يقع في منطقة القصيم

وصفه وصفاً جميل بليغاً في اسلوب شيق وشبهه بكبير القوم

بقوله:

 أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَهُ *** كَلمْعِ الْيَدَيْنِ فِي حَبيِّ مُكلّلِ

يضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحُ راهِبٍ *** أَمَالَ السَّلِيطَ بالذُّبَالِ الُمُفَتَّلِ

قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بينَ ضارجٍ *** وَبَيْنَ العُذَيبِ بَعْدَ مَا مُتَأَمِّلي

على قَطَنٍ بالشَّيْمِ أيْمَنُ صَوْبِهِ *** وأيْسَرُهُ على السّتارِ فَيَذْبُلِ

فأضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ *** يكُبّ على الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبلِ

كَأَنَّ أباناً فِي أفانين ودقه *** كَبِيْـرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّـلِ

يقول الدكتور عيد اليحيى إن عين ضارج والعُذَيبِ قَطَنٍ وجبل ابانات

وملح ضارج بجوار بعضهم وجميعها موجود بالشقة بالقصيم

هذه الاماكن بجوار بعضها وعين ضارج أو النبع يسميها أهل القصيم القويطير

وقد وصفها أمرؤ القيس عندما وصف الحُمر الوحشية بقوله:

ولَمَا رَأتْ أنّ الشَّريعَةَ همُّها *** وأن البَياضَ مِنْ فَرَائصِها دامي

تَيَمَّمتِ العَيْنَ التي عِنْدَ ضارجٍ *** يفيء عليْها الظِّلُّ عَرْمَضُها طامي

وهذا النبع الصغير يفيء عليْها الظِّلُّ عَرْمَضُها طامي

كما وصفها أمرؤ القيس أما اليوم فأنها اندفنت بالرمال

والى فترة قريبة كان أهل بريدة يشربون من ماءها العذب

ونبع ضارج ذكرت في السيرة النبوية للوفد الذي وفد من اليمن على الرسول ﷺ 

ويروى أنه وفد قوم من اليمن على النبي 

فقالوا: يا رسول الله أحيانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس بن حجر

قال: وكيف ذلك؟

قالوا: أقبلنا نريدك فضللنا الطريق فبَقِينا ثلاثًا بغير ماء

فاستظللنا بالطلح والسمر

فأقبل راكب ملتثم بعمامة وتمثَّل ببيتين وهما:

ولَمَا رَأتْ أنّ الشَّريعَةَ همُّها *** وأن البَياضَ مِنْ فَرَائصِها دامي

تَيَمَّمتِ العَيْنَ التي عِنْدَ ضارجٍ *** يفيء عليْها الظِّلُّ عَرْمَضُها طامي

فقالوا للراكب: من يقول هذا الشعر؟

قال: امرؤ القيس بن حجر ثم قال: هذا ضارج عندكم

قال: فجثونا على الركب إلى ماء كما ذكروا عليه العرمض يفيء عليه الطلح

فشربنا رِيَّنَا وحملنا ما يكفينا انتهى

كان المكان الذي يحيط بعين ضارج عيون تغذي بحيرة الملح من الاف السنين

أما في عصر أمرؤ القيس جفت هذه البحيرة وأصبحت ملح

وأهل بريدة اليوم يتزودون من ذلك الملح

ويصور لنا امرؤ القيس حاله عندما جلس بينَ ضارجٍ وَبَيْنَ العُذَيبِ

يشاهد السحاب مقبل ثم يخاطب صاحبه ويقول له :

أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَهُ *** كَلمْعِ الْيَدَيْنِ فِي حَبيِّ مُكلّلِ

يضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحُ راهِبٍ *** أَمَالَ السَّلِيطَ بالذُّبَالِ الُمُفَتَّلِ

أي هل ترى يا صحبي برقًا أريك لمعانه وتلألؤه وتألقه في سحاب متراكم

وقد شبه امرؤ القيس لمع البرق كأنه شعلة نار مثل شعلة الراهب قديماً

التي يشعلها الرهبان في اعالي الجبال ليأتي الناس اليهم ليهتدوا بهم

لكي يعرض الرهبان دياناتهم على الناس ليدخلوا في دينهم 

والسنا:هو الضوء  والسليط الزيت

وإنما سمي سليطًا لإضاءتهما السراج وهو أحسن الاشياء للإيقاد

 والذُّبالجمع ذبالة وهي الفتيلة وقد يثقل فيقال ذبَّال

ثم يقول امرؤ القيس:

قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بينَ ضارجٍ *** وَبَيْنَ العُذَيبِ بَعْدَ مَا مُتَأَمِّلي

على قَطَنٍ بالشَّيْمِ أيْمَنُ صَوْبِهِ *** وأيْسَرُهُ على السّتارِ فَيَذْبُلِ

وبعدما قعد امرؤ القيس هو وأصحابه بين ضارج والعذيب و قَطَنٍ

متأملاً هذا السحاب الذي ايمنه على قطن وأيسره على الستار ويذبل

يصف عظم السحاب وغزارته وعموم جوده

وقَطَن جبل وكذلك الستار ويذبل جبلان وبينهما وبين قَطَن مسافة ليست بالبعيدة

فلما أصبح سار امرؤ القيس متجه إلى جبل أبانان

وهو جبل أبيض وجبل أسود ثم وصف جبل أباناً بقوله:

فأضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ *** يكُبّ على الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبلِ

 وصفه أمرؤ القيس بقوله: فأضحى السحاب يصب الماء

وقوله: (يكب) يقلبها على رؤوسها والأذقان هنا مستعارة

وإنما يريد بها الرؤوس وأعالي الشجر والدوح: جمع دوحة

وكل شجرة عظيمة دوحة والكنهبل: شجر معروف من النباتات المزهرة  

ثم قال:

كأنَّ أباناً في أفانينِ ودقهِ *** كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ

وصف امرؤ القيس جبل أبانان في أوائل مطر هذا السحاب ونزوله عليه

وقد تغطى هذا الجبل بغثاء السيل إلا رأسه وغطي الماء جسده

شبهه بتغطية بشيخ كبير وسيد أناس ملتف بكساء مخطط

من أكسية العرب من وبر الإبل وصوف الغنم مخيطة والجمع بُجد

وذلك أن رأس الجبل يضرب إلى السواد والماء حوله أبيض

والبجادكساء مخطط من أكسية العرب من وبر الإبل وصوف الغنم مخيطة والجمع بُجد

ومزمل أي : ملتف لأن الكبير أبدًا متدثر

ومعنى الكبإلقاء الشيء على وجهه والودقالمطر

ومعنى البيت يقول قد ألبس الوبل أبانا فكأنه مما ألبسه من المطر وجريان الوادي

وغشاه السيل الا رأسه كبير قوم مزمل لأن الكبير أبدا متدثر

وقد غطا الماء جسده وأحاط به إلا رأسه بشيخ كبير قوم مزمل في كساء مخطط

وذلك أن رأس الجبل يضرب إلى السواد والماء حوله أبيض

قصة يوم الغدير 

تذكر كتب التراجم والتراث أن امرأ القيس كان عاشقا لابنة عمه يقال لها عُنيزة

وإنه طلبها زمانا فلم يصل إليها بسبب تعدد مغامراته العاطفية

وعشقه وتغزله بالكثير من النساء

فإنّ حبه الحقيقي كان لابنة عمه عُنيزة أو فاطمة كما لقبها

ورغم حبه الشديد لفاطمة فإنه لم يستطع سبيلاً إلى وصلها

ربما بسبب شهرته باللهو والمجون بين العرب

فهو يصّور جسد المرأة ويتهتك في غزله ويفحش في سرد قصصه الغرامية

مخالفاً تقاليد البيئة العربية

ميالا للهو والمجون حتى قيل إنه من أوائل الشعراء الذين أدخلوا الشعر إلى مخادع النساء

وفي "دارة جُلجُل" رأى حبيبته مع فتيات من العذارى يتنزهن قرب الغدير

فأتاهن فقال: أن نحرت لكنّ ناقتي تأكلن منها؟ فقلننعم

فاخترط سيفه فعقرها ثم كشطها وجمع الخدم حطبا كثيرا فأجج نارا عظيمة

فجعل يقطع لهن من كبدها وسنامها وأطايبها فيرميه على الجمر وهن يأكلن منه

فجلس معهن طوال النهار حتى شبعن وشبعوا

فلما ارادوا الرحيل قالت إحداهنأنا أحمل حشيته ونساعه

وقالت الأخرى: أنا أحمل رحله ومتاعه فتقاسمن متاع راحلته بينهن وزاده

وبقيت عنيزة لم تحمل شيئاً من متاعه

فقال لها امرؤ القيسيا بنت الكرام ليس لك بد من أن تحمليني معك

فإني لا أطيق المشي ولم أتعوده فحملته على بعيرها

وفي ذلك يقول:

ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتي *** فَيَاعَجَباً مِنْ رَحْلِها المُتَحَمَّلِ

يظَلُّ العَذَارَى يَرْتَمِينَ بلَحْمِها *** وشَحْمٍ كهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّل

ويَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ *** فقالَتْ لَكَ الوَيْلاتْ إِنَّكَ مُرْجِلِى

تَقُولُ وقَدْ مال الغَبيطُ بنَا مَعاً *** عَقَرتَ بعيري يا امْرَأَ القيْسِ فانْزِل

فقُلْتُ لها سِيرِي وأَرْخِى زِمَامَهُ *** ولا تُبْعِدِينا من جَنَاكِ المُعَلَّلِ

حتى إذا كان قريباً من الحي نزل امرؤ القيس من ناقة عنيزة

فأقام حتى إذا أجنه الليل أتى أهله ليلا

آراء النقاد في شعر امرؤ القيس

أجمعت كلمة العلماء بالأدب على أن امرأ القيس من الشعراء الفحول

وأنه من شعراء الطبقة الأولى وأكثرهم

وقد شهد له بالفضل والتقدم أهل الفصاحة وأعلام البيان والأدب والشعر

وعني النقاد القدماء والمحدثين في الأدب العربي الذين أبصروا شعره فقالوا :

إن امرؤ القيس أفحل شعراء الجاهلية وإمامهم

فلا تجد نوعًا من أنواع الحسن في باب الشعر والبلاغة

إلا ولأمرئ القيس فيه المثل الأعلى والقدح المعلى

ومن أبر آثاره أنه نقل الشعر العربي لمستوى جديد وتخليده لبيئته ومجتمعه في الذاكرة العربية

وهو صاحب أشهر معلقة من المعلّقات الشّعريّة

 التي عدّها النقّاد والرواة من عيون الشّعر العربي

سبق امرؤ القيس إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعته عليها الشعراء

من استيقافه صحبه في الديار ورقة النسيب وقرب المأخذ

وأول من ابتدأ في شعره بذكر طلول محبوبته وباليقين في الأوصاف

حتى إنه بلغ في ذلك مبلغاً عظيماً وانه طبع في كل قصيدة من قصائده صوراً كثيرة

من حياة البدو أنشدها على نسق واحد بديع مقبول

فإن تشبيهات واستعاراته حسنة جداً ولم يصل أحد إلى ما وصل إليه امرؤ القيس

في المديح والهجو وأحسن صنعة في شعره هو وصفه جواده

فليس له في ذلك مثيل

وأنه أوّل شاعر وقف على الأطلال ثمّ نهج نهجه الشّعراء الآخرون من بعده

ولذلك ضرب المثل بأمرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب

وهو أحد الأربعة الذين وقع الاتفاق على أنهم أشعر شعراء العرب :

امرؤ القيس - والنابغة  - وزهير – والأعشى

واختلفوا في أيهم أشعر وأحسن ديباجة شعر والأكثرون على أنه امرؤ القيس

قال لبيد أشعر الناس ذو القروح (يقصد امرؤ القيس)

وقال الفرزدقكان الشعر جميلاً فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه

وقال جريراتخذ الشعر نعلين

وجاء في كتاب المكاثرة عند المذاكرة:

(وأما امرؤ القيس ابن حجر فاستغني باشتهاره عن ذكر كل شيء من أخباره وأشعاره)

لقد ساهمت قصائده في رسم الملامح الأولى لهذا للشعر العربي

ما قيل عن امرؤ القيس

جاء في العمدة :

أنّ العباس بن عبد المطلب سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن أشعر الناس

فقال : امرؤ القيس سابقهم خسف لهم عين الشعر فافتقر عن معان عور أصح بصر

وجاء في نفس المرجع أيضًا:

حكي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال :

لو أنّ الشعراء المتقدمين ضمهم زمان واحد ونصبت لهم راية فجروا معاً علمنا من السابق منهم

وإذ لم يكن فالذي لم يقل لرغبة ولا لرهبة

فقيل: ومن هو؟

فقال: امرؤ القيس

قيل: ولم؟

قال: لأني رأيته أحسنهم نادرة وأسبقهم بادرة

وقال عنه أيضاً علي بن أبي طالب إن امرؤ القيس أحسن الشعراء وأسبقهم

وقال عنه جرير: كان مقتدراً شديد التمكن في شعره

وذكره عمر بن الخطاب رضي االله عنه فقال: سابق الشعراء خسف لهم عين الشعر

وأنت حين تقرأ لشعره يتطاير العقل مع كل تفجير لغوي لقصائده

أو كأنما يرمي بذوراً  تشتاق للإنبات بأرض قاحلة

كل هذا يجعلنا نقف إعجاباً بشاعريته الفذة ومدى تمكنه من الشعر

كان عصره متأثراً كثيراً بشعره نتيجة براعته ومتانة لغته

مما جعله مختلفاً عن شعراء العصر الجاهلي

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: يقول من فضله:

إنه أول من فتح الشعر واستوقف وبكى في الدمن ووصف ما فيها

ثم قال: دع ذا رغبةً عن المنسبة فتبعوا أثره

وهو أول من شبه الخيل بالعصا واللقوة والسباع والظباء والطير

فتبعه الشعراء على تشبيهها بهذه الأوصاف

قال ابن الكلبي: أول من بكى في الديار امرؤ القيس

وإياه عنى امرؤ القيس بقوله:

يا صاحِبَيَّ قِفَا النَّوَاعِجَ ساعَةً *** نَبْكى الدّيَارَ كما بَكَى ابنُ حُمَامِ

وقال أبو عبيدة: هو ابن خذام وأنشد:

عُوجَا على الطَّلَل المُحِيلِ لَعَلَّنَا *** نَبْكِي الدّيارَ كما بَكَى ابنُ خِذَامِ

قال: وهو القائل:

كَأَنِي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا *** لَدَى سَمُرَاتِ الدّارِ ناقِفُ حَنْظَلل

أراد أنه بكى في الدار عند تحملهم

فكأنه ناقف حنظلٍ وناقف الحنظلة ينقفها بظفره

فإن صوتت علم أهنا مدركةٌ فاجتناها فعينه تدمع لحدة الحنظل وشدة رائحته

كما تدمع عيناً من يدوف الخردل فشبه نفسه حين بكى بناقف الحنظل

ومما أخذه الشعراء من شعر امرؤ القيس: حين قال:

وُقُوفاً هبا صَحْبِي عَلَىَّ مَطِيَّهُمْ *** يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسْى وتَجَمَّلِ

أخذه طرفة فقال:  

وُقُوفاً هبا صَحْبِي علىَّ مَطِيَّهُمْ *** يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسًى وتَجَلَّدِ

وقال امرؤ القيس يصف فرساً:

ويَخْطُو على صُمٍّ صِلاَبٍ كَأَنَّها *** حِجَارَةُ غَيْلِ وارِسَاتٌ بطُحْلُبِ

أخذه النابغة الجعدي فقال:

كأَنَّ حَوَامِيَهُ مُدْبِراً *** خُضِبْنَ وإِنْ كان لم يُخْضَبِ

حِجَارَةُ غَيْل برَضْرَاضَةٍ *** كُسِينَ طِلاَءً مِنَ الطُّحْلُبِ

وقال امرؤ القيس يصف الناقة:

كَأَنَّ الحَصَى مِنْ خَلْفِها وأَمامِها *** إِذا نَجَلَتْهُ رِجْلُها خَذْفُ أَعْسَر

أخذه الشمّاخ فقال:

لها منسم مثل المحارة خفّة *** كأنّ الحصى من خلفه حذف أعسرا

وقال امرؤ القيس يصف فرساً:

كُمَيْتٍ يَزِلُّ الِلْبدُ عَنْ حالِ مَتْنِهِ *** كما زَلَّتِ الصَّفْوَاءُ بالمُتَنَزَّلِ

أخذه أوس بن حجرٍ فقال:

يزِلُّ قُتُودُ الرَّحْلِ عن دَأَيَاتِهَا *** كما زَلَّ عن عَظْم الشَّجِيحِ المَحَارِفُ

وقال امرؤ القيس يصف فرساً:

سَلِيمِ الشَّظَا عَبْلِ الشَّوَى شَنِجِ النَّسَا *** له حَجَباتٌ مُشْرِفَاتٌ على الفالِ

فأخذه كعب بن زهير فقال:

سَلِيم الشظا عَبل الشَّوَى شَنِج النَّسَا *** كأَنَّ مَكانَ الرِّدْف من ظَهْرِه قَصْرُ

وأخذ النجاشي فقال:

أَمِينُ الشظا عارِي الشَوَى شَنِجُ النَّسَا *** أَقَبُّ الحَشَا مُسْتَذْرِعُ النَّدَفَانِ

وقال امرؤ القيس:

فَلأْياً بلَأْيٍ مّا حَمَلْنا غُلَامَنا *** على ظَهْرِ مَحْبُوكِ السَّرَاة مُحَنَّبِ

فأخذه زهيرٌ فقال:

فَلَأْياً بلأْيٍ مَا حَمَلْنا غُلاَمَنا *** على ظَهْرِ مَحَبْوكٍ ظِمَاءٍ مَفَاصِلُهْ

وقال امرؤ القيس :

وعَنْسٍ كأَلْوَاحِ الإرانِ نَسَأْتُها *** على لاحِبٍ كالبُرْدِ ذِي الحِبَرَاتِ

أخذه طرفة فقال:

أَمُونٍ كأَلْوَاحِ الإرَانِ نَسَأْتُها *** على لاحِبٍ كأَنَّه ظَهْرُ بُرْجُدِ

وقال امرؤ القيس يصف امرأةً:

نَظَرَتْ إِلَيْكَ بعَيْنِ جازِئَةٍ *** حَوْراءَ حانِيَةٍ على طِفْلِ

أخذه المسيب فقال:

نَظَرَتْ إِليْكَ بعَيْنِ جازِئَةٍ *** في ظِلِّ بارِدَةٍ منَ السِّدْر

وقال امرؤ القيس يصف الفرس:

يَجُمُّ على الساقَيْنِ بَعْدَ كَلاَلِهِ *** جُمُومَ عُيُونِ الحِسْى بَعْدَ المْخِيضِ

أخذه زيد الخيل فقال:

يَجُمُّ على الساقَيْنِ بَعْدَ كَلاَلِهِ *** كما جَمَّ جَفْرٌ بالكُلاَبِ نَقِيبُ

قال أبو عبيدة:

هو أول من قيد الأوابد يعني في قوله في وصف الفرس قيد الأوابد فتبعه الناس على ذلك

وقال غيره: هو أول من شبه الثغر في لونه بشوك السيال فقال:

مَنابتُهُ مثْلُ السُّدُوِس ولَوْنُه *** كَشَوْكِ السَّيَالِ وَهْوَ عَذْبٌ يَفِيصُ

وأول من قال فعادى عداءً فاتبعه الناس

وأول من شبه الحمار بمقلاءٍ الوليد وهو عود القلة - وبكر الأندري

والكر: الحبل

وشبه الطلل بوحي الزبور في العسيب والفرس بتيس الحلب

ومما انفرد به قوله في العقاب:

كأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً *** لَدَى وَكْرها العُنَّابُ والحَشَفُ البَالِي

وشبه شيئين بشيئين في بيت واحدٍ وأحسن التشبيه

وقوله:

له أَيْطَلاَ ظَبْى وساقَا نَعَامَةٍ *** وإرْخاءُ سِرْحان وتَقْرِيبُ تَنْقُلِ

وقد تبعه الناس في هذا الوصف وأخذوه

الوصف والتشبيه عند أمرؤ القيس

إن الوصف عند امرؤ القيس من الأغراض التي نظم فيها شعره

وشغل الوصفُ جزءًا كبيراً من شعره سبق فيها كل من تقدمه وعلى كل من تأخر عنه

ووصف الخيل والإبل والدروع والفلوات والجبال والوحش والأودية

والبرق والسحاب والمطر والليل

وله أبيات رائعة في الغزل فقد سلك سبلًا لم يسلكها احد من قبله

وغزله كان يذوب من اللطافة والرقة وكان شعره إما من الغزل العفيف الشريف

او الغزل الفاحش الخارج عن الادب

وبدا من شعره أنه كان مولعًا بالنساء محبًا للجمال

وكان سريع العشق متى رأى امرأة جميله أحبها

هوى امرؤ القيس امرأة من النساء فقال فيها:

نشيمُ بروق المزن أين مصابه *** ولا شيء يشفي منك يا ابنة عَفْزَرَا

من القاصرات الطرف لو دبَّ مِحولٌ *** من الذر فوق الإتْب منها لأثّرا

أي لو مشى النمل الصغير على قميصها مفتوح الجانب لترك دبيبُه أثرا عليها

وفي وصفه للثغر قوله :

إذا ذُقتُ فاهًا قلتُ طعمُ مدامةٍ *** مُعتَّقةٍ مما تجيء به التُّجُرُ 

ويقول عن الثغر أيضًا

ومُؤشرٍ عذب مذاقته *** بردُ القِلال بذائبِ النحلِ 

ويقول عن الثغر

كأنَّ على أسنانها بعد هجعةٍ *** سفرجلَ أو تفَّاحَ في القندِ والعسل 

ويقول أيضًا

كأنَّ المُدام وصوبَ الغمام *** وريحَ الخُزامى وذَوبَ العسل

يُعلُّ به بردُ أنيابها *** إذا النجم وسط السماء استقلْ

إلا أن شعره وقصائده تصنف على أنها صور جمالية ضمنها قصائده

وبعض قصائده تصعب على الفهم وتحتاج لشروح في اللغة العربية

كي يتم فهمها بالكامل مثل في قوله :

وَهِرٌّ تَصيدُ قُلوبَ الرِجالِ *** وَأَفلَتَ مِنها اِبنُ عَمروٍ حُجُر

رَمَتني بِسَهمٍ أَصابَ الفُؤادَ *** غَداةَ الرَحيلِ فَلَم أَنتَصِر

فَأَسبَلَ دَمعي كَفَضِّ الجُمانِ *** أَوِ الدُرِّ رَقراقِهِ المُنحَدِر

وفي قوله عندما يصف امرأة طيبة الرائحة

ألم تر أني كلما جئت طارقًا *** وجدت بها طيبًا وإن لم تطيبِ

يقول إنها طيبة الريح وإن لم تتعطر بالطيب

وقوله يصف المرأة :

من القاصراتِ الطرف لو دب محولٍ *** وَلا مِثْلَ يَوْمٍ في قَذَارَانَ ظَلْتُهُ

والقاصرات الطرف المحبات إلى أزواجهن قصرن أعينهن عن الرجال إلا الأزواج

والمحول الصغير من الذر والإتب : ثوب رقیق غير مخيط الجانبين

له جيب وليس له كمان وهو البقيرة

وهو اول من شبه النساء بالمها كقوله:

تصد وتبدي عن أسيلٍ وتتَّقي *** بناظرَة ٍ من وَحش وَجْرَة َ مُطفِلِ

وشبه النساء بالظباء

وجيد كجيد الرئم ليس بفاحِش *** إذا هيَ نَصّتْهُ وَلا بمُعَطَّلِ

والمعنى الجيد : العنق

والرثمالظبي الأبيض الخالص البياض

شبه عنقها بعنق الظبية

ونصتهرفعته

والمُعطلالذي لا حلى عليه ومثله العُطل

وقوله ليس بفاحش أي : ليس بكريه المنظر وإذا ظرف لقوله ليس بفاحش

وشبه النساء بالدر بقوله:

كِبِكْرِ المُقاناة ِ البَياضِ بصُفْرَة ٍ *** غذاها نميرُ الماء غير المحللِ

البكر مالم يسبق مثله  المقاناة الخلط ، النميرالماء الصافي في المحلل من الحلول

المعنى أنها بيضاء کبكر البيض التي قوني بياضها بصفرة يعني بيض النعام

البياض الذي شابتة صفرة أحسن ألوان النساء عند العرب

ثم قال قد غذاها ماء نمير عذب لم يكثر حلول الناس عليه حتى يكدر

وهو اول من استعمل الكناية اللطيفة فكنى المرأة بالبيضة في قوله:

و بيضة ِ خدر لا يرامُ خباؤها *** تَمَتّعتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعجَلِ

يعني امرأة كالبيضة في صيانتها وقيلفي صفائها ورقتها

ووصف نعومة بشرة المرأة بقوله

من القاصراتِ الطرف لو دب محولٍ *** وَلا مِثْلَ يَوْمٍ في قَذَارَانَ ظَلْتُهُ

وكنى عن ترفع المرأة ورفعة قدرها بأن هناك من يخدمها وهي لا تخدم احدًا

بقوله:

وَتُضْحي فَتِيتُ المِسكِ فوق فراشها *** نؤومُ الضُّحى لم تَنْتَطِقْ عن تَفضُّلِ

تيت المسكما تفتت منه أي تحات عن جلدها في فراشها

وقيل

كأن فراشها فيه المسك من طيب جسدها، لا أن أحدا فتت لها منه مسكا

ونؤوم الضحى: الضحى ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ بَعْدَهُ الضُّحَى

وَهِيَ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ مَقْصُورَةٌ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ

وَ(أَفْضَلَ) عَلَيْهِ وَ(تَفَضَّلَ) وَ(الْمُتَفَضِّلُ) الَّذِي يَدَّعِي الْفَضْلَ عَلَى أَقْرَانِهِ

أما التشبيه : نرى صور بلاغية واضحة تتنوّع في قصيدته اللاَّمِيَّةُ التي مطلعها :

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ *** بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

الذي وَظّف فيها امرؤ القيس جميع أنواع التشبيه في مُعلقته

ومن الأمثلة على هذا التشبيه وصفه لفرسه

عندما يقول :

مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معًا *** كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَل

روعته هنا ي التشبيه فهو يخبر عن فرسه في ساحة المعركة كيف أن هذه الفرس تقبل وتدبر في آن واحد

فأراد أن يقرب الصورة إلى أذهاننا فقال مِكَرٍّ مفرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معًا والعظمة في قوله : معًا في وقت واحد

ثم أتى هنا بالكاف وهي للتشبيه

ويدل هذا على أن امرؤ القيس ابن الصحراء  يعرف الخيل والحروب ومارسها

ويعرف كل شبر في هذه الصحراء التي لا يعرفها إلا من عاش فيها

ويعرف خفاياها في قوله :

كجلمودِ صخْر حطه السيل من علِ

يقول امرؤ القيس هذه الصخرة لو وضعتها في أعلى الجبل لتدحرجت إلى أسفل بقوة بفعل الجاذبية

فإذا اضيف اليها سيل يدفعها إلى أسفل زادها قوة إلى قوة الجاذبية

وفي بيت آخر بعده يصفه بصفات مجتمعه بقوله :

لهُ أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة *** وإرخاء سرحانٍ وتقريبُ تنفلِ

فشبه خاصرتي فرسه بخاصرتي الغزال في الضمور

وساقيه بساقي النعامة في الانتصاب والطول والصلابة

وعدْوه بإرخاء الذئب وتقريبه وضع الرجلين موضع اليدين في العدو بتقريب الثعلب

فجمع أربعة تشبيهات في بيت واحد فأي حصان هذا بهذه الصفات المجتمعة

له أيطلا الغزال -  وله ساقا النعامة  - ويجري كالذئب - ويتحرك كالثعلب

فهو يشبه تشبيهات بلاغية حذف منها وجه الشبه وحذف أداة التشبيه

وقد كان المشبه به هو الأقوى لدى العرب

وقد لاقى البيت استحسان النقاد القدامى

يقول أبو هلال العسكري :

"قد يكون التشبيه بغير أداة التشبيه، كقول امرئ القيس- له أيطَلا ظبي ....إلخ"

ثم قال:

"هذا إذا لم يحمل على التشبيه فسد الكلام لأنّ الفرس لا يكون له أيطلا ظبي ولا ساقا نعامة ولا غيره مما ذكره

وإنما المعنى له أيطلان كأيطلي ظبيٍ وساقان كساقَي نعامة. وهذا من بديع التشبيه

لأنه شبّه أربعة أشياء بأربعة أشياء في بيت واحد وهذا منتهى البلاغة

ومن الأمثلة أيضا على التشبيه عند امرؤ القيس:

تغطية الليل للشاعر بالهموم بالأمواج التي تُغطّي سطح البحر

ودلالة هذا التصوير البلاغي أنّ امرؤ القيس يُعايش مشاعر صعبة مُضطربة

وذلك بقوله :

وَليلٍ كمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدو لَهُ *** عليَّ بأَنْواعِ الُهمُومِ ليبْتَلي

ويستجاد من تشبيهه قوله:

كأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً *** لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ البالى

وقوله:

كأَنَّ عُيُونَ الوَحْشِ حَوْلَ قِبَابِنَا *** وأَرْحُلِنَا الجَزْعُ الَّذِي لم يُثَقَّبِ
وقوله:

كأَني غَدَاةَ البَينِ لَمَّا تَحَمَّلُوا *** لَدَى سَمُرَاتِ الحَىِّ ناقِفُ حَنْظَل

وصف أمرؤ القيس أماكن نجدية ِ

ارتبط امرؤ القيس بنجد وارتبطت جبال الدخول وحومل بالذاكرة الشعبية

من خلال معلقة امرؤ القيس قَفَاَ نَبْكِ

تضمنت القصيدة مواقع نجدية احتوت بمفردها نحو أربعة وعشرين مكاناً

منها ما ظل كما هو حتى هذه السَّاعة ومنها ما تغير على مرِّ الزَّمن

وجبال الدخول وحومل قد تكون «مواقعها» غير معروفة عند الكثيرين من أبناء العرب

ولكنها ارتبطت بأذهانهم في معلقة امرؤ القيس أما عند أهل نجد فمعروفة

وردت تلك الامكنة في قصائد امرؤ القيس وهي في نجد التي خلدتها قصائده

لم يبق منها سوى ما أرخه امرؤ القيس  شُّعراً

وتقع هذه الجبال في منطقة تسمى (جفرة الصاقب)

والدَّخُول: موضع في نجد بالتحديد باليمامة على الراجح

وبحسب كتب التاريخ فإن " الدخول"

يقصد به الهدار إحدى مدن محافظة الأفلاج في وقتنا الحاضر

وقد ذكر مواضع من مدينة الافلاج في قصيدته الرائية التي يذكر فيها مسيره إلى بلد الروم

وقصده قيصر إمبراطور الروم أولها:

سما لك شوق بعد ما كان أقصر *** وحلت سليمى قرن ظبي فعرعرا

كنانية بانت وفي الصدر ودها *** مجاورة نعمان والحي يعمرا

بعينك ظعن الحي لما تحملوا *** على جانب الأفلاج من جنب تميرا

والصاقب هذا عبارة عن جبل شامخ تعرف المنطقة المجاورة له باسمه

فـ"سقط اللَّوى بين الدَّخول فحوْمل"

وهو ما استدقَّ من الرمل وهو من المواقع النجدية التي وصفها أمرؤ القيس

جاء في الأطلس:

إن الدَّخول ماء عذب معروف الآن بالاسم نفسه

ويقع شمالي الهضب المعروف بين وادي الدَّواسر ووادي رينة مِن أرض نجد

أما حوْمل فهو جبل قريب مِن الدَّخول قيل بينهما نصف يوم للرَّاجل

وقيل الذي قصده الشَّاعر هو عالية نجد

مصادر الأطلس اعتمدت كتب الجغرافيين أو البلدانيين القدماء

ثم كتاب "صحيح الأخبار مَّما ورد في بلاد العرب مِن الآثار"

لمُصنفه المؤرخ والشَّاعر السعودي محمد بن عبد الله بن بليهد (ت 1957)

وقد صُنف بتوجيه رسمي لمعرفة جغرافيا المعلقات

بعده صنف المحقق السعودي سعد بن جنيدل (ت 2006)

معجم الأماكن الواردة في المعلقات العشر

كذلك اعتمد على ما صنفه علامة الجزيرة حمد الجاسر(ت 2000)

وآخرون مِن المؤرخين والمحققين في جغرافيا مدن المملكة العربية السُّعودية

وبظهور اكتشافات جديدة قد يعثر عليها طُلاب الآثار وما أكثرها ببلاد نجد والحجاز

حيث مواطنها الأولى فإذا كانت تلك المعلقات مِن تلفيق شعراء متأخرين

فمِن أين حفل المتأخرون بتلك الأسماء وإن حفلوا وعرفوها كيف بثوها عاطفةً وذِكرى

مثلما جاءت مصبوبةً في قصائد امرئ القيس وبقية الشُّعراء صباً

ربَّما يُشكك في رواية تعليقها بأستار الكعبة ونقشها بماء الذَّهب

أما متونها فالأماكن تؤكد أنها غابرة الوجود وقبل الإسلام

معلقة قَفَاَ نَبْكِ:

تعد قصيدة قِفا نَبْكِ من أهم القصائد في تاريخ الشعر العربي

هي قصيدة عصماء دقيقة الوصف ورقيقة النسيب

قام فيها امرؤ القيس بالوقوف على الأطلال في تصوير بلاغي لغوي جميل 

وقد اشتملت المعلِّقة على كثير من التشبيهات الرائعة

وهو أول شاعر بكى على الاطلال واستبكى وأبكى من حوله

تحتوي المعلقة على الغزل والمجون والترف إلا أنها بالرغم من ذلك

تعدَّ من أشهر ما كتب من الشعر في العصر الجاهلي

فأن امرؤ القيس قد برع فيها من حيث التصوير ووصف هودج بعير عنيزة

ووصف الليل وطوله والصيد

يقول فيها:

قَفَاَ نَبْكِ مِنْ ذِكُرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ *** بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

فَتُوِضحَ فَاْلِمقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا *** لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ

تَرى بَعَرَ الآرام فِي عَرَصَاتِها *** وقِيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ

كَأَنِّي غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا *** لَدَى سَمُراتِ الَحْيِّ نَاقِف حَنْظَلِ

وُقُوفاً بِهَا صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ *** يقُولُونَ: لا تَهلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ

وإِنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهْراقَةٌ *** فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحَوْ يرِثِ قَبْلَها *** وَجَارَتِها أُمِّ الرِّبابِ بِمَأْسَلِ

إِذَا قَامَتا تَضَوَّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا *** نَسِيمَ الْصِّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا الْقَرَنْفُلِ

فَفَاضَتْ دُمُوعُ الْعَيْنِ مِنِّي صَبَابَةً *** عَلى الْنَّحْرِ حَتَّى بَلَّ دَمْعِي محْمَليِ

أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَكَ مِنْهُنَّ صَالِحٍ *** وَلا سِيمَّا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ

وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيِّتي *** فَيَا عَجَباً مِنْ كُورِهَا الُمتَحَمَّلِ

فَظَلَّ الْعَذَارَى يَرْتِمَينَ بِلَحْمِهَا *** وَشَحْمٍ كهُدَّابِ الدِّمَقْسِ الُمَفَّتلِ

وَيَوْمَ دَخَلْتُ الْخِدْرِ خَدْرَ عُنَيْزَةٍ *** فَقَالَتْ لَكَ الْوَيْلاتُ إِنَّكَ مُرْجِلي

تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيط بِنَامَعاً *** عَقَرْتَ بَعيري يَا امْرؤَ القَيْسِ فَانْزِلِ

فَقُلْتُ لَهَا سِيري وأرْخِي زِمَامَهُ *** وَلا تُبْعِدِيني مِنْ جَنَاكِ اُلْمعَلَّلِ

فَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ *** فَأَلهيْتُهَا عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوِلِ

إِذا ما بَكى مَنْ خَلْفِها انْصَرَفَتْ لهُ *** بِشِقٍّ وَتحْتي شِقّها لم يُحَوَّلِ

وَيَوْماً على ظَهْرِ الْكَثيبِ تَعَذَّرَتْ *** عَليَّ وَآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ

وَما ذَرَفَتْ عَيْناكِ إِلا لِتضرِبي *** بِسَهْمَيْكِ في أَعْشارِ قلْبٍ مُقَتَّلِ

وكَشْحٍ لطيفٍ كالجديل مُخَصَّرٍ *** وَسآَقٍ كاْنبوبِ السَّقيّ الُمذَلَّلِ

وتضحي فتيتُ المِسكِ فوقَ فراشها *** نؤُومَ الضُّحى لم تَنْتُطِقْ عن تفضُّل

أَلا رُبَّ خصْمٍ فيكِ أَلْوَى رَدَدْتُه *** نصيحٍ على تَعذا لهِ غيرِ مُؤتَلِ

وَليلٍ كمَوْجِ الْبَحْرِ أَرْخَى سُدو لَهُ *** عليَّ بأَنْواعِ الُهمُومِ ليبْتَلي

فَقلْتُ لَهُ لَّما تَمَطَّى بصُلْبِهِ *** وَأَرْدَفَ أَعْجَازاً وَناءَ بكَلْكَلِ

أَلا أَيُّها الَّليْلُ الطَّويلُ أَلا انْجَلي *** بصُبْحٍ وما الإِصْباحُ مِنكَ بأَمْثَل

فيا لكَ مِن لَيْلٍ كأَنَّ نُجومَهُ *** بأَمْراسِ كتَّانٍ إِلى صُمِّ جندَلِ

وَقِرْبَةِ أَقْوامٍ جَعَلْتُ عِصَامَها *** على كاهِلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّل

كِلانا إِذا ما نالَ شَيْئاً أَفاتَهُ *** وَمَنْ يْحترِث حَرْثي وحَرْثَك يهزِل

وَقَدْ أَغْتَدي والطَّيُر في وُكُناتِها *** بُمنْجَرِدٍ قَيْدِ الاوابِدِ هيْكلِ

مِكَر مِفَرِّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً *** كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيْل من عَلِ

كُمَيْتٍ يَزِل الّلبْدُ عن حالِ مَتْنِهِ *** كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالُمَنِّزلِ

دَريرٍ كَخُذْروفِ الْوَليدِ أمَرَّهُ *** تَتابُعُ كفّيْهِ بخيْطٍ مُوَصَّلِ

لَهُ أَيْطَلا ظَبْي وسَاقا نَعامةٍ *** وَإِرْخاءُ سِرحانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ

ضليعٍ إِذا استَدْبَرْتَهُ سَدَّ فَرْجَهُ *** بضاف فُوَيْقَ الأَرْض ليس بأَعزَلِ

كأنَّ على الَمتْنَينِ منهُ إِذا انْتَحَى *** مَدَاكَ عَروسٍ أَوْ صَلايَةَ حنظلِ

كأنَّ دِماءَ الهادِياتِ بِنَحْرِهِ *** عُصارَةُ حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ

فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنَّ نِعاجَهُ *** عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيّلِ

فأَدْبَرْنَ كالجِزْعِ المَفصَّل بَيْنَهُ *** بِجِيدِ مُعَمِّ في الْعَشيرةِ مُخْوَلِ

فأَلحَقَنا بالهادِياتِ ودُونَهُ *** جَواحِرُها في صَرَّةٍ لم تُزَيَّلِ

فَعادى عِداءً بَيْنَ ثوْرٍ وَنَعْجَةٍ *** درَاكاً وَلَمْ يَنْضَحْ بِماءٍ فَيُغْسَلِ

فظَلَّ طُهاةُ اللّحْم من بَيْنِ مُنْضجِ *** صَفِيفَ شِواءٍ أَوْ قَدِيرٍ مُعَجَّلِ

وَرُحْنَا يَكادُ الطّرْفُ يَقْصُر دُونَهُ *** مَتَى مَا تَرَقَّ الْعَيْنُ فيهِ تَسَفّلِ

فَبَاتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلِجامُهُ *** وباتَ بِعَيْني قائِماً غَيْرَ مُرْسَلِ

أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَهُ *** كَلمْعِ الْيَدَيْنِ فِي حَبيِّ مُكلّلِ

يضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيحُ راهِبٍ *** أَمَالَ السَّلِيطَ بالذُّبَالِ الُمُفَتَّلِ

قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بَيْنَ ضَارِجٍ *** وَبَيْنَ الْعُذَيْبِ بَعْدَ مَا مُتَأَمَّلي

على قَطَن بالشَّيْم أيْمنُ صَوْتهِ *** وَأَيْسَرُهُ على الْسِّتَارِ فَيُذْبُلِ

فَأَضْحَى يَسُحُّ الْماءَ حوْلَ كُتَفْيَهٍ *** يَكُبُّ على الأذْقانِ دَوْجَ الكَنَهْبَلِ

وَمَرَّ على الْقَنّانِ مِنْ نَفَيَانِهِ *** فَأَنْزَلَ منْه العُصْمَ من كلّ منزِلِ

وَتَيْماءَ لَمْ يَتْرُكْ بها جِذْعَ نَخْلَةٍ *** وَلا أُطُماً إِلا مَشِيداً بِجَنْدَلِ

كَأَنَّ ثَبيراً فِي عَرانِينِ وَبْلهِ *** كَبيرُ أْنَاسٍ فِي بِجَاد مُزَمَّلِ

كَأَنَّ ذُرَى رَأْسِ الُمجَيْمِرِ غُدْوَةً *** من السَّيْلِ وَالأَغْثَاءِ فَلْكَهُ مِغْزلِ

وَألْقَى بصَحراءِ الْغَبيطِ بَعاعَهُ *** نزُولَ اليماني ذي العِيابِ المحمَّلِ

كَأَنَّ مَكاكّي الجِواءِ غُدَيَّةً *** صُبِحْنَ سُلافاً من رَحيقٍ مُفَلْفَلِ

كانَّ الْسِّباعَ فِيهِ غَرْقَى عَشِيَّةً *** بِأَرْجَائِهِ الْقُصْوَى أَنَابِيشُ عُنْصُلِ

وصف امرؤ القيس (الجُدَيَّةِ)

وصف أمرؤ القيس الجدية بقصيدة مطلعها:

لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل *** مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل

والجُدَيَّةِ تقع اليوم في الطرف الغربي من الرياض اليوم

وهي منتزه لأهالي الرياض منذ القدم ومعروف عند الاهالي بهذا الاسم

إلا أن المتأخرين الذين يعملون في مشروع (الجُدَيَّةِ) من اخواننا المصريين

وكذلك اليمنيين أهل صنعاء غيروا اسم (الجُدَيَّةِ) لفظاً الى (القديه)

وأهالي الرياض ممن هم في سني ينطقون الاسم (الجُدَيَّةِ) وليس (القديه)

ويقع على ارضها اليوم مشروع (الجُدَيَّةِ) الذي يقام على مساحة 367 كم

ويتضمن الموقع عدة  مناطق رئيسية :

1-     منتجع الترفيه : منطقة مخصصة للترفيه والمتعة وستكون موطنًا لأبرز المتنزهات الترفيهية في الجُدَيَّةِ وستحيط العديد من مناطق الجذب بمنطقة مركزية مخصصة للمحلات التجارية  والمطاعم والترفيه بالإضافة إلى مجموعة من المرافق الفندقية المميزة التي تناسب جميع الميزانيات

2-     قرية الجُدَيَّةِ هي منطقة متعددة الاستخدامات وستكون وجهة للعمل والإقامة والترفيه والاسترخاء كما ستكون موطنًا لمجموعة من المرافق الرياضية والفنية بالإضافة إلى مجموعة من العروض العقارية والتجارية والمكتبية وستشجع ممراتنا المظللة الضيوف والمقيمين على تجربة المنطقة النابضة بالحياة وعروضها المميزة

3-     منطقة الحركة والتشويق سواء كنت سائقًا محترفًا لسباق السيارات أو من عشاق رياضة السيارات أو مجرد مشاهد، فستجد ما يسعدك ويلبي شغفك في منطقة الحركة والتشويق، حيث ستكون المنطقة هي الوجهة المثالية ومنطقة التعلم الرئيسية للباحثين عن الأنشطة والتجارب عالية السرعة المدفوعة بالأدرينالين.

وأصبحت اليوم وجهة عالمية بارزة للترفيه والرياضة والفنون على مشارف مدينة الرياض

نعود لقصيدة أمرؤ القيس التي وصف فيها (الجُدَيَّةِ)

في قصيدته التي مطلعها: لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل

كان امرؤ القيس يتردد على هذا المكان

وصف مكان الجُدَيَّةِ وصفا دقيقاً من نباتات ظهرت نتيجة الأمطار

ووصف الحيوانات التي ترتع في ذلك المكان والطيور من القطا وهي الحمام

والحجل وهو الدجاج البري والذئاب و الثعالب الى غيره من الحيوانات

ووصف ا(الجُدَيَّةِ) عمرو بن كلثوم الذي سكن نجد

وفي وصف جميل بلاغي يدلّ على الاستخدام المناسب للكلمات

وإبراز خَبِيئَاتِ المعاني حتى يريك الغائب كأنه مشاهدٌ

وهذا نراه في وصف عمرو بن كلثوم لجبال ( الجُدَيَّةِ ) في معلقته

عندما أقبل عمرو بن كلثوم من جهة الغرب على طريق القوافل القديم

جنوب قصور ال مقبل اليوم داخلا اليمامة (الرياض) حالياً

حيث قال :

في معلقته المشهورة التي جاء في مطلعها :

أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِينَـا *** وَلاَ تُبْقِي خُمُـورَ الأَنْدَرِينَـا

ثم يصف جبال (الجُدَيَّةِ) بقوله:

فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَـرَّتْ *** كَأَسْيَـافٍ بِأَيْـدِي مُصْلِتِيْنَـا

يصفها أنها تقف شامخة كأنها تستقبل القادمين إلى حجر اليمامة (الرياض)

تستقبلهم بالترحاب

وظهرت للقادمين لليمامة (الرياض) وارتفعت في أعيننا

كأسياف بأيدي رجال سالين سيوفهم من أغمادها بالترحاب

وتلك الجبال يقصدها القادم للرياض من جهة الحجاز عند مدخل الرياض

وهذا الطريق الذي يسمى قديماً (أبا الجُدَ) له أكثر من ستة الاف سنه

فهو الطريق الوحيد للتجار المارين بنجد على عهد السبئيين والحميريين

وطوله كيلو متر محفور ومعبد في جبال (الجُدَيَّةِ)

ابيات قصيدة وصف (الجُدَيَّةِ)

لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل *** مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل

عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَب *** ومُنخَفَضٍ طام تَنَكَّرَ واضمَحَل

وزَالَت صُرُوفُ الدَهرِ عَنهُ فَأَصبَحَت *** عَلى غَيرِ سُكَّانٍ ومَن سَكَنَ ارتَحَل

تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنه مُجَلجِلٌ *** أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَل

بِرِيحٍ وبَرقٍ لَاحَ بَينَ سَحَائِبٍ *** ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَل

فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشَنِض وغَشنَضٍ *** ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسل

وفِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ *** وطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَل

وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ *** وفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ والرفَل

وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ *** وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَل

وهَامٌ وهَمهَامٌ وطَالِعُ أَنجُدٍ *** ومُنحَبِكُ الرَّوقَينِ في سَيرِهِ مَيَل

فَلَمَّا عَرَفت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمي *** تَكَفكَفَ دَمعِي فَوقَ خَدَّي وانهمَل

فَقُلتُ لَها يا دَارُ سَلمَى ومَا الَّذِي *** تَمَتَّعتِ لَا بُدِّلتِ يا دَارُ بِالبدَل

لَقَد طَالَ مَا أَضحَيتِ فَقراً ومَألَف *** ومُنتظَراً لِلحَىِّ مَن حَلَّ أَو رحَل

ومَأوىً لِأَبكَارٍ حِسَانٍ أَوَانسٍ *** ورُبَّ فَتىً كالليثِ مُشتَهَرِ بَطَل

لَقَد كُنتُ أَسبى الغِيدَ أَمرَدَ نَاشِئ *** ويَسبِينَني مِنهُنَّ بِالدَّلِّ والمُقَل

لَيَالِيَ أَسبِى الغَانِيَاتِ بِحُمَّةٍ *** مُعَثكَلَةٍ سَودَاءَ زَيَّنَهَا رجَل

كأَنَّ قَطِيرَ البَانِ في عُكنَاتِهَ *** عَلَى مُنثَنىً والمَنكِبينِ عَطَى رَطِل

الحقبة الثانية من حياة امرؤ القيس

لم تدم حياة أمرؤ القيس الهادئة طويلا ولم تستمر على الشاكلة التي وصم بها

وبعدما جاءه خبر مقتل أبيه الذي غيّر سلوكه

عندما كان جالساً يشرب الخمر

من هنا بدأت مأساة امرؤ القيس حين امتنع بنو أسد على والده ملك حجرٌ

الذي كان يأخذ منهم شيئاً معلوماً فامتنعوا منه بعد أن ثار بنو أسد على والده وقتلوه

تهاوت أركان كندة تحت وطأة ظلم والد أمرؤ القيس لرعيته

مما جعل الرعية ينقضون على والد امرؤ القيس حجر فقتلوه

ولم يكن تهدم هذه المملكة بسبب ضغوط خارجية عليها

وإن كان الفرس والروم يعمدون أحياناً إلى ضرب القبائل العربية بعضها ببعض

كما فعلوا بين المناذرة والغساسنة

وإنما كان نتيجة للظلم الذي مارسه ملك كنده على رعاياه

من هنا ابتدأت مرحلة جديدة في حياة امرؤ القيس

إن مأساة امرؤ القيس جعلته رجل جد يسعى إلى الأخذ بثأره

بعد أن كان رجل لهو يدب إلى حرمات النساء

وحياة ملأها في البداية باللهو والشراب ثم توجها بالشدة والعزم

قيل إن حجرًا والد امرئ القيس لما طعنه بنو أسد دفع إلى رجل في قصة طويلة

وصيته وطلب من رجل أن أدفعها إلى أمرؤ القيس وكان أصغر ابناء حجرًا

وبيَّن في وصيته من قتله وكيف كان خبره فانطلق الرجل بوصية حجرًا

إلى امرؤ القيس ودفع اليه سلاح والده وخيله وقدوره

فأخبره الرسول عن أمر أبيه أنه قتل ثم دفع اليه بوصيته

تحرِّيم أمرؤ القيس الطيبات على نفسه

وأقسم ألاَّ يصيب امرأة وألاَّ يغتسل أو يدهن أو يشرب خمرة

حتى يدرك وتره من قاتلي أبيه

فقال امرؤ القيس: الخمر والنساء عليَّ حرام حتى آخذ بثأر أبي

ثم قال:

ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم ولا سكر غداً

اليوم خمر وغداً أمر فذهبت مثلًا

وقال في ذلك شعراً كثيراً

أتَاني وَأصْحَابي عَلى رَأسِ صَيْلَعٍ *** حَدِيثٌ أطَارَ النّومَ عَني فَأنْعَمَا 

فَقُلْتُ لِعِجْليِّ بَعِيدٍ مَآبُهُ تبينْ *** وبَيِّنْ لي وبَيّن لي الحديثَ المًجمجَمَا

فَقَالَأبَيْتَ اللّعْنَ عَمْرٌو وَكاهلٌ *** أباحَوا حِمى حُجرٍ فأصْيَحَ مُسْلَمَا

وردّ على بعض من عذله

أنّى عَلَيّ اسْتَتَبّ لَوْمُكُمَا *** وَلَمْ تَلُومَا حُجْراً وَلا عُصُمَا

كَلّا يَمِينُ الإلهِ يَجْمَعُنَا *** شَيءٌ وَأخْوَالَنَا بَني جُشَمَا 

حَتى تَزُورَ الضِّبَاعُ مَلْحَمَةً *** كَأنّهَا مِنْ ثَمُودَ أوْ إرَمَا 

وله في ذلك أشعار كثيرة منها:

تَاللَهِ لا يَذهَبُ شَيخي باطِلا *** حَتّى أُبيرَ مالِكاً وَكاهِلا

القاتِلينَ المَلِكَ الحُلا حِلا *** خَيرَ مَعَدٍّ حَسَباً وَنائِلا

يا لَهفَ هِندٍ إِذ خَطِئنَ كاهِلا *** نَحنُ جَلَبنا القُرَّحَ القَوافِلا

يَحمِلنَنا وَالأَسَلَ النَواهِلا *** مُستَفرَماتٍ بِالحَصى جَوافِلا

مسؤولية الثأر لأبيه

أن امرؤ القيس يملك همّة عالية وينطوي على نفس طموح إلى المجد

ولا أدل على هذا من شعره الذي يقول فيه :

فلو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ كفاني *** ولم أطلب قليل من المال

ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ *** وقد يدركُ المجد المؤثل أمثالي

فأخذ أمرؤ القيس على عاتقه مسؤولية الثأر لأبيه وتحمّل عبء الثأر على عاتقه دون إخوته

فنهض من غده وأخذ يعد العدة ويجهز الأسلحة

فجمع أنصاره واستنجد وطلب العون مرة بقبائل أخواله بكر وتغلب

ومرة يستحث قبائل نجد ويستنفرها لقتال بني أسد

فانتهى إلى بني أسد خبر ذلك فأوفدوا إليه رجالًا كهولًا وشبانًا

فلما علم بمكانهم أمر بإنزالهم وتقدم بإكرامهم والإفضال عليهم

وقالوا له: إن الواجب عليك أن ترضى مِنَّا بإحدى خلال نسميها لك:

 -1أ ما أن تختار من بني أسد أشرفها بيتًا فقُدمناه إليك بنسعه فتذبحه

2- أو ترضى منا بفداء بالغ ما بلغ فأديناه إليك من نعمنا فترد القضب إلى أجفانها

3- وإما أن توادعنا حتى تضع الحوامل وتتأهب للحرب

أظهر أمرؤ القيس رغبة أكيدة في إعادة ملك أبيه وأجداده

فقال: الخمر والنساء عليَّ حرام حتى آخذ بثأر أبي

وحرم على نفسه الطيبات التي أحبها

وأقسم ألاَّ يصيب امرأة وألاَّ يغتسل أو يدهن أو يشرب خمرة

حتى يدرك وتره من قاتلي أبيه وقال:

حلَّتْ لي الخمرُ وكنت امرأً *** عن شربها في شُغلِ شاغلِ 

فاليومَ أشربُ غير مُستحقبٍ *** إثمًا من الله ولا واغلِ 

ثم قال:

ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم ولا سكر غداً

اليوم خمر وغداً أمر فذهبت مثلًا

وقال في ذلك شعراً كثيراً

أتَاني وَأصْحَابي عَلى رَأسِ صَيْلَعٍ *** حَدِيثٌ أطَارَ النّومَ عَني فَأنْعَمَا 

فَقُلْتُ لِعِجْليِّ بَعِيدٍ مَآبُهُ تبينْ *** وبَيِّنْ لي وبَيّن لي الحديثَ المًجمجَمَا

فَقَالَأبَيْتَ اللّعْنَ عَمْرٌو وَكاهلٌ *** أباحَوا حِمى حُجرٍ فأصْيَحَ مُسْلَمَا

وردّ على بعض من عذله

أنّى عَلَيّ اسْتَتَبّ لَوْمُكُمَا *** وَلَمْ تَلُومَا حُجْراً وَلا عُصُمَا

كَلّا يَمِينُ الإلهِ يَجْمَعُنَا *** شَيءٌ وَأخْوَالَنَا بَني جُشَمَا 

حَتى تَزُورَ الضِّبَاعُ مَلْحَمَةً *** كَأنّهَا مِنْ ثَمُودَ أوْ إرَمَا 

وله أشعار منها:

تَاللَهِ لا يَذهَبُ شَيخي باطِلا *** حَتّى أُبيرَ مالِكاً وَكاهِلا

القاتِلينَ المَلِكَ الحُلا حِلا *** خَيرَ مَعَدٍّ حَسَباً وَنائِلا

يا لَهفَ هِندٍ إِذ خَطِئنَ كاهِلا *** نَحنُ جَلَبنا القُرَّحَ القَوافِلا

يَحمِلنَنا وَالأَسَلَ النواهل *** مُستَفرَمات بِالحَصى جَوافِلا

تَستَنفِرِ الأَواخِرُ الأَوائِلا

فارتحل حتى نزل بَكرًا وتغلب عليهم أخواه شرحبيل وسلمة

فاستنصارهما على بني أسد فنصراه وقاتلوا معه

ثم أغار على بني أسد في حشد عظيم من قبيلتي بكر وتغلب فأدركهم

وقتل فيهم قتلاً ذريعاً حتى كثرت في بني أسد الجرحى والقتلى

وهرب بني أسد وتبعهم امرؤ القيس حتى لحقهم وقد استراحوا ونزلوا على الماء

وامرؤ القيس ومن معه في غاية التعب والعطش

فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى والجرحى وحجز بينهم الليل فهربت بنو أسد

وقال امرؤ القيس في ذلك:

يا دار سَلمى دارساً نؤيُها *** بالرَّمل فالخَبْتَين من عاقل

صَمَّ صداها وعفا رسُمها *** واستَعجَمتْ عن منطق السائل

قولا لبُوصانَ عبيد العصا *** ما غرَّكم بالأسد الباسلِ

قد قرّت العينان من مالك *** طُرَّا ومن عمرو ومن كاهل

ومن بنى غَنم بن دُودان إذ *** يُقذَف أعلاهْم على السافلِ

حتَّى تركناهمْ لدى مَعرك *** أرجُلُهم كالخشَب الشَّائِلِ

جئنا بها شَهباءَ ملمومةً *** مثل بَشام القُلة الجافلِ

فُهنَّ أرسالٌ كمثل الدَّبا *** أو كقطا كاظمةَ الناهلِ

نَطعُنهم سُلْكَى ومخلوجةً *** كرَّكَ رمين على نابلِ

حلت لي الخمرُ وكنت امرأً *** عن شربها في شغل شاغِل

فاليومَ فاشربْ غير مستحقبٍ *** إثماً من الله ولا واغلِ

وناع يخبِّرْنا بمَهلِكِ سيد *** تُقطَّع مِن وجد عليه الأناملُ

ثم سار امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب إلى بني كنانة

وقد لجأ بنو أسد إلى بني كنانة

فوضع السلاح في بني كنانة وهو يحسبهم (بني أسد) عندما لجأوا اليهم

ونجت بنو كاهل من بني أسد وذكر امرؤ القيس في شعره أنه ظفر بهم

فتأبى عليه ذلك الشعراء قال عبيد:

ياذا المُخَوِّفُنَا بِقَتْل *** أَبِيهِ إِذْلاَلاً وحَيْنَا

أَزَعَمْتَ أَنَّكَ قَدْ قَتَلْتَ *** سرَاتَنَا كَذِباً ومَيْنَا

فلما أسفر الصبح خرجت إليه عجوز من بني كنانة فقالت:

فدونك ثأرك فاطلبهم فإن القوم قد ساروا بالأمس

ثم إنه اتَّبَع بني أسد حتى لحقهم وقد استراحوا ونزلوا على الماء

وهو ومن معه في غاية التعب والعطش

فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثرت القتلى والجرحى وحجز بينهم الليل

فهربت بنو أسد فلما أسفر الصبح أراد الاستمرار في مطاردتهم وتتبعهم

عندها رفض أتباع أمرؤ القيس أن يلحقوا ببني أسد حين فرّو

فتخلوا عنه وامتنعت عنه قبائل بكر وتغلب

وقالوا له: قد أصبت ثأرك

بحجة أن أمرؤ القيس قد أصاب ثأره منهم بعدما قتل في بطون بني أسد مقتلة عظيمة

فقال: واللهِ ما فعلتُ ولا أصبت من بني كاهل أحدًا

وخالفه قومه قبائل بكر وتغلب وانفضوا عنه بعدما أمدوه من قبل

ونكلوا عليه القيام معه لأخذ بثأر أبيه المقتول

وأنقضت عليه الامور واضطربت عليه الاحوال

مما أثقل عليه الحياة وحولها جبال جاثمة على قلبه

ويبدو أن الحظ قلب له ظهر المجن مع القبائل العربية

فابتعد وتفرق عنه أنصاره وامتنعوا من المسير معه

بينما يرى امرؤ القيس أنه لم يشتف من بني أسد

فلما امتنعوا من المسير معه اضطر إلى الطواف على القبائل

لاسترجاع كفة حكم كندة

بعدما تخلى عنه من معه وتخاذلت عنه قبائل بكر وتغلب

وظل كل حياته يسعى لاستعادة مملكة والده المفقودة والانتقام لموته

وهو الامر الذي لم ينجح في تحقيقه لذلك لُقب امرؤ القيس بـالملك الضليل

وقد نظم شعرًا كبيرًا في هذه الأحداث وقال:

خَلِيَلَّى ما في اليوم مَصْحًى لشارِبٍ *** ولا في غَدٍ إِذْ كان ما كان مَشْرَبُ

فلما كان الليل لاح له برقٌ فقال:

أَرقْتُ لبَرْق بلَيْل أَهَلّ *** يضيء سَنَاهُ بأَعْلَى الجَبَلْ

بقَتْل بَني أَسَدٍ رَبَّهُمْ *** أَلاَ كُلُّ شَيءٍ سِوَاهُ جَلَلْ

ثم استجاش بكر بن وائل فسار إليهم وقد لجأوا إلى كنانة فأوقع بهم

ونجت بنو كاهل من بني أسد فقال:

يا لَهْفَ نَفْسِي إِذْ خَطِئْنَ كاهِلاَ *** القاتِلِينَ المَلِكَ الحُلاَ حلا

تَاللهِ لا يذهَبُ شَيْخِي باطَلا

وقد ذكر امرؤ القيس في شعره أنه ظفر بهم فتأبى عليه ذلك الشعراء

قال عبيد:

ياذا المُخَوِّفُنَا بِقَتْل *** أَبِيهِ إِذْلاَلاً وحَيْنَا

أَزَعَمْتَ أَنَّكَ قَدْ قَتَلْتَ *** سرَاتَنَا كَذِباً ومَيْنَا

ويبدو أن امرؤ القيس يملك همّة عالية وينطوي على نفس طموح إلى المجد

ولا أدل على هذا من شعره الذي يقول فيه :

فلو أن ما أسعى لأدنى معيشةٍ كفاني *** ولم أطلب قليل من المال

ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ *** وقد يدركُ المجد المؤثل أمثالي

وبعد أن عجز امرؤ القيس عن الانتقام من بني أسد

لذلك حاول أن يستنصر الروم ولم يستنصر الفرس

لأن الفرس كما يتضح لنا كانت ساخطة على بني آكل المرار (قبيلة أمرؤ القيس)

لجوء امرؤ القيس للروم لم يلجأ للفرس

لم تكن علاقة الفرس بالعرب حميمة منذ القدم 

بل كانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرارة ( أباء أمرؤ القيس )

فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب أمرؤ القيس فطلبه ولكن وأمرؤ القيس هرب منه

وأول قتال بين الفرس والعرب كان يوم ذي قار ذلك اليوم الذي هزمت العرب فيه الفرس

ويعتبر يوم ذي قار أحد أهم أيام العرب حيث وقعت بين العرب والفرس

وتمت معركة ذي قار بين قبيلة بكر بن وائل والفرس وانتصر فيهِ العرب

وكان أعظم انتصار عربي على الفرس في الجاهلية قبل الاسلام

ثم توالت العداوات بعد ذلك بين العرب والفرس

وقبل مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم

عندما اشتدت الحرب بين الفرس والروم وبلغت أنباؤها إلى العرب

كان المُسلِمونَ في عصره يُحِبُّونَ أن يظهَرَ الرُّومُ على فارسَ

منحازين بعاطفتهم إلى الروم لأن الرُّومُ كانوا في نظرهم أهل كتاب مثلهم

أما الفرس  فأنهم مجوس عبدة النار وخدامها

وفي ذلك قال الله تعالى:

 (الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ۝ فِي بِضْعِ سِنِينَ

لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ۝ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ)

وعاون العرب قبل الاسلام جيش الروم 

حتى هزموا سابور بن هرمز بن نرسي  أحد ملوك الفرس

وهزم الروم الفرس شرّ هزيمة وسقطت في أعقابها قط سيفون عاصمة الدولة بيد هرقل

مستعيد الأسلحة التي سيطر عليها الفرس خلال مرحلة انتصاراتهم من جهة

ومحررًا آلافًا من رعايا الإمبراطورية الأسرى في البلاط الفارسي من جهة ثانية

لذلك لا نستغرب لجوء أمرؤ القيس إلى الروم ولم يلجأ إلى الفرس

فاستنجد بإمبراطور الروم هرقل ولم يستنجد بكسرى فارس

لأن الروم كانوا أهل كتاب بينما الفرس أهل وثنية وشرك وقتها

مطاردة المنذر بن ماء السماء أمرؤ القيس

عندما لم يتمكن امرؤ القيس من الثأر لدم أبيه القتيل وأنه لا طاقة له بذلك

تنقل أمرؤ القيس بين القبائل العربية باحثاً عن مناصر ينصفه

بعدما تفرق عنه أنصاره وأعوانه وتركهم إياه وحيدا بين أعدائه

فطاف قبائل العرب طالباً للأخذ بثأر أبيه من بني أسد ليعيد له ملكه

سار في العرب يطلب النصر

ومما زاد الأمر وبالاً على امرؤ القيس

ما فعله المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة

الذي جهز جيشاً كبيراً يطلب فيه عنق امرؤ القيس فهرب منه

لقد خشى المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة

 أن يستعيد امرؤ القيس سلطانه على بني أسد فطارد امرأ القيس ومن معه من قبيلة كندة

إلا ان امرؤ القيس تمكن من الفرار

يعود نسب المنذر بن ماء السلام للمناذرة الذين يُعرفون بأنهم سلالة عربية

حكمت العراق قبل الإسلام

ونسبهم إلى بني لخم من تنوخ وكوّنوا لهم مملكة قوية في العراق

واتخذوا الحيرة عاصمة لهم ومن مدنهم في العراق:

الكوفة والنجف وعاقولا وعين التمر والنعمانية وأبلة والانبار وهيت وعانة وبقة

احتل الفرس مملكة المناذرة في مهدها

إجارة سعد ابن الضباب الإيادي

لم يزل يتنقل مستجيراً من قوم إلى قوم والمنذر يطارده

حتى نزل إلى سعد ابن الضِباب الإيادي فأجاره

فلما بلغ المنذر أن امرؤ القيس استقر عند الحارث بن شهاب

بعث إليه يهدده إن لم يسلم إليه بني آكل المرار ويسلم إليه الكِنديين

وتمكن امرؤ القيس من الفرار ونجا بما قدر على أخذه معه من المال والسلاح

والادرع الخمس وهي:

الفضفاضة والضيافة والمحصنة والخريق وأم الذيول

وكانت هذه الأدرع يتوارثها بنو آكل المرار ملكًا عن ملك

نزوله عند الحارث بن شهاب اليربوعي

تنقل أمرؤ القيس بين القبائل العربية باحثاً عن مناصر ينصفه

بعدما تفرق عنه أنصاره وأعوانه وتركهم إياه وحيدا بين أعدائه

فطاف قبائل العرب طالباً للأخذ بثأر أبيه من بني أسد ويعيد له ملكه

حتى نزل امرؤ القيس ومن معه إلى الحارث بن شهاب اليربوعي

من بني يربوع بن حنظلة ومعه أدرعه الخمس وهي:

الفضفاضة والضيافة والمحصنة والخريق وأم الذيول

وكانت هذه الأدرع يتوارثها بنو آكل المرار ملكًا عن ملك

فلما بلغ المنذر أن امرؤ القيس استقر عند الحارث بعث إليه يهدده

إن لم يسلم إليه بني آكل المرار

ونجا امرؤ القيس بما قدر على أخذه معه من المال والسلاح

والادرع الخمس وهي:

الفضفاضة والضيافة والمحصنة والخريق وأم الذيول

وكانت هذه الأدرع يتوارثها بنو آكل المرار ملكًا عن ملك

مدح امرؤ القيس المعلى

وهذه ابيات مادحاً فيها المعلى أحد بني تيم وكان أجاره ومنعه من المنذر بن ماء السماء

كَأَنّي إِذ نَزَلتُ عَلى المُعَلّى *** نَزَلتُ عَلى البَواذِخِ مِن شَمامِ

فَما مُلكُ العِراقِ عَلى المُعَلّى *** بِمُقتَدِرٍ وَلا مُلكُ الشَآمِ

أَصَدَّ نِشاصِ ذي القَرنَينِ حَتّى *** تَوَلّى عارِضُ المَلِكِ الهُمامِ

أَقَرَّ حَشا اِمرِئِ القَيسِ بنِ حُجرٍ *** بَنو تَيمٍ مَصابيحُ الظَلامِ

إجارة السموأل لأمرؤ القيس

بعدما طاف امْرُؤُ القيس على قبائل العرب

انتهى به المطاف إلى السموأل بن عاديا الغساني الذي كان يقيم في قصر له في بادية السماوة

بناء على نصيحة رجل فزاري من بني فزارة يُدعى الربيع

كان يأتيه في حصنه في تيماء فقال له:

امدح السموأل فإن الشعر يعجبه وأنشده مديحه فيه فأكرم مثواه وأجاره

فنزل به امرؤ القيس مع ابنته وحاجاته وأصدقائه

ومكث امْرُؤُ القيس عنده مدة قبل أن يتوجه إلى قيصر ملك الروم

وسأله بأن يكتب كتاب إلى الحارث بن شمر الغساني

ليتوسط له لدى قيصر الروم بالقسطنطينية للحصول على مساعدة

لاسترداد عرشه وليعزز به حلفائه من قبائل العرب

لان للسموأل منزلة خاصة عند الحارث بن شمر الغساني

وهذا بدوره سيمد امرؤ القيس يد العون ويوصله إلى قيصر الروم

ومكث امرؤ القيس عند  السموأل مدة قبل أن يتوجه امْرُؤُ القيس إلى قيصر ملك الروم

كتب السموأل كتابًا إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير الغساسنة

والغساسنة أعداء المناذرة وأمره أن يوصل امرؤ القيس إلى قيصر الروم

إلا أن امرؤ القيس لم يذهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير الغساسنة

لسبب سأذكره لاحقاً

بل خرج متوجهاً إلى الى بادية الشام التي كانت تابعة لقيصر بيزنطة

للقاء القيصر ملك الروم

وأودع عند السموأل بن عاديا دروعًا وسلاحًا وأمتعةً ثمينة

لا مثيل لها التي تساوي من المال جملةً كثيرةً

قيل إنَّ ملوكَ كندة كانوا يتوارثونها ملكًا بعد ملك لامثيل لها

والتي تساوي من المال الشيء الكثير واستودعه أهله وابنته هند

كما ترك عنده أهله وابنته هند وأمّنه عليهم

وأبقي معهم يزيد بن الحارث بن معاوية

وأختار لصحبته جابر بن حُنَي التغلبي وعمرو بن قميَّة

وتنسب قصة وفاء مؤثرة للسموأل بن عاديا مع امرؤ القيس

بعدما لجأ اليه وأجاره 

علمَ المنذر بن النعمان أنَّ امرأ القيس في جوار السموأل بن عاديا

فأرسل في طلبه الحارثَ بن ظالم وكان للسموأل حصنٌ في شمال الجزيرة العربية

فتحصَّن بداخله حين وصل الحارث

لكن لسوء طالعه أنَّ ابنا له صغير قد خرجَ للصيد

فأمسكَ به الحارث وطلبَ الأدرع ليطلقَ سراحه

فأبى السموأل أن يمنحه ما استأمنه عنده امرؤ القيس

وقال شأنكَ به فلستُ أخفرُ ذمَّتي ولا أسلّم مال جاري

فقتل الحارث الغلام وراحت فعلة السموأل مثلًا بين العرب

وقيل: أوفى من السموأل

وأنشدَ السموأل في تلك الحادثة أبياتا وهو من كبار الشعراء

وفيتُ بأدرعِ الكندي إني *** إذا ما خان أقوامٌ وفيتُ 

وأوصى عاديًا يوما بألا *** تهدمَ يا سموأل ما بنيت 

بنى لي عاديًا حصنا حصينا *** وماء كلما شئتُ استقيت

وعاديا هو أسم جدُّه عادياء

رحلة طلب الملك الضائع

تحولت حياة أمرؤ القيس إلى حياة مسؤولة أثبت فيها بأنه فارس صلب مغوار

حتى تجاوز جزيرة العرب متوجهاً إلى الى بادية الشام التي كانت تابعة لقيصر بيزنطة

لم يجد امرؤ القيس بداً من اللجوء إلى امبراطور الروم جو ستنيان الاول

ومن ثم الانتقال الى القسطنطينية لمقابلة قيصر الروم ونحن  لا نستغرب ذلك

بعد أن عجز أمرؤ القيس عن الأخذ بثأر أبيه وتفرق العرب عنه وأنه لا طاقة له بذلك

فأستنجد بالروم وطلب مساعدتهم لاسترداد عرشه

عند ذلك عزم امرؤ القيس التوجه إلى قيصر الروم في القسطنطينية

مقيماً العذر لنفسه بقوله: وهو الذي لو أراد غزو بني أسد بقبائل من حمير(اليمن) لفعل

ولكنه عمد إلى الروم بدلاً منهم لأن بين النجديين وبينهم عداوة

وهو الذي ألجأهم إلى وادي (جو ناعط) باليمامة

وهذا ثابت من خلال هذه القصيدة الموثقة:

فدع ذا وسلِّ الهمَّ عنك بجسرةٍ *** ذمول إذا صام النهار وهجرا

عليها فتى لم تحمل الأرض مثله *** أبرَّ بميثاقٍ وأوفى وأصبرا

هو المنزل الأُلاَّف من جو ناعطٍ *** بني أسدٍ حزناً من الأرض أوعرا

ولو شاء كان الغزو من أرض حميرٍ ***ولكنه عمداً إلى الروم أنفرا

لعل هذه الأسباب هي التي دفعت امرؤ القيس  إلى التوجه نحو امبراطور الروم لمساعدته

وسابقة تذكر أن امرؤ القيس في طليعة من توجه إلى امبراطور رومي

إذ لم يحدث لملك عربي من مملكة كندة النجدية أن فعل هذا

فمملكة كندة كانت شوكة في حلق الغساسنة والمناذرة والفرس والروم والتبع اليماني معاً

ولم تكن على وفاق مع الجميع

استقبال جو ستنيان الأول لأمرؤ القيس

بعد حياة توجها بالشدة والعزم والثأر من قاتل أبيه

وصل امرؤ القيس الى سوريا وكانت بلاد الشام تابعة لقيصر بيزنطة

وقد استقبله الامبراطور الرومي جو ستنيان الاول

ورحب به فأكرمه ونادمه واستمدّه امرؤ القيس فوعده الامبراطور

وفى ذلك يقول امرؤ القيس :

وَنَادَمتُ قَيْصَرَ في مُلْكِهِ *** فأوْجَهَني وَرَكِبْتُ البَرِيدَا 

إذا ما ازْدَحَمْنَا على سِكَّةٍ *** سَبَقْتُ الفُرَانِقَ سَبْقاً شَديدَا

ويجدر القول بأن امرؤ القيس في طليعة من توجه إلى ملك رومي

إذ لم يحدث لملك عربي من مملكة كندة العربية أن فعل هذا

فمملكة كندة كانت شوكة في حلق الفرس والمناذرة معاً

ويظهر من شعره أنه سلك طريق الشام ومرَّ:

بحوران وبعلبك وحمص وحماة وشيزر وخملى وأوجر وبعلبك وحمص

اجتاز تلك الأماكن على إبله التي أجهدها في السير

ويذكر أنه لم ير ما يُسرُّ به بعد أن قطعت الحاجة أسباب اللقاء بأهله

وقال في شعره:

تَذَكّرْتُ أهْلي الصّالحينَ وَقد أتَتْ *** على خملى خوصُ الركابِ وأوجرا

فَلَمّا بَدَتْ حَوْرَانُ في الآلِ دونها *** نظرتَ فلم تنظر بعينيك منظرا

تقطع أسبابُ اللبانة ِ والهوى *** عَشِيّة َ جَاوَزْنَا حَمَاة ً وَشَيْزَرَا

بسير يضجّ العودُ منه يمنه *** أخوا لجهدِ لا يلوى على من تعذّرا

لقد أنكرتني بعلبك وأهلها *** ولابن جريج في قرى حمص أنكرا

وولاة الامبراطور إمارة فلسطين فرحل إليها ولما وصل اليها فأقام فيها

ظهرت في جسمه قروح عند مسيره إلى بادية الشام

وبعد مقابلة امبراطور الروم جو ستنيان الأول

 وكان ينوي العودة إلى دياره في نجد بعدما اشتد عليه المرض

ولكن امرؤ القيس أقام في الشام إلى أن مات

أما ذهابه الى عاصمة الروم فلا يصح شيئاً في ذلك

إلا أن بعض الباحثين لم يرق لهم إلا إيصال امرؤ القيس إلى القيصر في القسطنطينية

 تشكيل دولة الغساسنة

عندما تبوأ جو ستنيان الاول عرش الإمبراطورية الرومانية عام 527 م

قام بتوحيد القبائل العربية تحـت لواء الحارث بن أبي شمر الغساني

وتكونت دولة الغساسنة وحكمت تلك الديار تحت نفوذ قياصرة الروم وسيادتهم

فاصبح الحارث بن أبي شمر الغساني حاكم على الغساسنة في بلاد الشام

وخادم للإمبراطور وتحت حمايته

وحكم القبائل العربية في سوريا (529 ـ 569 م) وإقامته بغوطة دمشق

ومنحه الإمبراطور بعض الألقاب الشرفية وأوكل إليه حماية حدود الشام مع العراق

ظل الغساسنة على ولائهم للدولة الرومانية أما المناذرة ولائهم لدولة فارس

وكان الصراع بين الإمارتين العربيتين المناذرة والغساسنة قائم

فالمناذرة حلفاء الفرس والغساسنة حلفاء البيزنطيين الروم

وقد أبرم صلح بين بيزنطة الروم وكسرى أن وشروان فارس بعدم القتال بينهما بشكل مباشر

وجعل الصراع بين الإمارتين العربيتين المناذرة والغساسنة

دون تدخل كل منهما تدخلًا مباشرًا في القتال

وهذا الصلح مكَّن الإمبراطور جو ستنيان من التفرغ إلى توسيع إمبراطورتيه في أوروبا وإفريقيا

واستعادة الممتلكات التي انسلخت عنها ليستعيد مجد الإمبراطورية الرومانية القديمة

أما "كسرى أن وشروان"  وجد الذريعة التي يستطيع بها أن يجعل حلفاءه المناذرة

يتحرشون بالغساسنة وبحلفائهم البيزنطيين

وحصل الصدام بين المناذرة والغساسنة على أرض تسمى "أستراتا"

وتمتد بين دمشق وتدمر وتشكل الحد الفاصل بينهما

قاد الحارث بن أبي شمر الغساني حليف الإمبراطورية الرومانية في سوريا

معركة ضد النعمان بن ماء السماء ملك المناذرة حليف كسرى أن وشروان في العراق

فقد فيها الحارث بن أبي شمر الغساني اثنين من أولاده بعدما انتصر على النعمان وقتله

فأعطاه امبراطور الروم لقب البطريق

وتذكر الروايات والكتب التاريخية أن الحارث بن أبي شمر الغساني 

على عداوة مع النجديين من كندة ومع التغلبيين وبني أسد وغطفان من النجديين

إذ قتل الحارث بن أبي شمر الغساني  أحد أجداد امرؤ القيس

وهو عمرو بن حجر الملقب بالمقصور

فلما جاء الإسلام أزال دولة الغساسنة وانتهت حكومتهم

بعد أن حكم من الغساسنة اثنان وثلاثون واليا في مناطق: الجولان واليرموك ودمشق

لقد أدرك الحارث بن أبي شمر الغساني الإسلام وعدائه للإسلام سطرها التاريخ

وعند مبعث النبي محمد ﷺ 

ارسل رسول الله  شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني

وكان أميرا بدمشق من جهة قيصر ومعه كتاب رسول الله  الذي جاء فيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع

الهدى وآمن بالله فإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق ملكك) وختم الكتاب

قال شجاع: فانتهيت فوجدته مشغولا بتهيئة الضيافة لقيصر

وقد جاء من حمص إلى إيليا حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله تعالى

قال شجاع: فأقمت على بابه يومين (يقصد باب الحارث بن أبي شمر الغساني)

أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسولُ رسول الله  

فقال حاجبه: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا

وكان حاجبه رومياً اسمه مرى يسألني عن رسول الله ﷺ  وما يدعو إليه

فكنت أحدثه فيرق قلبه حتى يغلبه البكاء ويقول:

إني قرأت الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه

فكنت أراه يخرج إلى الشام فأراه قد خرج بأرض القرظ فإني أومن به وأصدقه

وأنا أخاف من الحارث بن أبى شمر أن يقتلني

قال شجاع: فكان يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه

ويقول: إنه يخاف قيصر

ثم قال شجاع: فخرج الحارث يوما فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه فدفعت إليه الكتاب

فقرأه ثم رمى به وقال: من ينتزع مني ملكي

أنا سائر إليه (يقصد رسول الله  ) ولو كان باليمن جئته عليّ بالناس فلم يزل جالسا حتى الليل

وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال: أخبر صاحبك بما ترى

وكان أن كتب رسول الله ﷺ إلى قيصر يخبره بخبري فصادف قيصر بإيلياء

وعنده دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه وقد بعثه رسول الله 

 فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه ألا تسر إليه وَالْه عنه ووافني بإيلياء

كان موقف قيصر إيجابي من دعوة الرسول ﷺ فقد أستقبل دحية بن خليفة الكلبي

وهو من الكتاب الذين بعث بهم رسول الله ﷺ إلى قيصر الروم 

وكان رده ايجابي بخلاف رد الحاكم الغساني السلبي من كتاب رسول الله ﷺ

ثم يقول شجاع أما الحاجب الرومي فقد وصلني سراً بنفقة وكسوة

وقال: اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأخبره أنى متبع دينه

قال شجاع فقدمت على النبي ﷺ

فأخبرته بما قال الحاكم الحارث بن أبي شمر الغساني فقال: «باد ملكه»

وأقرأته سلام الحاجب الرومي (مرى) وأخبرته بما قال

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق

ويفهم من هذا أن الحارث بن أبي شمر الغساني اليماني الأصل لم يسلم

وإن امرؤ القيس لم يقابل (الحارث بن أبي شمر الغساني)

بل ذهب مباشرة وقابل جو ستنيان الاول امبراطور الروم

 عمرو بن قميئة وغربة الوطن والأهل

لم يتيقن الشاعر المجرب عمرو بن قميئة أحد مشايخ بنى قيس بن ثعلبة

الذي كان برفقة أمرؤ القيس وكان من خدم أبيه وقد تذمر من مشقة الرحلة

وما فتئا عمرو بن قميئة يفكر في الأميال التي تفصله عن دياره وخاف من المجهول

فما كان منه إلا أن بكى غربة الوطن والأهل

لما رأى أن الأميال تفصله عن موطنه نجد قال : غَرَّرتَ بنا يا امرؤ القيس

ووجد أنه يسير الى حتفه بأقدامه وأحس بهذا يوم رأى (الدرب) أمامه

والدرب هو المسلك أو الطريق الممهد ترابياً أو حجرياً للسفر أو للربط بين المدن

يعود تاريخه إلى فترة عصر ما قبل الإسلام

كما يستخدم من قبل القبائل والمسافرين والقوافل التجارية

للتنقل بين العراق وغربي الجزية العربية والشام والروم

لا تؤثر فيه عوامل الطبيعة ليكون العبور عليه ميسراً للمشاة والخيل صيفاً وشتاءً

وأخذ امرؤ القيس يهدئ من روع عمرو بن قميئة ويشجعه

ويمنيه بالأماني حينما يعود ملكاً وسيداً في قومه

فأنشأ امرؤ القيس يقول:

بَكى صَاحِبي لَمَّا رأى الدَّرْبَ دُونه *** وأيقنَ أنا لاحِقَانِ بقَيْصَرَا 

فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا *** نحاوِلُ مُلْكًا أوْ نموتَ فَنُعْذَرَا 

وَإني زَعِيمٌ إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكاً *** بسَيْرٍ تَرَى مِنْهُ الفُرَانِقَ أزْوَرَا 

عَلى لاحِبٍ لا يَهتَدِي بِمَنَارهِ *** إذا سافَهُ العَوْدُ النُّبَاطيُّ جَرْجَرَا

وتنقطع أخبار عمرو بن قميئة وقد تكون وفاته حدثت إبان هذه الظروف

فمات في غربته في بلاد الشام دون هدف فلقبته العرب (بعمرو الضائع)

ولم يذكر الذين كتبوا عن امرؤ القيس أنه صحب في رحلته إلى قيصر أحدًا

إلا عمرو بن قميئة وقد مات في الطريق وجابر بن حني وقد بقي معه إلى أن مات امرؤ القيس

فلعل جابرًا روى هذه الأبيات والرجز كما روى غيرهما من شعره الذي قاله في رحلته هذه

القصيدة التي يقول فيها:

تقطع أسباب اللبانات والهوى *** عشية جاوزنا حماة وشيزرا

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه *** وأيقن أنا لاحقانِ بقيصرا

فإنها تشهد لنفسها أنها مما قيل في هذه الرحلة

رفقة جابر بن حُنَي التغلبي

رافق جابر بن حُنَي التغلبي امرؤ القيس وحمله على راحلته عند مرضه 

وعندما اشتدت علته صنع له جابر من الخشب شيئًا كالفرِّ فكان يحمله فيه

وقد أشار امرؤ القيس إلى ذلك بقوله من قصيدة:

فإما تَرَيْني في رِحالة جابر *** على حَرَج كالقرِّ تخفق أكفاني

فيا رُب مكروب كَرَرْت وراءه *** وعانٍ فككت الغُل منه ففدَّاني

إذا المرء لم يخزُن عليه لسانه *** فليس على شيء سواه بخزَّانِ

وهذا يدل على أن هذه القصيدة قالها في بلاد الشام قبل وفاته

بعدما اشتد المرض على امرؤ القيس

ثم حق لنا أن نتساءل كيف ينقل لنا جابر بن حني التغلبي

الذي نقل إلينا أخبار امرؤ القيس وشعره

ويستقيم له أن ينقل شعره صادقاً ويخفي عنا أخباره عند القيصر في القسطنطينية

ومن ثم لم يذكر لنا استمرار امرؤ القيس  بالمسير ووصوله الى القسطنطينية

وهو الذي رافقه في رحلته نحو الشام ونقل الينا معظم اشعار امرؤ القيس

آلام الغربة وإنكار الاصحاب

يذكر لنا امرؤ القيس ما لاقاه في طريقه من إعراض الأصحاب

فكلما توقع من إنسان حسن الصحبة ورجا رفقته بدأ منه الإنكار وعدم الرضى

ثم مطاردة المنذر له وتراميه على القبائل والمجيرين

ليحموه ويحموا ابنته وما معه من المال والسلاح

ثم شخوصه إلى قيصر وإخفاقه في رحلته في الوصول الى قيصر القسطنطينية

التي انتهت بموته في دار غربة بين أنياب الفاقة والقروح بعيدًا عن أهله وقومه

وقد كان في خلال ذلك يكابد من الآلام الموجعة ما كان له أسوأ الأثر في نفسه

كما يحصي لنا امرؤ القيس عدد الليالي التي قضاها بعد مغادرته موطنه

أراضي نجد خلف منطقة الحساء فيقول:

إذا نحن سرنا خمس عشرة ليلةً *** وراء الحساء من مدافِعِ قيصرا

إذا قلت: هذا صاحب قدْ رضيته *** وقرَّت به العينانِ بُدِّلتُ آخرا

كذلك جدِّي ما أصاحب صاحباً *** من الناس إلا خانني وتغيَّرا

قبر مارية

إن مرارة الفراق وقلق الموت ولَّدت عند امرؤ القيس

مشاعر مختلطة من الحزن والحنين والغربة ما جعل امرؤ القيس يتوهم وجود مَن يساكنه

 ويشاكيه ويباكيه والمتمثل بجارة تؤنسه في وحدته وتقاسمه الهموم وتشاركه الحزن

وتساعده في استعادة قوته بعدما هزمته الخطوب

وأثناء مروره وهو في طريقه عائداً لدياره في نجد بعدما أشتدَّ عليه المرض

الذي حال دونه ودون الذهاب الى القسطنطينية ومقابلة قيصر الروم

مرَّ امرؤ القيس على مقبرة ورأى قبراً وسأل عن صاحبة القبر فخبّر بخبرها

وفيل له انه لامرأة غريبة أسمها "مارية"

وقال امرؤ القيس هذه الأبيات مخاطباً قبر تلك المرأة:

أجارَتَنا إنَّ الخُطُوبَ تَنوبُ *** وإني مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ 

أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَهُنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif*** وكُلُّ غَرِيبٍ للغَريبِ نَسيبُ 

فإن تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif*** وإنْ تَصْرِمِينَا فالغَريبُ غريبُ 

أجارَتَنا مافاتَ لَيْسَ يَؤوبُ *** ومَا هُوَ آتٍ في الزَّمانِ قَرِيبُ 

ولَيْسَ غريبًا مَن تَنائتْ ديارُهُ *** ولكنَّ مَنْ وارى التُّرابُ غَريبُ

بدأ امرؤ القيس بأسلوب نداء القريب مستخدمًا أداة النداء الهمزة

وهو بذلك يستعطفها ويقربها ليبتدر الكلام بطريقة ودية

وعندما بدأ امرؤ القيس الشطر الثاني من البيت الأول :

الذي يقول فيه:

وإني مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ

يظنُّ الكثيرٌ ان جبل عسيب في بلاد الروم في أنقرة اليوم

 والصحيح إن جبل عسيب الذي جاء في الشطر الثاني لقصيدة أمرؤ القيس

جبل في الجزيرة العربية وليس في بلاد الروم

هذا الذي عناه امرؤ القيس في قوله: وإني مقيمٌ ما أقام عسيبُ

أي في جزيرتهم التي هي موطِنُهم

وعلى غير عادة الشعراء  فإن امرؤ القيس خاطب جارته لا حبيبته

وهي جارة ميتة غير مصغية لما يقول فلا حيلة لها ولا تملك القدرة

ولا الإرادة على تغيير شيء من حال امرؤ القيس

ولا تغير المجريات والحوادث التي حلّت به إنما حالها بذلك حال الديار

بمعنى يقابل المعنى الأول فالخطوب تنوب إليه واحدة تلو الأخرى وتتحرك باتجاهه

ولكنه مقيم وثابت مثل جبل عسيب يحاول مجابهتها وصدها

إذا جبل عسيب جبل في الجزيرة العربية من جبال العرب وليس في بلاد الروم

وقد نَصَّ على ذلك ثُلَّةٌ من العلماء

قال الزمخشري في كتاب الأماكن  )عسيبٌ جبلٌ لهذيل ، وجبلٌ لقريش)

وهو في ديار بني سُلُيْم إلى جنب المدينة

وهناك قبرُ صخر بن عمرو أخي الخنساء وهو القائل :

أجارتَنا لستُ الغداةَ بظاعنٍ *** ولكن مقيمٌ ما أقامَ عسيبُ

قال أبو منصور الأزهري في التهذيب:

(عسيبٌ جبلٌ بعالية نجد معروف ، يُقال : لا أفعلُ كذا أقامَ عسيبُ ) .

فهذا الجبلُ يُضْرَبُ به المثلُ في البقاء والثبوت .

قال الحازمي في المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن:

 عسيب – بالسين المهملة – جبلٌ حجازي دُفِنَ عنده صخر أخو الخنساء

قالت الخنساءُ :

أَجَارتَنا لستُ الغداةَ بِظاعنٍ *** ولكنْ مُقِيْمٌ ما أقامَ عسيبُ

قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم:

(عسيبٌ – بفتح أوَّلِه ، وكسر ثانيه – جبلٌ تقدَّم ذِكْرُهُ ، وتحديدُهُ في رسم البقيع

وهو في ديار بني سُلُيْم إلى جنب المدينة ، وهناك قبرُ صخر بن عمرو أخي الخنساء

وهو القائل:

أجارَتَنا لستُ الغداةَ بِظاعِنٍ *** ولكنْ مُقِيْمٌ ما أقامَ عسيبُ  ) .

وعند الحازمي أن قائلة البيت هي الخنساء 
وقد نَصَّ على ذلك ثُلَّةٌ من العلماء

قال الزمخشري في كتاب الأماكن:

)عسيبٌ جبلٌ لهذيل ، وجبلٌ لقريش)

وأن القائل هو صخر نفسه وهو في ديار بني سُلُيْم إلى جنب المدينة

هناك قبرُ صخر بن عمرو أخي الخنساء 

هذا الجبلُ يُضْرَبُ به المثلُ في البقاء والثبوت

وإنما ذكره امرؤ القيس في سياق المَثَلَ فقط

وأنَّ الذي مات بالقرب من عسيب مضرب المثل هو صخر السُّلمي أخو الخنساء

والعربُ استعملتْ هذا الجبلَ في ضرب المثل في البقاء وعدم الزوال

فَكَثُرَ في أشعارِهم وأقوالِهم

ويؤكد امرؤ القيس في هذه الابيات على قدرته وطول تحمله للخطوب

وسيفني كما يفنى جبل عسيب لأن هذه الإقامة لا بد أن تنتهي

ثم يعود امرؤ القيس لنداء جارته في البيت الثاني فيقول:

أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَهُنَا *** وكُلُّ غَرِيبٍ للغَريبِ نَسيبُ

فكلاهما غريبان ينتسبان لبعضهما بهذه الصفة

فهي تعيش غربة عن الحياة الدنيا إلى عالم الموت

وهو في غربة عن موطنه في سبيل ثأره لقاتل أبيه

وفي البيت الثالث يقول:

فإن تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا *** وإنْ تَصْرِمِينَا فالغَريبُ غريبُ

مخاطبًا جارته في اللحد إنك إن وصلتنا ورددت جوابنا فذلك لأننا تجمعنا قرابة

ممتدة إلى ما بعد الحياة فكلنا ميتون وإن كنا أحياء فنحن إلى زوال وموت

وإن تصرمينا وتقطعي وصالنا فسنظل نعاني من الغربة

وكأن الجارة في هذا البيت أصبحت ترمز إلى الموت

ويعود امرؤ القيس في البيت الرابع ليقول :

أجارَتَنا ما فاتَ لَيْسَ يَؤوبُ *** ومَا هُوَ آتٍ في الزَّمانِ قَرِيبُ

لنداء جارته الميتة ويذكرها بأن ما فاتها من حياة النعيم لن يرجع

وأن ما هو مقدَّر فيما تبقى من الحياة هو الأقرب

ويختتم امرؤ القيس في البيت الخامس بحكمة مفادها أن الغربة الحقيقية

ليست الغربة عن الوطن والتنائي عنه بل إن الغربة الحقيقية

هي تلك التي يذوقها الميت عند مفارقته الحياة مفارقة طويلة

وينسب التنائي إلى الديار "تناءت دياره"

كأن الديار وأهلها هم من أقصوه وأبعدوه لا بمقدوره القرب منها ولا العودة إليها

بعدما عاداه أهلها

ولكن قلبه يظل معلق بها ووصفه منتسبًا إليها رغم تنائيها

وهذا ما يجعله قلقًا متزعزعًا

ولن يجد الراحة إلا بالموت الذي سيمنحه الاستقرار على صفة "غريب"

بلا أمل بالعودة وذلك بقوله:

ولَيْسَ غريباً مَن تَنائتْ ديارُهُ *** ولكنَّ مَنْ وارى التُّرابُ غَريبُ

وزاد الرواة والقصاصون كعادتهم وفاة امرؤ القيس بعد مروره بقبر ماريا ومات عند قبرها

وحسب الرواية فإن قبر هذه الفتاة كان بجوار قبر امرؤ القيس

ودفيُنَ بجنب تلك المرأة فقبرُه هناك اليوم

من منقولات القصاص والسمار

إن ما يحز في النفس استخفاف السمار والقصاص والرواة بعقل الإنسان العربي

حول تقوية روح القصص عندما أفرحونا بقصص مختلقة

وإن كان عملهم القصصي يحظى بالأعجاب لقوة الخيال الذي يحملونه وإحكام الصنعة

فإن تدجيلهم يثير حفيظتنا عليهم كما يثير شفقتنا على تراثنا الأدبي العربي

فما احوجنا لمراجعة ذلك التراث العربي الجميل الذي لحقه خلط وزيادات أفقده بهاؤه الأصيل  

وسأعرض بعض منقولات قالها الروائيين والقصاص والسمار

 على انها أخبار ملفقة محمولة على الكذب عن حياة امرؤ القيس حصرتها في سبع روايات

أولاً – يوم الغدير دارة جلجل

إن واقعة غدير خم وحديثها المعروف بحديث يوم الغدير دارة جلجل

ودار جلجل تسمى قديماً دارة الضباب وتحول أسمها إلى دارة جلجل

بعدما سكنها بنو كندة قبيلة امرؤ القيس 

تلك الحادثة التي تروى عن امرؤ القيس وحدثت له مع صاحبة يوم "دارة جلجل"

في بلاد نجد تبيّن كيف مكر بابنة عمه "عنيزة"

فأجبرها على أن تتجرد من لباسها لينظر إليها وهي تخرج من الغدير مقبلة ومدبرة

حتى يمتع نظره برؤية جسدها العاري

إن نظرةً متأملةً قصيرةً إلى هذا الخبر وإن تكن عجلى

تكشف زيف هذا الخبر وتوضح بهتانه وتفضح كذب ناسجيه

ولعل أكثر ما ينفيه محاولة استيلاء أمرؤ القيس على ملابس ابنة عمه عنيزة

حين رآها هي وزميلاتها من العذارى وقد تجردن من ثيابهم

حين نزلوا في الغدير ليذهب عنهم بعض الكلال

تقول الرواية أن امرؤ القيس أتى عنيزة وزميلاتها من العذارى:

أتاهن وهن غوافل فأخذ ثيابهن فجمعها وقعد عليها

وقال: والله لا أعطي جارية منكن ثوبها ولو ظلت في الغدير يومها

حتى تخرج متجردة فتأخذ ثوبها وكان غرضه النظر اليهن وهن خارجات من الغدير

ويرى أبنة عمه مقبلة ومدبرة ليمتع نظره برؤية أجسادهن العارية

فأبين ذلك عليه حتى تعالى النهار وخشين أن يقصرن عن المنزل الذي يردنه

 فخرجن جميعا غير عنيزة التي ناشدته الله أن يطرح إليها ثوبها فأبى

فخرجت ابنة عمه من الغدير فنظر إليها مقبلة ومدبرة

وكلنا نعرف مرؤة العربي خصوصا إذا كانت فاطمة أبنة عم امرؤ القيس

وخبر استيلاء  امرؤ القيس على ملابسهن باطل ينكره شعره في القصيدة

ولا يؤكده أي بيت من قصائده وهذا غير معروف وليس من أخلاق العرب

لذا فاني أنكره جملة وتفصيلا

ثانياً: لم يذهب امرؤ القيس الى القسطنطينية

كانت القسطنطينية العاصمة المُقَدَّسَة الكبرى لنصارى الشرق

وفيها أكثر تراثهم وتاريخهم وقد حَوَتْ كنائسُها تماثيل أشهر رهبانهم وبَطَاركَتِهم

وموقعها بين آسيا وأوربه جعلها من أفضل المدن موقعًا حتى قال نابليون:

"لو كانتِ الدُّنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمةً لها

وذكر أنها وحدها تساوي إمبراطورية كاملة

وأنها مفتاحُ العالم منِ استولى عليها استطاع أن يسيطرَ على العالم بأجمعه

ولما قامت الدولة العثمانيةُ واتسعت رقعتها

كانت القسطنطينية في وسطها تفصل ممالكها الغربية عن ممالكها الشرقية

قصد أمرؤ القيس  الإمبراطور جوس تنيان الاول في الشام

ولم يذهب الى القسطنطينية كما نقله لنا السمار والقصاص والرواة

إنما وصل إلى الشام وقابل الإمبراطور (جوس تنيان الأول (

وأستقبله الإمبراطور  جوس تنيان الأول استقبالا حسنا

وإن لم يقدم له المساعدة المطلوبة فالنجدة التي طلبها امرؤ القيس كبيرة جدا

والجيش الرومي لم يكن مستعدا للقتال في الصحراء

ثم إن الغاية التي جاء من أجلها امرؤ القيس هي الأخذ بثأر رجل واحد

كانت بعيدة عن سياسة الروم ومألوفهم

فضلا عن أن الإمبراطورية الرومانية كانت مهددة بهجمات البربرة

ومن ثم فالإمبراطور في حاجة إلى الدفاع عن إمبراطورتيه نفسها

وهناك رواية تذهب إلى أن الإمبراطور جوس تنيان قد أكرم امرأ القيس

وأصبحت للشاعر الكندي منزلة رفيعة عنده

ونحن نقر برحلة امرؤ القيس إلى الحد الذي عولت عليه سابقاً

من خلال شعره الموثق الموجود بين ظهرا نينا

ولكننا ننكر استخفاف السمار والقصاص والرواة بعقل الإنسان

لما عملوا على تقوية روح القصص عندما أتموا رحلة امرؤ القيس إلى بلاط القيصر

مع أنه لم يصل الى القسطنطينية

إذ لم يشر المؤرخون والمدونون ولا الاخباريون الى سفر امرؤ القيس إلى القسطنطينية

ولم يثبتوا وصول امرؤ القيس إلى القسطنطينية أو شيئاً من ذلك

ولا عن كيفية وصوله إلى القسطنطينية ومقابلته قيصر الروم

إذ كيف ينقل لنا جابر بن حني التغلبي الذي نقل إلينا أخبار امرؤ القيس وشعره

ويستقيم له أن ينقل شعره صادقاً ويخفي عنا أخباره عند القيصر في القسطنطينية

إلا أننا نتوقف عند تواريخ الروم المدونة فهي تذكر وفادة أمير على القيصر يدعى قيساً

وهذا يعني أن امرؤ القيس توجه على الأغلب إلى الشام ولم يذهب الى القسطنطينية

وكان ذلك في حكم: جوس تنيان ما بين 527-565 بعد الميلاد

وإن وفاة امرؤ القيس كانت ما بين سنتي 530-540م

والصحيح أن امرؤ القيس نوى الذهاب الى القسطنطينية لكن المرض أشتد عليه

وتوفي في الشام دون أن يدرك غايته في مقابلة قيصر الروم

إلا أن بعض الرواة والقصاصين لم يرق لهم إلا إيصال امرؤ القيس إلى القيصر في انقره ليمده بالعون

ثم يتناقل الرواةُ خبرَ موت امرؤ القيس في القسطنطينية وأنَّ قبرَه في بلاد الروم

في أنقرة التي هي اليوم ضمن بلاد الأتراك

ويظهر من شعر امرؤ القيس أنه مرَّ بحوران وخملى وأوجر من بلاد الشام

ويذكر أنه لم ير ما يُسرُّ به بعد أن قطعت الحاجة أسباب اللقاء بأهله

ويجتاز تلك الأماكن إلى حماة وشيزر على إبله التي أجهدها في السير

فيقول في شعره:

تذكرت أهلي الصالحين وقد أتت *** على خَمَلى خُوص الركاب وأوجرا

فلما بدت حوران في الآل دونها *** نظرتَ فلم تنظر بعينيك منظرا

تقطَّعَ أسبابُ اللبانة والهوى *** عشية جاوزنَا حماة وشيزرا

بسير يضج العَوْد منه يَمُنُّهُ *** أخو الجهد لا يلوى على من تعذرا

أما بعد ذلك إلى عاصمة الروم القسطنطينية فلا يعرف عن ذلك شيئاً

ويمكن أن نعرض خبر يؤدي الى الحقيقة فتواريخ الروم تذكر

أن رجلاً أصيب بالجدري فمات بسببه في الشام وتنص على اسمه بأمرؤ القيس

إن توجه امرؤ القيس إلى قيصر الروم في القسطنطينية غير ثابت

إنما نرى امرؤ القيس كان مصمماً على رحلته إلى الشام ومقابلة الإمبراطور جوس تنيان

 مقيماً العذر لنفسه بقوله:

لو أراد غزو بني أسد بقبائل من حمير لفعل

وهو الذي ألجأهم إلى وادي (جو ناعط) باليمامة كما يفهم من هذه الابيات:

فدع ذا وسلِّ الهمَّ عنك بجسرةٍ *** ذمول إذا صام النهار وهجرا

عَلَيها فَتىً لَم تَحمِلِ الأَرضُ مِثلَهُ *** أَبَرَّ بِميثاقٍ وَأَوفى وَأَصبَرا

هُوَ المُنزِلُ الآلافَ مِن جَوِّ ناعِطٍ *** بَني أَسَدٍ حَزناً مِنَ الأَرضِ أَوعَرا

وَلَو شاءَ كانَ الغَزوُ مِن أَرضِ حِميَرٍ *** وَلَكِنَّهُ عَمداً إِلى الرومِ أَنفَرا

ولا بأس أن نتوقف عند تواريخ الروم المدونة فهي تذكر وفادة أمير عربي على القيصر يدعى قيساً

وهذا يعني أن امرؤ القيس توجه على الأغلب إلى الشام وكان ذلك في حكم:

جوس تنيان ما بين 527-565 بعد الميلاد

وإن وفاة امرؤ القيس كانت ما بين سنتي 530-540م

إذن الأخبار لم تشر إلى سفره إلى القسطنطينية ولا عن كيفية وصوله إلى قيصر

إلا انه يظهر من شعره أنه سلك طريق الشام ومرَّ بحوران وبعلبك وحمص وحماة وشيزر

أما بعد ذلك إلى عاصمة الروم فلا يعرف عن ذلك شيئاً

وإن كان القيصر قد حثَّ والي اليمن وحليفه ملك الحبشة

على إعانة ذلك الأمير العربي وهو ما ذكره تولوز وبركوب

وهذا أمر مقبول عقلياً ومنطقياً لأنه قريب إلى الواقع

أما أن يمده بجيش فهذا محال "فليس هناك مأرب له قيمته في نظر القيصر

يجعله يزود امرؤ القيس بجيش كالذي تصفه الروايات

لا سيما أن شوكة كندة قد ماتت

إلا اننا نرى أن الذي وصل إلى القيصر هو الأمير العربي الكندي

وابن عم الشاعر قيس بن سلمة هذا ما يؤكده المستشرق الالماني كارل بروكلمان 

أما امرؤ القيس نفسه فلم يصل إلى بيزنطة

وثبت أن امرؤ القيس أوفد ابنه معاوية قبل قدومه إليه

إن تواريخ الروم تذكر أن رجلاً أصيب بالجدري فمات بسببه

وتنص على اسمه بأمرؤ القيس

وذكر في كتاب قديم مخطوط أن ملك قسطنطينية لما بلغه وفاة امرؤ القيس

أمر أن ينحت له تمثال وينصب على ضريحه ففعلوا

وكان تمثال امرؤ القيس هناك إلى أيام المأمون

وقد شاهده الخليفة المأمون عند مروره هناك لما دخل بلاد الروم ليغزو الصائفة

ثالثاً – لم يذهب امرؤ القيس للحارث بن أبي شمر

إن نظرة متأملة إلى الرواية التي تقول:

أن السموأل كتب كتابًا إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير الغساسنة

يطلب منه ايصال امرؤ القيس الى قيصر الروم وهذا لم يحصل

بل أن امرؤ القيس ذهب مباشرة للقيصر بدون واسطة

واستقبله الامبراطور الرومي جو ستنيان الاول ورحب به فأكرمه

ونحن لا نستغرب ذهاب أمرؤ القيس إلى امبراطور الروم

ولكن نستغرب الرواية تقول أن امرؤ القيس استعان بالحارث بن أبي شمر الغساني 

وإن نظرة عجلى لهذا الخبر توضح بهتانه وتفضح كذب ناسجيه

وتعارض النصوص الصحيحة  التي نقلها لنا من كان مع امرؤ القيس

وننكر تلك الرواية للأسباب التالية:

أولاً: ذكرت الروايات والكتب التاريخية أن الحارث الغساني

قتل أحد أجداد امرؤ القيس وهو عمرو بن حجر الملقب بالمقصور

فكيف لأمرؤ القيس ان يستعين برجل قتل جده

ثانياً: إن شعر امرؤ القيس ينكره في ديوانه الذي لا يؤكده أي بيت في الديوان

ولو قرأ المرء ديوان امرؤ القيس لما وجد بيتاً واحداً يوحي برد الجميل للحارث الغساني

ألا ترى يستحق الحارث الغساني مدحاً وثناء على صنيعه

وكيف يتفق عدم ذكره وكلنا يعرف أن الشعراء شدوا الركاب إليه مادحين

ولعل أبرزهم النابغة الذبياني وعلقمة الفحل وحسان بن ثابت وغيرهم

ثالثاً: أن امرؤ القيس لم يستعن بالحارث بن أبي شمر الغساني

إنما ذهب إلى بالإمبراطور الروماني جو ستنيان الاول مباشرة

فأكرمه ونادمه واستمدّه فوعده الإمبراطور الروماني

وفي ذلك يقول امرؤ القيس

ونادمت قيصر فى ملكه *** فأوجهنى وركبت البريدا

إذا ما ازدحمنا على سكّة *** سبقت الفرانق سبقا بعيدا

رابعاً : حق لنا أن نتساءل ما الذي دعا امرؤ القيس إلى تغيير طريقه عن الحارث الغساني

وهو الوسيط له عند ملك الروم

وتذكر الرواية أنه مرَّ ببعلبك فأنكرته مثلما أنكره أهلها وابن جريج في حمص

فيقول :

لقد أنكرتني بعلبك وأهلها *** ولابن جريج في قرى حمص أنكرا

إذن لم يقصد امرؤ القيس الحارث بن أبي شمر الغساني والي بادية الشام

والصحيح أن يقال :

أن السموأل وجه امرؤً القيس إلى الحارث الغساني كي يتوسط له عند قيصر

وطلب منه إيصال امرؤ القيس إلى قيصر الروم  ثم نتوقف عند هذا

رابعاً - الحلة المسمومة

يقول السمار والقصاص والرواة أن الحلة المسمومة كانت سبباً في وفاة امرؤ القيس

وقد نسجت حول الحلة المسمومة أخبار ومرويّات كثيرة تختلط فيها الحقيقة بالخيال

وجاء في خبر الحلة المسمومة التي ادعى أصحابها أنها كانت سبباً في وفاة امرؤ القيس

 أن امرؤ القيس هوى ابنة القيصر وشبب بها بشعره فأساء ذلك الإمبراطور

فأهداه حلّة مسمومة لوشاية بلغت الامبراطور عن امرؤ القيس

وإن من وشى امرؤ القيس رجل من بني أسدٍ اسمه حبيب الطماح بن قيس

كان امرؤ القيس قتل أخاه طوى حمل الطماح حقدًا في صدره على امرؤ القيس

وصل حبيب الطماح بن قيس إلى القسطنطينية واندس إلى بلاط القيصر

وأوغر صدر قيصر الروم على امرؤ القيس

فأشار إليه أن يبعث إلى امرؤ القيس بالحلة المسمومة

فما كان من القيصر أن بعث لأمرؤ القيس بحُلَّة مسمومة بعد أن انفصل عنه ليلبسها

وما إن لبسها حتى أسرع السم في جسمه وتقرّح جلده فتساقطَ جلده وتناثر لحمه

وكانت سبباً في وفاة امرؤ القيس ولذلك سُمي ذا القروح

وإن ما يبطل هذه الكذبة ما بين أيدينا من شعره الموثق

فكيف يستقيم أن ينقل لنا رفيق دربه جابر بن حني التغلبي

الذي نقل إلينا أخبار امرؤ القيس وشعره صادقاً ويخفي عنا الحلة المسمومة

عموماً أنَّ النقاد والمؤرخين يرون أنَّ هذه القصة غير صحيحة

وأنها أخبار متهافتة عارية عن الصحة

فإن نظرة متأملة إلى هذه القصة توضح بهتانه وتفضح كذب ناسجيه

ولعلنا نتوقف عندها كثيراً للأسباب التالية:

أ- إن الذي يبطل هذه الخرافة ما بين أيدينا من شعره الموثق

الذي لم يذكر الحلة ولم يتم الإشارة اليها في شعره الموثق والمنحول

تلك الحلة المزعومة التي أدت إلى وفاته

فهل يعقل أن يذكر الجرب والجدري والقروح والحمى

التي تجعله يقظاً في ساعات الليل ولا يذكر الحلة في اشعاره حتماً هذا محال

ب- أيعقل أنَّ القيصر كان سيهدي الشاعرَ الحُلَّة وينتظر خروجه من عنده

ثم يبعثُ بها إليه وليس من داعٍ إلى أن ينتظرَ خروجه ثم يبعثُ بها إليه

ج- أيعقل أن يُنحت الامبراطور تمثال لأمرؤ القيس

وكان الامبراطور نفسه قد بعث إليه بالحلة المسمومة ليقتله ويتخلص منه

د: إن العقل لا يقبل وجود رجل مثل الطماح في بلاط الروم

 والظاهرُ بأنَّ الطماح هو من أصيبُ بداء الجدري وأعدى امرئ القيس

وفي ذلك يقرَّ امرؤ القيس: في شعره

لقد طَمَح الطماح من بُعدِ أرضه***  ليُلبسني من دائه ما تلبسا

فلو أنَّها نفسٌ تموتُ سويَّةً *** ولكنها نفسٌ تُساقِطُ أنفسا

هـ - تشير مصادر أخرى إلى أن القيصر لم يسممه أحد

إنما نتيجة للتعب الذي أنهك جسده وتفشى فيه المرض وهو في أرض الغربة

بسبب إصابته بالجدري أثناء مسيرته بالطريق فتقرح جسده كله

ونسوا أنه آل على نفسه ألا يدهن وألا يشرب خمراً أو يغتسل حتى يدرك ثأره

خامساً - قصة حب مع ابنة القيصر

نسج القصاصون لأمرؤ القيس قصة حب له مع ابنة القيصر

التي هواها وشبب بها بشعره فأساء ذلك الإمبراطور

والتي لم نجد لها ذكراً في اشعار امرؤ القيس تلك الصبية التي فتنت الشاعر

وهو الذي لا يستطيع أن يمسك لسانه عن التغزل من النساء وذكرهن بأسمائهن

تقول الرواية إن الملك الرومي استعظم فعل امرئ القيس الدخيل الذي قدم طالباً عونه ومدده

صار القيصر المتهتك فجأة شريفاً أبياً تندفع الحمية إلى رأسه حين تناهى إلى مسامعه ذلك النبأ

فبعث إليه بحلةِ مسمومة منسوجة بالذهب وقال له:

إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك

فإذا وصلت إليك فالبسها واكتب إليَّ بخبرك من منزلٍ لمنزل

فلمّا وصلت الحلة اليه اشتدَّ سرور امرؤ القيس بها ولبسها في يوم صائف

فتناثر لحمه وتفطر جسد وهذا يضعنا امام أسئلة  مهمة منها :

1- أيعقل آن ينحت الامبراطور تمثالاً لرجل أحب ابنته وطارحها الغرام

2- إن إقامة صرح فوق ضريح امرؤ القيس

يدل على احترام الامبراطور الرومي للرجل القادم إليه

إذ كان يأمل طمعاً في خطب ود حليف جديد من العرب مع الغساسنة

وإن التمثال رمز لتقدير الأمير امرؤ القيس واعتراف من قيصر الروم

بمكانة امرؤ القيس في القبائل العربية

ولو لم يكن هذا الاحترام يجمع بين الطرفين لما صنع التمثال أبداً

3- يشير الخبر بدقة إلى وفاة امرؤ القيس قبل أن يدرك القسطنطينية

فقد بلغ الامبراطور وفادة الأمير العربي ومن ثم وفاته

وهو في الطريق اليه في عام 540م

4- إن الذي يبطل هذه الكذبة ما بين أيدينا من شعر امرؤ القيس الموثق

فكيف يستقيم أن ينقل لنا شعره صادقاً ويخفي عنا أخبار قصة الحب مع ابنة القيصر

عموماً أنَّ النقاد والمؤرخين يرون أنَّ هذه القصة غير صحيحة

وأنها أخبار متهافتة عارية عن الصحة

فإن نظرة متأملة إلى هذا الخبر توضح بهتانه وتفضح كذب ناسجيه

سادساً – الطماح الأسدي

إن خبر الطماح الأسدي واسمه حبيب من الاخبار العارية عن الصحة

تقول الرواية أنه بسبب وشاية رجل من بني أسدٍ اسمه حبيب الطماح بن قيس

كان امرؤ القيس قتل أخاه طوى حمل الطماح حقدًا في صدره على امرؤ القيس

وصل حبيب الطماح بن قيس إلى القسطنطينية واندس إلى بلاط القيصر

وأوغر صدر قيصر الروم على امرئ القيس

وأشار إليه أن يبعث إلى امرؤ القيس بالحلة المسمومة

فما كان من القيصر أن بعث لأمرؤ القيس بعد أن انفصل عنه بحُلَّة مسمومة ليلبسها

فلبس الحلة بعد أن وصلته وهو في الطريق فلبسها

فأسرعَ السمُ في جسده فتساقطَ جلده وتفطَّر جسده وتناثر لحمه ولذلك سُمي ذا القروح

ولعلنا نتوقف عند هذه الرواية كثيراً للأسباب التالية ونقول:

إذا كان العقل يقبل وجود رجل في بلاط الروم مثل الطماح الأسدي

فإن معيار الحقيقة في انسجامها مع مبادئ الفكر وتطابقها مع الواقع

وإن العقل يجانب الحقيقة لو اقتنع بفكرة الحلة المسمومة

ولا أدل على ذلك شعر امرؤ القيس الموثق الذي يقر فيه بمكائد الطماح

على الرغم من البعد المكاني بين الاثنين

يقول امرؤ القيس

لقد طَمَح الطماح من بُعدِ أرضه *** ليُلبسني من دائه ما تلبسا

إن الطماح الأسدي الذي احتال له عند القيصر

ينفي مقدرة الطماح على إيذاء امرئ القيس مهما حاول لديه من حيل

وإن العقل لا يقبل وجود رجل مثل الطماح في بلاط الروم

سابعاً: إدخال امرؤ القيس الحمام مع قيصر الروم

لم ينته السخف عند السمَّار حينما أدخلوا امرؤ القيس إلى الحمام مع القيصر

لعمري كيف يدخل الملك مع امرؤ القيس الحمام عارياً ويريه عورته

وفي نفس الوقت تثور حميته عليه حينما أحب ابنته؟

لو جاء باحث ما لشعر امرئ القيس الموثق ومحصه لما وجد تعريضاً لتلك الحادثة

مع القيصر في الحمام

مرض امرؤ القيس

اشتد المرض على امرؤ القيس وحلَّ التعب بجسده وأصيب بالجدري وقيل الحمى

ترافقت الحمى مع الجدري والجرب وتبدلت صحته سقماً وبؤساً

وآلت سعادته إلى شقاء وطوى اليأس نفس امرؤ القيس وغدت ثيابه أكفاناً له

وصار يسحُّ دمعه تَهْتانِ دون أن ينبس ببنت شفة حرصاً على كرامته

وهو الذي ملأ الدنيا شعراً وقد كانت الكواعب والحسان ترعوي إليه

جاء في الخبر الموجود في الكتاب الرومي القديم أن امرؤ القيس مات بالجدري

وهذا حق لأن امرأ القيس يقرّ بمرضه الذي جعله ينتقل على قرٍّ

صنعه له جابر بن حني التغلبي

وجابر هذا من بني تغلب وكان هو وعمرو بن قميئة يحملانه

ويصف امرؤ القيس ذلك بقوله:

فَسَحّتُ دُموعي في الرِّداءِ كأنّهَا *** كُلىً من شَعِيبٍ ذاتُ سَحٍّ وَتَهْتانِ

إذا المَرْءُ لم يَخزُنْ عَلَيهِ لِسَانَهُ *** فَلَيْسَ على شَيْءٍ سِوَاهُ بخَزّانِ

فَإمّا تَرَيْني في رِحَالَةِ جَابِرٍ *** على حَرَجٍ كالقَرّ تخفِقُ أكفَاني 

لقد ضاقت ذراعه ذرعاً باللباس فلم يطقه

وقد غزت القروح جسمه ودب الخوف في أوصاله وأيقن أنه سيدرج في أكفانه

فالجدري صيّره مقروحاً فتخاله يلبس جبة منها ويهرش جلده كالمعرور

وكأنه نكب بالنقرس وبدا القرح منقوشاً في جسمه كنقش الخواتم

ويقول:
لمن طلل داثر آيُهُ***  تقادم في سالف الأحرسِ

فاما تريني بي عُرَّةٌ *** كأني نكيبٌ من النقرسِ

وصيَّرني القرح في جبَّةٍ *** تخالُ لبيساً ولم تُلبسِ

ترى أثر القرح في جلده
*** كنقش الخواتم في الجِرجسِ

ثم يصف الجدري الذي أكلَ جسده فيقول

أَلِمّا عَلى الرَبعِ القَديمِ بِعَسعَسا *** كَأَنّي أُنادي أَو أُكَلِّمُ أَخرَسا

فَلَو أَنَّ أَهلَ الدارِ فيها كَعَهدِنا *** وَجَدتُ مَقيلاً عِندَهُم وَمُعَرِّسا

فَلا تُنكِروني إِنَّني أَنا ذاكُمُ *** لَيالِيَ حَلَّ الحَيُّ غَولاً فَأَلعَسا

فَإِمّا تَريني لا أُغَمِّضُ ساعَةً *** مِنَ اللَيلِ إِلّا أَن أَكُبَّ فَأَنعَسا

تَأَوَّبَني دائي القَديمُ فَغَلَّسا *** أُحاذِرُ أَن يَرتَدَّ دائي فَأُنكَسا

فَيا رُبَّ مَكروبٍ كَرَرتُ وَراءَهُ *** وَطاعَنتُ عَنهُ الخَيلَ حَتّى تَنَفَّسا

وَيا رُبَّ يَومٍ قَد أَروحُ مُرَجَّلاً *** حَبيباً إِلى البيضِ الكَواعِبِ أَملَسا

يَرُعنَ إِلى صَوتي إِذا ما سَمِعنَهُ *** كَما تَرعَوي عيطٌ إِلى صَوتِ أَعيَسا

أَراهُنَّ لا يُحبِبنَ مَن قَلَّ مالُهُ *** وَلا مَن رَأَينَ الشَيبَ فيهِ وَقَوَّسا

ثم صرخ متألماً ومتمنياً لو نفق مرة واحدة وانتهت آلامه

وقال ابيات شَجِيّةٌ تُصوِّر حاله البؤس والمرض عنده

ويقول:

وما خفت تبريح الحياة كما أرى *** تضيق ذراعي أن أقوم فألبسا

فلو أنها نفس تموت جميعةً *** ولكنها نفس تساقط أنفسا

وَبُدِّلتُ قَرحاً دامِياً بَعدَ صِحَّةٍ *** فَيا لَكِ مِن نُعمى تَحَوَّلنَ أَبؤُسا

لَقَد طَمِحَ الطَمّاحُ مِن بُعدِ أَرضِهِ *** لِيُلبِسَني مِن دائِهِ ما تَلَبَّسا

أَلا إِنَّ بَعدَ العُدمِ لِلمَرءِ قَنوَةً *** وَبَعدَ المَشيبِ طولُ عُمرٍ وَمَلبَسا

وأثناء عودته عائداً لدياره بنجد

شعر امرؤ القيس باقتراب أجله بسبب المرض الذي أظهر في جسمه القروح

لقد أرعبت الحمى امرؤ القيس كما أرعبت المتنبي الذي أبدع في وصفها

إلا أن امرؤ القيس له السبق في طرق موضوعها

يقول المتنبي :

وَزائِرَتـي كَـأَنَّ بِهـا حَـيـاءً ***  فَلَيـسَ تَـزورُ إِلّا فـي الظَـلامِ

بَذَلتُ لَها المَطـارِفَ وَالحَشايـا *** فَعافَتهـا وَباتَـت فـي عِظامـي

يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسـي وَعَنهـا *** فَتوسِـعُـهُ بِـأَنـواعِ السِـقـامِ

إِذا مـا فارَقَتـنـي غَسَّلَتـنـي *** كَأَنّـا عاكِفـانِ عَلـى حَــرامِ

كَأَنَّ الصُبـحَ يَطرُدُهـا فَتَجـري *** مَدامِعُـهـا بِأَربَـعَـةٍ سِـجـامِ

أُراقِبُ وَقتَها مِـن غَيـرِ شَـوقٍ *** مُراقَبَـةَ المَشـوقِ المُستَـهـامِ

وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِـدقُ شَـرٌّ *** إِذا أَلقاكَ فـي الكُـرَبِ العِظـامِ

أَبِنتَ الدَهـرِ عِنـدي كُـلُّ بِنـتٍ *** فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِـنَ الزِحـامِ

وفاة امرؤ القيس

حتى وفاته جاءت غريبة ومثيرة للأقاويل حولها

 فبعدما سار إلى قيصر الروم بالقسطنطينية فالقدر أبى عليه أن يحقق رغبته وغايته

بعدما نكبه بأبيه وبأصدقائه وأخيراً بنفسه

وقد نسجت حول وفاة امرؤ القيس وأخباره مرويّات كثيرة تختلط فيها الحقيقة بالخيال

أما السبب الحقيقي في وفاة امرؤ القيس فقد رواها الأصمعي

الذي يعرض فيها وصف الحمى التي تدهم امرؤ القيس ليلاً فتؤرقه فلا يغمض له جفن

كأنه أصيب بالنقرس وهذا الداء قديم طالما عاوده سابقاً

فإذا تنفس الصبح انكب على وجهه ملازماً النوم وإذا جاء الليل تفرغ لهمومه

يقول واصفاً حاله :

أَلِمّا عَلى الرَبعِ القَديمِ بِعَسعَسا *** كَأَنّي أُنادي أَو أُكَلِّمُ أَخرَسا

فَلَو أَنَّ أَهلَ الدارِ فيها كَعَهدِنا *** وَجَدتُ مَقيلاً عِندَهُم وَمُعَرِّسا

فَلا تُنكِروني إِنَّني أَنا ذاكُمُ *** لَيالِيَ حَلَّ الحَيُّ غَولاً فَأَلعَسا

فَإِمّا تَريني لا أُغَمِّضُ ساعَةً *** مِنَ اللَيلِ إِلّا أَن أَكُبَّ فَأَنعَسا

تَأَوَّبَني دائي القَديمُ فَغَلَّسا *** أُحاذِرُ أَن يَرتَدَّ دائي فَأُنكَسا

وبُدلت قرحاً دامياً بعد صحة *** لعل منايانا تحولن أَبؤسا

إن تواريخ الروم تذكر أن رجلاً أصيب بالجدري فمات بسببه وتنص على اسمه بأمرؤ القيس

ذكر ذلك في كتاب قديم مخطوط إنَّ الإمبراطور البيزنطيّ ملك قسطنطينية

لما بلغه وفادة الأمير العربي ومن ثم وفاته وهو في الطريق اليه

أمرَ أن ينحت لأمرؤ القيس تمثال ينصب على ضريحه ففعلوا

وبقي هذا التمثال قائما على قبره

شاهده المأمون أيام خلافته عند مروره هناك لما دخل بلاد الروم ليغزو الصائفة

مات امرؤ القيس وأدرج في أكفانه

ودُفِنَ في الطريق عند عودته لأوطانه بعد أن أقام في الشام وانقطاعه الطويل عن نجد

وأغلب المؤرخون أتفقوا على أنه مات في عام 540م

وذكروا أنه مات بالجدري ولكنهم جعلوه في أثناء عودته

علم السموأل بموت امْرِؤ القيس

لما علم السموأل بموت امْرِئِ القيس

دفع السموأل ما عنده من السلاح وغيره إلى عصبته وورثته ووفَّا وأدَّى الأمانة

وضربت العربُ المثلَ بالسموألِ في الوفاءِ فيقولون:

" أوفى من السَّموأل بن عادياء".

 وقال السموأل في ذلك:

وفَيْتُ بأدْرُعِ الكِنْدِيِّ إني *** إذا ما خَانَ أقْوَام وَفِيْتُ 

وَقَالَوا: إنه كَنْزٌ رَغِيبٌ *** وَلاَ وَالله أغْدِرُ مَا مَشَيْتُ

بَنَى لِي عَادِيَا حِصْنًا حِصْينًا *** وَبِئْرًا كُلَّمَا شئْتُ اسْتَقَيْتُ

 طمرا تَزْلقُ العِقَبَانُ عَنْهُ *** إذا مَا نَابَنِي ظُلْمٌ أبيتُ 

ختاماً

انتهت حياة امرؤ القيس الشاعر العربي الشهير

الذي عُرف بشخصيته المميزة وما كان يكتنفها من أسى

شاعرٌ أُفرح القلوبَ بأقواله وأشعاره الجميلة

انقضت حياته التي عاشها في نجد ما بين غزل صريح ولعبً ولهو وطيش

ثم حياة مأساوية عاشها طالبا الثأر لمقتل ابيه عندما قتل بنو أسد والده غدرًا

لقد حال المرض بينه وبين ثأره بعدما حل التعب بجسده

وأصيب بالجدري الذي تمكن منه وصرعه ودفن هناك خارج دياره

ومات مريض في المنفى وغريبا في أرض الروم

رحل أمرؤ القيس تاركاً وراءه أرث من التألق الشعري

ونتاجا زاخرا من الأدب العربي الجاهلي الذي سبق عصره وتفرد في اتجاهه

لم يزل شعره المشبع بالعاطفة والشوق وجمال الصحراء

يتردد صداه حتى عصرنا الحاضر

إن شعر امرؤ القيس حيّر الناس واستعصى عليهم فهم مقاصده

لم يحظ شاعراً عربي بما حظي به شعر امرؤ القيس من اهتمامٍ

إلا الشاعر المتنبي في عصر الاسلام

الذي عُرف بشخصيته المميزة وما كان يكتنفها من غموض

انتهت حياة امرؤ القيس الشاعر العربيٌّ الشهيرٌ

الذي لم يعش طويلا لكن عمره كان كثير الأحزان والأحداث

ولم تكن حياة أمرؤ القيس طويلة بمقياس عدد السنين

ولكنها طويلة جداً بمقياس تراكم الاحداث وكثرة الإنتاج ونوعية الابداع

orent

ابوعبدالعزيز

مدونتي الثانية :

http://orent2.blogspot.com/

وهذه مدونتي الاولى :





.