السبت، 16 يوليو 2022

لا تحلوا الحياة بدون امرأة

 


خلق الله سبحانه وتعالى حواء لتكون إنسًا لآدم عليه السّلام 

وسكنًا له خلقها من ضلع هو ضلع آدم الأَعْوَجَ

واعتمد العلماء في ذلك على ظاهر قوله تعالى "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا"

ومع أن هذه الآية تدل على أن حواء خُلقت من آدم لكن دون تعيين الموضع

إلا أن العلماء استدلوا إن حواء مخلوقة من بعض جسم آدم

كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 

قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ 

فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ )

واسم حواء عربي مؤنث معناه الحياة

فأصبحت حواء الأنيس والمُسلّي لآدم في الجنّة وفي الحياة الدنيا

فكانا في الجنة يسكنون قصورها ويتمتعون بملذاتها ويتناولان من ثمارها

وكانت حياتهما حياة رغيدة كما وصفها الله في القرآن الكريم في قوله تعالى:

(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا)

ثم مجيء الأمر الإلهي بالأمر بالهبوط إلى الأرض واستخلاف آدم وحواء فيها

إن الرجل لا يستطيع أن يعيش بدون امرأة ولا المرأة أن تعيش دون الرجل

ولا يحلوا العيش دون مرافقة أحدهما للآخر

أن الله خلق حواء لتعين آدم وغياب المرأة عن حياة الرجل يؤثر سلبا على الحياة لا محالة

والأمر لا يقتصر على غياب الزوجة فقط بل يشمل الأخت و الأم و الابنة

إن ما يميز المرأة عن الرجل أنها مخلوق يستطيع القيام بعدة مهمات فهي تتمتع :

بمعرفة وقدرات طبيعية للقيام بالواجبات المنزلية

إضافة إلى قدرات أخرى منحها الله إياها وعلى رأسها الحمل والإنجاب

وقيل: لو تألم آدم وهو في وعيه لكره حواء عندما خلقت منه

فإن الله  سبحانه خلق حوّاء من آدم بعد أن ألقى النّعاس على آدم ونام

فلم يشعر بخروجها منه كي لا يتألّم لأنه لو شعر بالآلام لكرهها ونفر من وجودها

بعكس المرأة فهي تحب في قمة ألمها وجراحها عندما تلد وتشعر بألم المخاض والولادة الرهيب

الذي يجعلها تحب وليدها وتضحّي وتتحمل من أجله كل أصناف العذاب والآلام

ثم تنسى الآلام والتمتع بالصبر لتربية الأولاد ومرافقة مسيرة حياتهم

إن قوة المرأة تكمن في ضعفها وضعف المرأة هو مصدر قوتها

وهذه ليست معادلة رياضية صعبة لكنها في الواقع  حقيقة ماثلة أمامنا

ولا يعنى أن ضعف المرأة يكون بتهاونها في حقها أو نقص من قدرها

بل أن تفهم الرجل للمرأة أن احتواها بضعفها فزادها هذا الاحتواء  قوة  وبالتالي سادت بلطفها وحنانها

والمرأة تحتاج لمن يحتويها ويحنو عليها ويهتم بها ويرعاها

فإذا رأى الرجل حاجة المرأة اليه احتواها وجعلها تحت جناحه وحبها

لأنها تملكت قلبه بحنانها ومشاعرها اللطيفة وقربت منه

والسيادة هنا: ليست بقوة البطش انما بالكلمة الحانية والابتسامة الساحرة 

والرقة والحنان والنعومة والأنوثة وحسن التبعل لزوجها وصوتها الهادئ الحنون 

وخجلها وفي طبيعتها الإنسانية الفطرية التي خلقها الله سبحانه وتعالى عليها 

حتى أصبح هذا الضعف مصدر قوتها ومن أهم أسباب قوتها

والمرأة لديها قوة داخلية عجيبة تتمثل في :

1-     الإحساس المرهف والرحمة والهدوء ورقة الطباع وسحر الحديث وعذوبة الكلام 

                   فهي تملك الابتسامة الساحرة والانوثة الناعمة فقوة المرأة في هدوئها وإحساسها ورقة مشاعرها

2-     قوة الإرادة فهي صلبة في بناء بيتها وعدم تصدع اركانه

               وهذا سر النجاح أن تجمع بين الرقة والأنوثة والقوة والصلابة

3-     تتصرف المرأة بعاطفتها وليس بعقلها الا ترى أنها تتصرف بما تمليه عليها عاطفتها

بدون تفكير تربي اطفالها 

            وتضل ساهرة بجوارهم اذا مرضوا وتسهر بجوار زوجها اذا اشتكى ومرض

وتقف بجانبه إذا مرّ بضائقة مالية 

والمرأة في جميع امورها العاطفية تتصرف وفق عاطفتها وليس عقلها

4-     كلما ازدادت المرأة أنوثة ورقة كلما ازدادت قوة في بناء شخصيتها 

وإن تفهم الرجل لها واحتواها بضعفها مما يزيدها قوة

فالمرأة التي تتمتع بالضعف الفطري هي ما يطلق عليها (أنثى)

ما أجمل أن تعود المرأة لفطرتها التي خلقها الله عليها وميزها بعاطفتها وضعفها كأنثى

فالمرأة لم تخلق من رأس الرجل لئلا تتعالى عليه ولا من رجله لئلا يحتقرها

بل استلها من ضلعه لتكون تحت جناحه فيحميها وقريبة إلى قلبه فيحبها

وهي إرادة الله سبحانه  في القوامة في قوله تعالى :

( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...)

وجعلت القوامة للرجل على المرأة لأجل ثلاثة أشياء :

الأولى : كمال العقل والتمييز قال ابن القيم : العقل عقلان :

أ- عقل غريزي طبعي هو أبو العلم ومربيه ومثمرة

ب- عقل كسبي مستفاد وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته

فإذا اجتمعا في العبد استقام أمره واقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب 

وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

وإذا فقد أحدهما انتقص صاحبه بقدر ذلك أما إذا فقدهما فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه

الثانية : كمال الدين والطاعة في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم

ولا يوجد دين في الكون انصف المرأة مثلما انصفها الإسلام وقد يقول قائل :

تقولون ان عقل المرأة ناقص وعقل الرجل كامل فكيف انصفها ؟

نقول له:

هذا الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال :

ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للب الرجل الحازم منكن

قلن : وما ذلك يا رسول الله ؟

قال : أليس إحداكن تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم فذلك من نقصان دينها

وشهادة إحداكن على النصف من شهادة الرجل فذلك من نقصان عقلها

وقد نص الله سبحانه على ذلك بالنقص في قوله تعالى :

( أن تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى  (

الثالثة : بذله المال من الصداق والنفقة وقد نص الله على ذلك في قوله تعالى:

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)

قال ابن جرير رحمه الله: يعني بذلك جل ثناؤه

أن الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهم لله ولأنفسهم

وقوله تعالى : ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )

يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سَوقهم إليهم مهورهن

وإنفاقهم عليهن أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن

وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن وصاروا قُواماً عليهن

نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن

والقوامة هنا في قوله تعالى :

﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲ وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰلِهِمۡۚ

يقول الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله 

و﴿قَوَّامُونَ﴾ جمع صيغة مبالغة تقتضي القوامة على النساء في كل حال

ثم يتساءل فما الذي فضل الله به الرجال على النساء؟

ويجيب تقتضي بعد قوله تعالى: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

أي: زاد بعضهم على بعض والمزيد هو من الرجال والمزيد عليه النساء

بفضل القوة الظاهرة والباطنة فالقوة الظاهرة قوة البدن

ولهذا تجد الرجل بل تجد الذكر حتى من غير بني آدم تجده أقوى من الأنثى

وأكبر عضلات وأشد هذه من القوى الظاهرة

أما القوى الباطنة: فهي التحمل والصبر والذكاء والعقل وما إلى ذلك

وقوله تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾

وهذا تفضيل خارجي أي: الرجال على النساء فالرجل هو المسؤول عن الإنفاق على المرأة

والمرأة ضعيفة لا تستطيع أن تكتسب فالرجل هو المسؤول وبذله المال من الصداق والنفقة

والقوامة لها ضوابط و واجبات على الرجل للمرأة وهي من قام على الشيء وحافظ عليه

وهي من تمام النعمة علينا وملائمة ومناسبة لكل من الرجل والمرأة

إذ لكلاً منهما لديه استعدادات فطريه وصفاة جِبِلِّية

قد تسترجل المرأة إذا فرّط الرجل برجولته وقد تكابر بعض النساء 

وتدعي قدرتها العيش دون رجل لإراحة رأسها

لكن هيهات هيهات أن يحصل لهن الراحة

أما أهل الفطرة السوية تقول أحداهن عن نفسها :

عندما يستطيع الحوت العبش خارج البحر يمكنني الاستغناء عن الرجل

وتقول أخرى لا يمكنني العيش بلا رجل يؤنس وحشتي ويحن علي ويغمرني بعطفه

إذن المرأة لا تسطيع الاستغناء عن الرجل وكذلك الرجل فكلاهما يكملان بعضهما

حتى وإن برزت المرأة واستطاعت الوصول إلى أعلى المراتب 

هي في الواقع ينقصها رجل يكمل نصفها الأخر

أن الفلاح والسعادة للرجل والمرأة هي في التكوين الذي خلقا من أجله ويسعيان لتكوينه

فما أجمل الرجل الشجاع  الذي يظهر بفطرته ويتحمل مسئوليته

وما أجمل المرأة الانثى التي تحتمي بزوجها وتظهر حاجتها اليه

بارك الله في الجميع

orent

ابوعبدالعزيز


.

الاثنين، 7 فبراير 2022

لا تُنْكِري وَضَحَ المشيب

 






لا تُنْكِري وَضَحَ المشيب

  لا تَلْـومُـوهُ فَـإِنَّ اللَّوْمَ يُوجِعُـهُ *** قَدْ بَلَغَ الحُبُّ فِيهِ غَايَةَ حَدَّهْ

يَكْتُمُ الحُبَّ خَوْفَ الشَّامِتِينَ بِـهِ *** فَـأَضْفَى عَلَى وَجْهِهِ الكَرِيمِ حَيَائَهْ

قَدْ رَاعَهُ حُبٌّ مَرَّ فِي صِغَرٍ *** لَيْتَ لِي أَمْرًا يُزِيلُ ارْتِيَاعَهْ

صَحَا الحُبُّ فِيهِ طُهْرًا فِي عِفَّتِهِ *** وَفَاحَ مِنْ زَهْرِهِ العَفِيفِ شذاه

قَدْ كَانَ يَرْجُو وِصَالِي حِينَ نَصْحِـيَ لَهُ *** فَـزَادَ ظَنِّي لَدَيْهِ أَنَّ نُصْحِيَ ضِدَّهْ

***

وَقَدْ كَانَ يَرْجُو لِقَائِي فِي مَسَافَتِهِ *** فَأَبْعَدَتِ الأَيَّامُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنَاهْ

فَلَمَّا رَأَيْتُ الحُبَّ يُضْنِيهِ وَاعْتَلَى *** قُلْتُ التُّقَى دَرْبُ مَنْ تَسَامَى وَاهْتَدَاهْ

وَقُلتُ لَهُ حِينَ لَجَّ بِهِ الهَـوَى *** دَعِ الحُكْمَ لِلرَّبِّ عَلَى مَا قَضَاهْ

الأَمْرُ لِلَّهِ، مَا عَلَيْهِ نَدَمْ *** فَالفِعْلُ حُكْمُ القَضَا وَمَجْرَاهْ

  وَمَا الحُسْنُ إِلَّا وَحْيُ رَبٍّ جَلَالُـهُ *** إِذَا أَوْحَى لِلْقَلْبِ أَنْ يَتَلَقَّـاهْ

***

وَإِنِّي مَا اعْتَذَرْتُ إِلَيْكَ لَكِنْ *** خَطَّ الجَمَالُ بِقَلَمِ الرَّيْحَانِ عُذْرَهْ

فَأَطْرَقَ وَالدَّمْعُ يَسْرِي فِي مَحَاجِرِهِ *** كَمَنْ يُوَدِّعُ عُمْرَهُ وَيُوَارِي هَوَاهْ

وَقُلْتُ لَهُ صَبْرًا عَلَى مَا تَجُودُ بِهِ *** أَقْدَارُنَا، فَالحَيَاةُ لَا نَرْضَى سِوَاهْ

فَإِنْ جَفَانِيَ وَصْلُهَا وَتَنَاءَتِـي *** فَالْعُذْرُ أَنِّي لِحُبِّهَا أَخْفَيْتُ جَمْرَهْ

وَسِرْتُ عَلَى دَرْبِ الهَوَى مُتَجَرِّدًا *** أَرَى الحُبَّ نُورًا وَالرِّضَا مَرْسَاهْ (1)

***

بَكَيْتُ عَلَى وَجْهِ زَيْنِ الحُسْنِ مِلْحَتَهُ *** وَقُلْتُ لِنَفْسِي حِينَ بَعْدَاهْ

لَيْتَ ذَا القَلْبَ لَاقَى مَنْ يُعَلِّلُـهُ *** أَوْ سَاقِيًا سَقَاهُ الحُبَّ فَارْتَوَاهْ 

أوكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ كُلِّفْتُ بِحُبِّـهِ *** لَمَّا شَكَا قَلْبِي انْقِطَاعَ لُقْيَاهْ

أَوْ كُنْتُ شَجِيَّ البَالِ فِي هَوَاهُ *** وَمَا أَشْجَاهُ الحُبُّ وَابْتَلَاهْ

فَسَكَنْتُ بَعْدَ هَوَاهُ فِي صَمْتِ مُهْجَتِي *** أَرْتَاحُ لِلتِّذْكَارِ إِنْ أَتَى ذِكْرَاهْ

***

ألا أيُّها القلبُ الّذي قادَهُ الهَوَى *** لِـمَنْ وَدَّها في الحُبِّ لا ما تَمَنَّاهْ

ولا تَقْطَعَنْ وُدَّ مَنْ قَدْ وُدِدْتَ لَهُ *** فَالعُمرُ يمضي، والمُنى تُنسِنا مَغْزَاهْ (2)

وإنّ الغرامَ لِمَنْ يَصُونُ عُهُودَهُ *** نُورٌ، وإنْ أَضْناهُ، أو أَبْكاهْ

وتَبْرِيرُ عُذري في الهَوَى مُسْتَكِنٌّ *** في النَّفْسِ إنْ أَبْصَرْتِ ما أَخْفَاهْ

لا تُنكِري وَضَحَ المَشِيبِ فإنَّما *** زَهْرُ الحَياةِ يُنِيرُهُ سِنَاهْ

هذا خِياري، وما خابَ الفُؤادُ بهِ *** إنْ كانَ حُبُّكِ آخِرَ مَأْوَاهْ

***

أُفدي المُودِّعَةَ التي قَدْ خالَفَتْ *** رَغْبِي، وكانَ الفِراقُ ما أَرْتَضاهْ

حَمى الإلَهُ مَنِ اسْتَبَاحَ فُؤادِيَ الـ *** وَجْدُ، وَمِن بَعْدِهِ النَّوَى جَوَاهْ (3)

وقُلْتُ لِقَلْبِي حِينَ فَارَقْتُهُ أَلَا *** صَبْرًا، فَقَدْ غابَ مَنْ بِهِ مُناهْ

وَمَدَدْتُ كَفِّيَ وَالْوَدَاعُ يُؤَرِّقُ الـ *** ذِكْرَى، وَقَدْ حَكَمَ الفِرَاقُ قَضَاهْ

فَبَقِيتُ بَعْدَ رَحِيلِهَا مُتَسَمِّرًا *** أَبْكِي الهَوَى، لا الرَّحِيلَ إنَّمَا ذِكْرَاهْ

***

لم أَنْسَ مِنْهُ نَظْرَةً حِينَ وَدَّعْتُهُ *** كَمَنْ فَقَدَ الحُلْمَ بَعْدَ أَنْ رَجَاهْ

وَوَقَفْتُ أُتْبِعُهُ نَظْرَةً أُزَوِّدُهَا *** لِأُوَدِّعَ الرُّوحَ مِنِّي حِينَ أَنْسَاهْ

وَدَّعْتُهُ وَأَخْفَيْتُ دَمْعًا تَسَلَّلَ *** خَشْيَةَ أَنْ تَرَى الْعُيُونُ سَنَاهْ (4)

وَسِرْتُ خُطْوَةً ثُمَّ الْتَفَتُّ لِطَيْفِهِ *** فَبَادَلَنِي بَاسِمَ الْوَجْنَاتِ مِنْ مَحَيَّاهْ

وَمَضَى وَخَلَّفَ فِي الفُؤادِ جِرَاحَهُ *** لا شَيْءَ يَشْفِيهَا سِوَى ذِكْرَاهْ (5)

****

1-     مرساه: تعني الطمأنينة والاستقرار النفسي بعد اضطراب الهوى

2-     مغزاه: تُعبّر بعمق عن انشغال الإنسان بأحلامه حتى ينسى جوهر الحياة

3-     وَجْدٌ، وَمِن بَعْدِهِ النَّوَى جَوَاهْ أي: أي أن البعد سبب الجوى

4-     إن تكرار كلمة "سناه" يربط بين صور القصيدة المختلفة بخيط معنوي واحد هو النور

ففي وصف الشيب يرمز إلى نور الحكمة والوقار

وفي بريق الدمع يرمز إلى نور الصدق والعاطفة

وكأن هذا النور يلازم الشاعر في جميع حالاته وتجربته الشعورية والفكرية


orent

ابوعبدالعزيز


*********

صورة معاناة المرأة ومشكلاتها الحياتية

في هذه القصيدة أرسم بحرفي صورة لمعاناة المرأة ومشكلاتها الحياتية

حين يمرّ بها قطار العمر ويصل إلى محطة الأربعين

تلك المرحلة التي يُفترض أن تجد فيها دفءَ الزواج وسكينة الأسرة، فإذا بها تشعر بنقصٍ ومعاناةٍ داخلية

وكأنها تحمل في قلبها وجع الانتظار وثقل الأسئلة التي لا تنتهي.

إنني هنا أدقّ ناقوس الخطر

لا من باب التهويل، بل من باب التنبيه والرحمة

لعلّ هذه الكلمات تكون بلسمًا شافيًا ودواءً كافيًا يخفّف من سلبيات الزواج اليوم

ويوقظ القلوب قبل أن تستسلم للجمود، وينبّه الفتيات قبل أن يدركهن قطار الأربعين

ثم يلوح لهنّ قطار الخمسين في الأفق القريب

إن بلوغ المرأة سنّ الأربعين دون زواج يولّد لديها أزمةً نفسيةً صامتة

ويدقّ ناقوس الخطر البيولوجي الذي يذكّرها بأنّ الزمن لا ينتظر أحدًا

وأنّ القدرة على الإنجاب تبدأ بالضمور، فتشعر بأنّها تقترب من العقم، لا قدّر الله

وتجد نفسها مصنّفة تحت لافتةٍ مؤلمة: العنوسة

وتبدأ نظرات المحيطين تتغيّر، فلا تخلو من الشفقة أو التعجّب

وتصبح تلك النظرات كـ سهامٍ موجَّهة إلى قلبها، فقط لأنّ قطار الزواج قد مضى عنها

وكأنّ قيمتها مرتبطة بموعد ذلك القطار فحسب

لكنها رغم كلّ ذلك لا ينبغي أن تستسلم لليأس

فالحياة لا تتوقف عند باب الزواج، وإن مضى القطار، فـ الأمل لا يمضي

ولابدّ أن نعلم جميعًا أن تأخّر الزواج له أسبابه

منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو قَدَريّ لا دخل لأحدٍ فيه

بين نعمة الزواج وابتلاء التأخير: حكمة الله لا تغيب

إنّ الله سبحانه خلقنا من نفسٍ واحدة، فجعل منها زوجها ليسكن إليها

فالرجل والمرأة متجانسان في الأصل والمادة

وحنينُ الشيء إلى مادّته فطرةٌ أودعها الله في خلقه

والزواج من هذه الفطرة، نعمةٌ عظيمة يهبها الله لمن يشاء من عباده.

وثمرة الزواج هي الإنجاب، تلك الزينة التي وصفها الله بأنها زينة الحياة الدنيا

فيهب لمن يشاء الإناث، ويهب لمن يشاء الذكور

ويجعل من يشاء عقيماً، لحكمةٍ يعلمها وحده.

والزواج كسائر الأرزاق - رزقٌ من الله لا يملكه أحدٌ سواه

وقد يبتلي الله العبد بتأخّر هذا الرزق أو بعدم حصوله

امتحانًا لصبره، ورفعةً لدرجته عنده فإنّ المؤمن مبتلى

وإذا أحبّ الله قومًا ابتلاهم ليختبر صدق إيمانهم وثباتهم.

وكلّ أمر المؤمن له خير:

إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له

وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له

فلتصبري أيتها الكريمة واحتسبي ما كتب الله لك

فإنّ الله لا يبتلي إلا من أحبّ

ولعلّ في تأخير الزواج رحمةً خفيّة وخيرًا لا يُدرَك الآن

 

أسباب تأخّر الزواج ومظاهر العزوف عنه

وإذا كُنّا نتحدّث عن ظاهرة تأخّر الزواج

فلا بدّ أن نضع أمامها الحلول الواقعية

وأن نُحدّد بصدقٍ الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تفاقمها في مجتمعاتنا

فغالبًا ما يكون لأولياء الأمور دورٌ مباشر في هذا التأخير

حين يبالغون في الشروط، أو يجعلون من الزواج صفقة مالية بدل أن يكون ميثاقًا غليظًا

كما أن للمرأة نفسها دورًا أكبر في بعض الأحيان

عندما تُسند إليها حرية الاختيار دون وعيٍ بمقاصد الزواج الشرعي

فتضع لنفسها ولأمها شروطًا خيالية بعيدة عن الواقعية

فترى الفتاة تشترط في شريك حياتها أن يكون جميلًا، ذا جاهٍ ومالٍ ونسبٍ

وتطلب فيه المثالية التي لا توجد إلا في القصص

حتى تتحول تلك الشروط إلى عقبةٍ حقيقية تعيق زواجها لسنوات طويلة

وكم من شابٍّ رُدَّ من أبواب البيوت لهذه الأسباب

وكم من فتاةٍ كبرت في السن وعنست بسبب هذه المفاهيم المغلوطة

فبقيت حبيسة جدران بيت أبيها، تنظر إلى شبابها وهو يذبل

وتندب حظها، وتتحسّر على أيامٍ كانت فيها الأماني قريبة المنال

لقد أصبحت كلمة عانسكالجبل الجاثم على صدرها

تُثقل كاهلها وتجرح أنوثتها

في حين أن السبب الحقيقي يكمن في ثقافة الشروط والمظاهر التي حاصرتها منذ البداية

أسباب تأخّر الزواج عند الفتيات ومعالجة الإسلام لها

يُعدّ تأخّر الزواج من الظواهر الاجتماعية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة لأسبابٍ متعدّدة، من أبرزها:

غلاء المهور وتكاليف الزواج المبالغ فيها، والمبالغة في إقامة الحفلات الباذخة في القصور والفنادق

مما يرهق كاهل الشباب ويحوّل الزواج إلى مظهرٍ للتفاخر لا إلى سكنٍ ومودة

ومن الأسباب كذلك استمرار بعض العادات الاجتماعية الخاطئة، كمنع زواج البنت الصغرى قبل الكبرى

مما يورث التوتر والمشكلات داخل الأسرة

كما يُعدّ تأجيل الزواج بحجة إكمال التعليم أو تحقيق الطموحات المهنية 

سببًا آخر لتأخّر الزواج إلى ما بعد السنّ المناسبة

رغم أن الإسلام لا يمنع الطموح، لكنه يدعو إلى الموازنة بين متطلبات الحياة

ولا يُغفل أثر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ باتت بعض الفتيات يتأثرن بصورٍ مثالية مزيفة لمشهوراتٍ

يصورن الزواج على أنه حلمٌ خياليّ لا يتحقق إلا مع "فارس أحلامٍ" كامل المواصفات

مما يخلق تصوراتٍ غير واقعية تُضعف الرغبة في الزواج وتؤخّره

وقد جاءت توجيهات الإسلام واضحة في معالجة هذه الظاهرة

إذ أمر الشارع الحكيم بتيسير الزواج وتخفيف تكاليفه، فقال النبي ﷺ:

"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"

كما حثّ ﷺ على التيسير فقال:

"إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها"

ودعا إلى البساطة في الولائم، فقال ﷺ لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:

"أولِم ولو بشاة"

فالإسلام أراد الزواج سكنًا ورحمةً وتكاملًا، لا مظهراً من مظاهر التفاخر والمغالاة

وجعل التيسير فيه سبيلًا للعفاف والاستقرار وبناء المجتمع الصالح

دور الأسرة والفتاة في تأخّر الزواج

ويجب علينا، قبل أن نكتفي بالحديث عن ظاهرة تأخّر الزواج

أن نضع لها الحلول الواقعية ونتأمل في أسبابها الحقيقية

فقد يكون لأولياء الأمور دورٌ أساسيّ في هذا التأخير

غير أنّ المرأة نفسها في كثير من الأحيان يكون لها النصيب الأكبر من المسؤولية

فحين تُسند إليها شؤون الزواج واختيار الزوج دون وعيٍ بمقاصد الزواج الشرعي

تبدأ بوضع شروطٍ خيالية في شريك حياتها

تتناقلها بينها وبين أمها دون تقديرٍ لواقع الناس ولا لحقيقة الحياة الزوجية

فالفتاة اليوم قد تطلب في زوجها أن يكون وسيمًا، ذا جاهٍ ومالٍ ومنصبٍ

وتبالغ في معاييرها حتى تقترب من المثالية المستحيلة

فيغدو الزواج بالنسبة إليها مشروعًا مؤجّلًا لا يتحقق إلا في الأحلام

وهكذا تتحول تلك الشروط والمقاييس المبالغ فيها إلى عقباتٍ حقيقيةٍ

تُعيق زواجها وتؤخّره لسنواتٍ طويلة

فكم من شابٍّ رُدَّ من الأبواب لعللٍ شكلية لا جوهر لها

وكم من فتاةٍ كبرت في السن وعنست بسبب هذه المفاهيم الخاطئة

فبقيت حبيسة جدران بيت أبيها

يملأ قلبها الحزن والحسرة على عمرٍ مضى دون زوجٍ يسعدها

أو أطفالٍ يملؤون حياتها بهجةً وسرورًا

حتى أصبحت كلمة "عانس" بكل ما تحمله من قسوةٍ نفسية

كأنها جبلٌ جاثمٌ على صدرها

سببُه تلك الشروط والتصوّرات التي وضعتها هي وأهلها

فكانت أحد أهم الأسباب في تأخّر زواج كثيرٍ من الفتيات

بين بساطة الأمس ومظاهر التكلّف اليوم في الزواج

كان زواج آبائنا وأمهاتنا يتّسم بالبساطة والبركة

فكانت الغاية الأسمى طلب التوفيق من الله تعالى، والمهور ميسّرة

وحفلات الزفاف معتدلة لا إسراف فيها ولا تقتير

كان التكاتف الاجتماعي حاضرًا في كل تفاصيل الزواج

فالكلّ يشارك ويدعم، والنية خالصة لبناء بيت قائم على المودّة والتيسير

أما اليوم، فقد تغيّرت المفاهيم وتبدّلت الأولويات

فأصبحت الفتاة منشغلة باختيار قاعة الزفاف والفستان

وتقضي الساعات بين التنسيقات والمظاهر في مواقع التواصل الاجتماعي

بتكاليف باهظة يبرّرها البعض بقولهم:

"الزواج اليوم مختلف عن الماضي، فمتطلبات هذا الزمن كثيرة"

وتقول إحدى الفتيات:

"نحن نطالب بمهور مرتفعة لأن تكاليف الأعراس اليوم مرتفعة

فالأسعار في الصالونات والأسواق لم تعد كما كانت

وليلة الزواج هي ليلة العمر التي لا تتكرر

ومن الطبيعي أن أجعلها ليلة لا تُنسى مهما كانت التكاليف

ولا أقبل بزواج دون المستوى مقارنة بأقراني."

لكنّ هذا القول مردودٌ على صاحبته إذ هو تكرار أعمى لما تقوله الأخريات

وتقليدٌ لما يُنشر ويُرى

فنعيش جميعًا في حلقة مفرغة من المظاهر والمغالاة

ونغفل عن حقيقة أن البركة في البساطة، لا في البذخ والتفاخر

تأخّر الزواج ليس نهاية الحياة، بل بابٌ لحكمةٍ خفيّة

نعود إلى مسألة تأخر الزواج عند المرأة، ونقول:

على المرأة ألا تحزن ولا تلوم نفسها على أمرٍ قدّره الله لها

فقد يكون تأخر الزواج خيرًا لها من زواجٍ برجلٍ سيئ الخُلق

ولو تخيّلت المرأة مقدار المعاناة التي قد تعيشها مع مثل هذا الرجل

لآثرت العيش دون زواج على أن تُبتلى برجلٍ لا يُقدّرها ولا يحترمها

إن تأخر الزواج أو عدمه ليس نهاية المطاف

فعلى المرأة أن تُدرك حقيقةً مهمّة، وهي أنّ الحياة لا تتوقّف عند هدفٍ واحدٍ لم يتحقق

لتستمرّ في حياتها بطبيعية، دون أن تُركّز على ما فاتها

فكثرة التفكير في المفقود تُورث القلق والخوف

والانتظار الطويل يقتل الأمل شيئًا فشيئًا

ولتعلم أن الزواج ليس مفتاح السعادة

فكم من متزوجةٍ لم تجد الراحة

وكم من غير متزوجةٍ وجدت السكينة في رضاها وقربها من الله

وعليها أن تسعى إلى ملء الفراغ بالعمل، والعلم، والعبادة، والعطاء

فذلك يُخفّف من معاناتها، ويمنحها معنىً أسمى للحياة.

ولكل أختٍ فاتها قطار الزواج، أقول:

لتكن لكِ قدوة بأمّ الكرام "كريمة المروزية"

العالمة الجليلة التي خلد التاريخ اسمها بعلمها وفضلها

كانت كريمة بنت أحمد المروزية رحمها الله

عالمةً فاضلةً، عُرفت بحفظها وروايتها لصحيح البخاري

حتى صار اسمها مقرونًا به، فكانت مرجعًا لأهل العلم

يأخذ عنها كبار العلماء، ومنهم ابن حجر العسقلاني رحمه الله

جاورت المسجد الحرام، ورحلت في طلب العلم مع والدها

وحفظت وروت وعلّمت الحديث

حتى صارت المحدّثة الأولى في زمانها

ولكِ أن تتصوري جهدها وهمّتها

فقد قرأ عليها الخطيب البغدادي صحيح البخاري في خمسة أيام

وهي في خدرها من وراء حجاب، محافظةً على حيائها وعفافها

عاشت مئة عام مليئة بالعلم والعمل

ولم تتزوج، ومع ذلك بقي ذكرها خالدًا في كتب العلماء

ورُفع قدرها بما قدّمت لدين الله

فيا أيتها الكريمة
اصبري واحتسبي، فإنّ الله يختار لعبده ما هو خير له

ويعوّضه خيرًا مما فاته إن صدق وصبر.

أسأل الله أن يخفّف معاناة الفتيات اللاتي لم يتزوجن

وأن يصرف عنهنّ نظرات الشفقة أو الاستنقاص

ويجعل ما أصابهنّ رفعةً في الدنيا والآخرة

﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾

orent

ابوعبدالعزيز



.