الاثنين، 7 فبراير 2022

لا تُنْكِري وَضَحَ المشيب

 






لا تُنْكِري وَضَحَ المشيب

  لا تَلْـومُـوهُ فَـإِنَّ اللَّوْمَ يُوجِعُـهُ *** قَدْ بَلَغَ الحُبُّ فِيهِ غَايَةَ حَدَّهْ

يَكْتُمُ الحُبَّ خَوْفَ الشَّامِتِينَ بِـهِ *** فَـأَضْفَى عَلَى وَجْهِهِ الكَرِيمِ حَيَائَهْ

قَدْ رَاعَهُ حُبٌّ مَرَّ فِي صِغَرٍ *** لَيْتَ لِي أَمْرًا يُزِيلُ ارْتِيَاعَهْ

صَحَا الحُبُّ فِيهِ طُهْرًا فِي عِفَّتِهِ *** وَفَاحَ مِنْ زَهْرِهِ العَفِيفِ شذاه

قَدْ كَانَ يَرْجُو وِصَالِي حِينَ نَصْحِـيَ لَهُ *** فَـزَادَ ظَنِّي لَدَيْهِ أَنَّ نُصْحِيَ ضِدَّهْ

***

وَقَدْ كَانَ يَرْجُو لِقَائِي فِي مَسَافَتِهِ *** فَأَبْعَدَتِ الأَيَّامُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَنَاهْ

فَلَمَّا رَأَيْتُ الحُبَّ يُضْنِيهِ وَاعْتَلَى *** قُلْتُ التُّقَى دَرْبُ مَنْ تَسَامَى وَاهْتَدَاهْ

وَقُلتُ لَهُ حِينَ لَجَّ بِهِ الهَـوَى *** دَعِ الحُكْمَ لِلرَّبِّ عَلَى مَا قَضَاهْ

الأَمْرُ لِلَّهِ، مَا عَلَيْهِ نَدَمْ *** فَالفِعْلُ حُكْمُ القَضَا وَمَجْرَاهْ

  وَمَا الحُسْنُ إِلَّا وَحْيُ رَبٍّ جَلَالُـهُ *** إِذَا أَوْحَى لِلْقَلْبِ أَنْ يَتَلَقَّـاهْ

***

وَإِنِّي مَا اعْتَذَرْتُ إِلَيْكَ لَكِنْ *** خَطَّ الجَمَالُ بِقَلَمِ الرَّيْحَانِ عُذْرَهْ

فَأَطْرَقَ وَالدَّمْعُ يَسْرِي فِي مَحَاجِرِهِ *** كَمَنْ يُوَدِّعُ عُمْرَهُ وَيُوَارِي هَوَاهْ

وَقُلْتُ لَهُ صَبْرًا عَلَى مَا تَجُودُ بِهِ *** أَقْدَارُنَا، فَالحَيَاةُ لَا نَرْضَى سِوَاهْ

فَإِنْ جَفَانِيَ وَصْلُهَا وَتَنَاءَتِـي *** فَالْعُذْرُ أَنِّي لِحُبِّهَا أَخْفَيْتُ جَمْرَهْ

وَسِرْتُ عَلَى دَرْبِ الهَوَى مُتَجَرِّدًا *** أَرَى الحُبَّ نُورًا وَالرِّضَا مَرْسَاهْ (1)

***

بَكَيْتُ عَلَى وَجْهِ زَيْنِ الحُسْنِ مِلْحَتَهُ *** وَقُلْتُ لِنَفْسِي حِينَ بَعْدَاهْ

لَيْتَ ذَا القَلْبَ لَاقَى مَنْ يُعَلِّلُـهُ *** أَوْ سَاقِيًا سَقَاهُ الحُبَّ فَارْتَوَاهْ 

أوكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ كُلِّفْتُ بِحُبِّـهِ *** لَمَّا شَكَا قَلْبِي انْقِطَاعَ لُقْيَاهْ

أَوْ كُنْتُ شَجِيَّ البَالِ فِي هَوَاهُ *** وَمَا أَشْجَاهُ الحُبُّ وَابْتَلَاهْ

فَسَكَنْتُ بَعْدَ هَوَاهُ فِي صَمْتِ مُهْجَتِي *** أَرْتَاحُ لِلتِّذْكَارِ إِنْ أَتَى ذِكْرَاهْ

***

ألا أيُّها القلبُ الّذي قادَهُ الهَوَى *** لِـمَنْ وَدَّها في الحُبِّ لا ما تَمَنَّاهْ

ولا تَقْطَعَنْ وُدَّ مَنْ قَدْ وُدِدْتَ لَهُ *** فَالعُمرُ يمضي، والمُنى تُنسِنا مَغْزَاهْ (2)

وإنّ الغرامَ لِمَنْ يَصُونُ عُهُودَهُ *** نُورٌ، وإنْ أَضْناهُ، أو أَبْكاهْ

وتَبْرِيرُ عُذري في الهَوَى مُسْتَكِنٌّ *** في النَّفْسِ إنْ أَبْصَرْتِ ما أَخْفَاهْ

لا تُنكِري وَضَحَ المَشِيبِ فإنَّما *** زَهْرُ الحَياةِ يُنِيرُهُ سِنَاهْ

هذا خِياري، وما خابَ الفُؤادُ بهِ *** إنْ كانَ حُبُّكِ آخِرَ مَأْوَاهْ

***

أُفدي المُودِّعَةَ التي قَدْ خالَفَتْ *** رَغْبِي، وكانَ الفِراقُ ما أَرْتَضاهْ

حَمى الإلَهُ مَنِ اسْتَبَاحَ فُؤادِيَ الـ *** وَجْدُ، وَمِن بَعْدِهِ النَّوَى جَوَاهْ (3)

وقُلْتُ لِقَلْبِي حِينَ فَارَقْتُهُ أَلَا *** صَبْرًا، فَقَدْ غابَ مَنْ بِهِ مُناهْ

وَمَدَدْتُ كَفِّيَ وَالْوَدَاعُ يُؤَرِّقُ الـ *** ذِكْرَى، وَقَدْ حَكَمَ الفِرَاقُ قَضَاهْ

فَبَقِيتُ بَعْدَ رَحِيلِهَا مُتَسَمِّرًا *** أَبْكِي الهَوَى، لا الرَّحِيلَ إنَّمَا ذِكْرَاهْ

***

لم أَنْسَ مِنْهُ نَظْرَةً حِينَ وَدَّعْتُهُ *** كَمَنْ فَقَدَ الحُلْمَ بَعْدَ أَنْ رَجَاهْ

وَوَقَفْتُ أُتْبِعُهُ نَظْرَةً أُزَوِّدُهَا *** لِأُوَدِّعَ الرُّوحَ مِنِّي حِينَ أَنْسَاهْ

وَدَّعْتُهُ وَأَخْفَيْتُ دَمْعًا تَسَلَّلَ *** خَشْيَةَ أَنْ تَرَى الْعُيُونُ سَنَاهْ (4)

وَسِرْتُ خُطْوَةً ثُمَّ الْتَفَتُّ لِطَيْفِهِ *** فَبَادَلَنِي بَاسِمَ الْوَجْنَاتِ مِنْ مَحَيَّاهْ

وَمَضَى وَخَلَّفَ فِي الفُؤادِ جِرَاحَهُ *** لا شَيْءَ يَشْفِيهَا سِوَى ذِكْرَاهْ (5)

****

1-     مرساه: تعني الطمأنينة والاستقرار النفسي بعد اضطراب الهوى

2-     مغزاه: تُعبّر بعمق عن انشغال الإنسان بأحلامه حتى ينسى جوهر الحياة

3-     وَجْدٌ، وَمِن بَعْدِهِ النَّوَى جَوَاهْ أي: أي أن البعد سبب الجوى

4-     إن تكرار كلمة "سناه" يربط بين صور القصيدة المختلفة بخيط معنوي واحد هو النور

ففي وصف الشيب يرمز إلى نور الحكمة والوقار

وفي بريق الدمع يرمز إلى نور الصدق والعاطفة

وكأن هذا النور يلازم الشاعر في جميع حالاته وتجربته الشعورية والفكرية


orent

ابوعبدالعزيز


*********

صورة معاناة المرأة ومشكلاتها الحياتية

في هذه القصيدة أرسم بحرفي صورة لمعاناة المرأة ومشكلاتها الحياتية

حين يمرّ بها قطار العمر ويصل إلى محطة الأربعين

تلك المرحلة التي يُفترض أن تجد فيها دفءَ الزواج وسكينة الأسرة، فإذا بها تشعر بنقصٍ ومعاناةٍ داخلية

وكأنها تحمل في قلبها وجع الانتظار وثقل الأسئلة التي لا تنتهي.

إنني هنا أدقّ ناقوس الخطر

لا من باب التهويل، بل من باب التنبيه والرحمة

لعلّ هذه الكلمات تكون بلسمًا شافيًا ودواءً كافيًا يخفّف من سلبيات الزواج اليوم

ويوقظ القلوب قبل أن تستسلم للجمود، وينبّه الفتيات قبل أن يدركهن قطار الأربعين

ثم يلوح لهنّ قطار الخمسين في الأفق القريب

إن بلوغ المرأة سنّ الأربعين دون زواج يولّد لديها أزمةً نفسيةً صامتة

ويدقّ ناقوس الخطر البيولوجي الذي يذكّرها بأنّ الزمن لا ينتظر أحدًا

وأنّ القدرة على الإنجاب تبدأ بالضمور، فتشعر بأنّها تقترب من العقم، لا قدّر الله

وتجد نفسها مصنّفة تحت لافتةٍ مؤلمة: العنوسة

وتبدأ نظرات المحيطين تتغيّر، فلا تخلو من الشفقة أو التعجّب

وتصبح تلك النظرات كـ سهامٍ موجَّهة إلى قلبها، فقط لأنّ قطار الزواج قد مضى عنها

وكأنّ قيمتها مرتبطة بموعد ذلك القطار فحسب

لكنها رغم كلّ ذلك لا ينبغي أن تستسلم لليأس

فالحياة لا تتوقف عند باب الزواج، وإن مضى القطار، فـ الأمل لا يمضي

ولابدّ أن نعلم جميعًا أن تأخّر الزواج له أسبابه

منها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو قَدَريّ لا دخل لأحدٍ فيه

بين نعمة الزواج وابتلاء التأخير: حكمة الله لا تغيب

إنّ الله سبحانه خلقنا من نفسٍ واحدة، فجعل منها زوجها ليسكن إليها

فالرجل والمرأة متجانسان في الأصل والمادة

وحنينُ الشيء إلى مادّته فطرةٌ أودعها الله في خلقه

والزواج من هذه الفطرة، نعمةٌ عظيمة يهبها الله لمن يشاء من عباده.

وثمرة الزواج هي الإنجاب، تلك الزينة التي وصفها الله بأنها زينة الحياة الدنيا

فيهب لمن يشاء الإناث، ويهب لمن يشاء الذكور

ويجعل من يشاء عقيماً، لحكمةٍ يعلمها وحده.

والزواج كسائر الأرزاق - رزقٌ من الله لا يملكه أحدٌ سواه

وقد يبتلي الله العبد بتأخّر هذا الرزق أو بعدم حصوله

امتحانًا لصبره، ورفعةً لدرجته عنده فإنّ المؤمن مبتلى

وإذا أحبّ الله قومًا ابتلاهم ليختبر صدق إيمانهم وثباتهم.

وكلّ أمر المؤمن له خير:

إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرًا له

وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرًا له

فلتصبري أيتها الكريمة واحتسبي ما كتب الله لك

فإنّ الله لا يبتلي إلا من أحبّ

ولعلّ في تأخير الزواج رحمةً خفيّة وخيرًا لا يُدرَك الآن

 

أسباب تأخّر الزواج ومظاهر العزوف عنه

وإذا كُنّا نتحدّث عن ظاهرة تأخّر الزواج

فلا بدّ أن نضع أمامها الحلول الواقعية

وأن نُحدّد بصدقٍ الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تفاقمها في مجتمعاتنا

فغالبًا ما يكون لأولياء الأمور دورٌ مباشر في هذا التأخير

حين يبالغون في الشروط، أو يجعلون من الزواج صفقة مالية بدل أن يكون ميثاقًا غليظًا

كما أن للمرأة نفسها دورًا أكبر في بعض الأحيان

عندما تُسند إليها حرية الاختيار دون وعيٍ بمقاصد الزواج الشرعي

فتضع لنفسها ولأمها شروطًا خيالية بعيدة عن الواقعية

فترى الفتاة تشترط في شريك حياتها أن يكون جميلًا، ذا جاهٍ ومالٍ ونسبٍ

وتطلب فيه المثالية التي لا توجد إلا في القصص

حتى تتحول تلك الشروط إلى عقبةٍ حقيقية تعيق زواجها لسنوات طويلة

وكم من شابٍّ رُدَّ من أبواب البيوت لهذه الأسباب

وكم من فتاةٍ كبرت في السن وعنست بسبب هذه المفاهيم المغلوطة

فبقيت حبيسة جدران بيت أبيها، تنظر إلى شبابها وهو يذبل

وتندب حظها، وتتحسّر على أيامٍ كانت فيها الأماني قريبة المنال

لقد أصبحت كلمة عانسكالجبل الجاثم على صدرها

تُثقل كاهلها وتجرح أنوثتها

في حين أن السبب الحقيقي يكمن في ثقافة الشروط والمظاهر التي حاصرتها منذ البداية

أسباب تأخّر الزواج عند الفتيات ومعالجة الإسلام لها

يُعدّ تأخّر الزواج من الظواهر الاجتماعية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة لأسبابٍ متعدّدة، من أبرزها:

غلاء المهور وتكاليف الزواج المبالغ فيها، والمبالغة في إقامة الحفلات الباذخة في القصور والفنادق

مما يرهق كاهل الشباب ويحوّل الزواج إلى مظهرٍ للتفاخر لا إلى سكنٍ ومودة

ومن الأسباب كذلك استمرار بعض العادات الاجتماعية الخاطئة، كمنع زواج البنت الصغرى قبل الكبرى

مما يورث التوتر والمشكلات داخل الأسرة

كما يُعدّ تأجيل الزواج بحجة إكمال التعليم أو تحقيق الطموحات المهنية 

سببًا آخر لتأخّر الزواج إلى ما بعد السنّ المناسبة

رغم أن الإسلام لا يمنع الطموح، لكنه يدعو إلى الموازنة بين متطلبات الحياة

ولا يُغفل أثر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ باتت بعض الفتيات يتأثرن بصورٍ مثالية مزيفة لمشهوراتٍ

يصورن الزواج على أنه حلمٌ خياليّ لا يتحقق إلا مع "فارس أحلامٍ" كامل المواصفات

مما يخلق تصوراتٍ غير واقعية تُضعف الرغبة في الزواج وتؤخّره

وقد جاءت توجيهات الإسلام واضحة في معالجة هذه الظاهرة

إذ أمر الشارع الحكيم بتيسير الزواج وتخفيف تكاليفه، فقال النبي ﷺ:

"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"

كما حثّ ﷺ على التيسير فقال:

"إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها"

ودعا إلى البساطة في الولائم، فقال ﷺ لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:

"أولِم ولو بشاة"

فالإسلام أراد الزواج سكنًا ورحمةً وتكاملًا، لا مظهراً من مظاهر التفاخر والمغالاة

وجعل التيسير فيه سبيلًا للعفاف والاستقرار وبناء المجتمع الصالح

دور الأسرة والفتاة في تأخّر الزواج

ويجب علينا، قبل أن نكتفي بالحديث عن ظاهرة تأخّر الزواج

أن نضع لها الحلول الواقعية ونتأمل في أسبابها الحقيقية

فقد يكون لأولياء الأمور دورٌ أساسيّ في هذا التأخير

غير أنّ المرأة نفسها في كثير من الأحيان يكون لها النصيب الأكبر من المسؤولية

فحين تُسند إليها شؤون الزواج واختيار الزوج دون وعيٍ بمقاصد الزواج الشرعي

تبدأ بوضع شروطٍ خيالية في شريك حياتها

تتناقلها بينها وبين أمها دون تقديرٍ لواقع الناس ولا لحقيقة الحياة الزوجية

فالفتاة اليوم قد تطلب في زوجها أن يكون وسيمًا، ذا جاهٍ ومالٍ ومنصبٍ

وتبالغ في معاييرها حتى تقترب من المثالية المستحيلة

فيغدو الزواج بالنسبة إليها مشروعًا مؤجّلًا لا يتحقق إلا في الأحلام

وهكذا تتحول تلك الشروط والمقاييس المبالغ فيها إلى عقباتٍ حقيقيةٍ

تُعيق زواجها وتؤخّره لسنواتٍ طويلة

فكم من شابٍّ رُدَّ من الأبواب لعللٍ شكلية لا جوهر لها

وكم من فتاةٍ كبرت في السن وعنست بسبب هذه المفاهيم الخاطئة

فبقيت حبيسة جدران بيت أبيها

يملأ قلبها الحزن والحسرة على عمرٍ مضى دون زوجٍ يسعدها

أو أطفالٍ يملؤون حياتها بهجةً وسرورًا

حتى أصبحت كلمة "عانس" بكل ما تحمله من قسوةٍ نفسية

كأنها جبلٌ جاثمٌ على صدرها

سببُه تلك الشروط والتصوّرات التي وضعتها هي وأهلها

فكانت أحد أهم الأسباب في تأخّر زواج كثيرٍ من الفتيات

بين بساطة الأمس ومظاهر التكلّف اليوم في الزواج

كان زواج آبائنا وأمهاتنا يتّسم بالبساطة والبركة

فكانت الغاية الأسمى طلب التوفيق من الله تعالى، والمهور ميسّرة

وحفلات الزفاف معتدلة لا إسراف فيها ولا تقتير

كان التكاتف الاجتماعي حاضرًا في كل تفاصيل الزواج

فالكلّ يشارك ويدعم، والنية خالصة لبناء بيت قائم على المودّة والتيسير

أما اليوم، فقد تغيّرت المفاهيم وتبدّلت الأولويات

فأصبحت الفتاة منشغلة باختيار قاعة الزفاف والفستان

وتقضي الساعات بين التنسيقات والمظاهر في مواقع التواصل الاجتماعي

بتكاليف باهظة يبرّرها البعض بقولهم:

"الزواج اليوم مختلف عن الماضي، فمتطلبات هذا الزمن كثيرة"

وتقول إحدى الفتيات:

"نحن نطالب بمهور مرتفعة لأن تكاليف الأعراس اليوم مرتفعة

فالأسعار في الصالونات والأسواق لم تعد كما كانت

وليلة الزواج هي ليلة العمر التي لا تتكرر

ومن الطبيعي أن أجعلها ليلة لا تُنسى مهما كانت التكاليف

ولا أقبل بزواج دون المستوى مقارنة بأقراني."

لكنّ هذا القول مردودٌ على صاحبته إذ هو تكرار أعمى لما تقوله الأخريات

وتقليدٌ لما يُنشر ويُرى

فنعيش جميعًا في حلقة مفرغة من المظاهر والمغالاة

ونغفل عن حقيقة أن البركة في البساطة، لا في البذخ والتفاخر

تأخّر الزواج ليس نهاية الحياة، بل بابٌ لحكمةٍ خفيّة

نعود إلى مسألة تأخر الزواج عند المرأة، ونقول:

على المرأة ألا تحزن ولا تلوم نفسها على أمرٍ قدّره الله لها

فقد يكون تأخر الزواج خيرًا لها من زواجٍ برجلٍ سيئ الخُلق

ولو تخيّلت المرأة مقدار المعاناة التي قد تعيشها مع مثل هذا الرجل

لآثرت العيش دون زواج على أن تُبتلى برجلٍ لا يُقدّرها ولا يحترمها

إن تأخر الزواج أو عدمه ليس نهاية المطاف

فعلى المرأة أن تُدرك حقيقةً مهمّة، وهي أنّ الحياة لا تتوقّف عند هدفٍ واحدٍ لم يتحقق

لتستمرّ في حياتها بطبيعية، دون أن تُركّز على ما فاتها

فكثرة التفكير في المفقود تُورث القلق والخوف

والانتظار الطويل يقتل الأمل شيئًا فشيئًا

ولتعلم أن الزواج ليس مفتاح السعادة

فكم من متزوجةٍ لم تجد الراحة

وكم من غير متزوجةٍ وجدت السكينة في رضاها وقربها من الله

وعليها أن تسعى إلى ملء الفراغ بالعمل، والعلم، والعبادة، والعطاء

فذلك يُخفّف من معاناتها، ويمنحها معنىً أسمى للحياة.

ولكل أختٍ فاتها قطار الزواج، أقول:

لتكن لكِ قدوة بأمّ الكرام "كريمة المروزية"

العالمة الجليلة التي خلد التاريخ اسمها بعلمها وفضلها

كانت كريمة بنت أحمد المروزية رحمها الله

عالمةً فاضلةً، عُرفت بحفظها وروايتها لصحيح البخاري

حتى صار اسمها مقرونًا به، فكانت مرجعًا لأهل العلم

يأخذ عنها كبار العلماء، ومنهم ابن حجر العسقلاني رحمه الله

جاورت المسجد الحرام، ورحلت في طلب العلم مع والدها

وحفظت وروت وعلّمت الحديث

حتى صارت المحدّثة الأولى في زمانها

ولكِ أن تتصوري جهدها وهمّتها

فقد قرأ عليها الخطيب البغدادي صحيح البخاري في خمسة أيام

وهي في خدرها من وراء حجاب، محافظةً على حيائها وعفافها

عاشت مئة عام مليئة بالعلم والعمل

ولم تتزوج، ومع ذلك بقي ذكرها خالدًا في كتب العلماء

ورُفع قدرها بما قدّمت لدين الله

فيا أيتها الكريمة
اصبري واحتسبي، فإنّ الله يختار لعبده ما هو خير له

ويعوّضه خيرًا مما فاته إن صدق وصبر.

أسأل الله أن يخفّف معاناة الفتيات اللاتي لم يتزوجن

وأن يصرف عنهنّ نظرات الشفقة أو الاستنقاص

ويجعل ما أصابهنّ رفعةً في الدنيا والآخرة

﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾

orent

ابوعبدالعزيز



.

الأربعاء، 2 فبراير 2022

الارتحال

 


الارتحال

في طريق الارْتِحَال(1) ما لظلي(2)*** شُعاعٌ ولا لشمسي ظِلَال

ما نحن في الدنيا إلا ضيوف *** وعَلَى الأضَّيْافِ الحل والتَرْحَال

ونصحي نصح إجلال ومودة *** وضرر النصح أن يكون جدال

والوعــظ  لا يخفـى مناهجـه *** هو أغْلَـى ما دل عليه الرجــال

أذكـرُك بالمَنُون فاتّـعظ *** فإن ألأجـل قـَدْ دَنَا وقرب الاِنْتِقَــال

وتصاريف الزمان خير واعظ *** كل يوم ماضً يدني من الآجال

***

تـحرّ ربحاً وتخـل عن بخـل *** وأي نعيـم قيّد بالبخـل أقفـال

لا البخل في مالِ الشحيح يزيد *** ولا جود الكريم يفني المال

ما يغني الثراءُ إذا حَشْرَجَتْ *** الرُوحُ كالإِبل سَمِنَت بعد هُزال

أشد الناس ظلما لنفسه رغم *** حاجته بخيل ممسك يخش إقلال

تَمَلُّكـوا أمـوال لم ينعموا بها *** فمـا جـمعوا من مال قـد سـال

***

يامن يعز المال وله محب *** ليس زود المال فيه كَمَال

إنما المال زينة وتفاخر *** وغنم قدمته للوارثين أنفال

يكسب أهله حب ومهابة *** والبخيل لا يسوده كثرة المال

وإن غادره كان عليه حسرة *** وله الشقاء الدائب المتوال

ليس الرِّبْـــحُ  جــمع مــالٍ *** أنما الرِّبْحُ جِنــان  تُنــال

***

لا تحفل بالمال للوارث تجمعه *** فليس مالك الا يوم منه تنال

المــال عارِيَّةُ على أصحابه *** والعيش أطوار والعمر رحــال

يفـك به العانـي ويؤكـل طيبـا ***  وتنـال به الحســنات الثقـال

إنما المـال غـاد ورائح ويبقى *** الربـح في جَزِيل الاعمــال

دع ما يقال ولا تكترث به *** غداً تموت والنجاة هي النوال

***

 نظـــرت للدنيا بعَيْنِ بَصِـيرَة *** عيشها نكد وهنأها كَــلاَل

يغطي السخاء كل نقصان *** وكم نقص غَطَّاهُ كرم الرجال

والنفس مائلة إلى شهواتها *** وإن ترد إلى قليل تزيد إقلال

غلّت يد كل شــحيح ممسـك *** إما بأغـلال بخل أو بإقـلال

فأشرب الماء عذب ولا تكن *** كمن غص بماء بارد زلال

***

 اكســبتني المُرُوءَةُ كـل عَـزٍ *** صَيَّرَتُها لنفســي رأس مـــال

 نَفْسِي عَلَيَّ عَزِيزَة لا ارخصها *** أتَتَبَّعُها بِالْغُدُوِّ وَالْآصَــالِ

تركت شـــهوة وعصيت هوى***وما تَسَـلَّطَ علي حب مـــال

لَبِسْتُ ثَوَّب التقى خوفَ شُبهةِ *** حرام لذيذهُ وأكلتُ الحلال

وكَفَفْتُ يدي عن الشـــر *** وما عهدت نفســي بســوء الفِعْـال

***

لا يدرك المجد ويبلغه إلا سيد *** فلا شرف ولا بذل إلا بفعال

والبخيل لا فخر له ولا مجد *** هو عنه في غفلة واشتغال

والادب مِرْآةٌ لفكر صاحبه *** والمُرُوءَةُ من صفات الكمال

سل الله عقلا نافعا واستعذ من *** الجهل تستوفي به كل الفِضَال

للعقل سلطان على صاحبه *** فصوَّرَهُ للناس أَنَّى شئت أن يقال

orent

ابوعبدالعزيز

    1- الارْتِحَالُ : أي الانْتِقَالُ

2-  الظلُّ : قد يكنى به عن ذات الشّيء مثل ظلُّ شجرةٍ - ظلُّ حائطٍ - المرأة ظلّ الرّجل


في طريق الارْتِحَال ما لظلي ***  شُعاعٌ ولا لشمسي ظِلَال

الارتحال : هو الوجه المقابل للاستقرار والإقامة فالعرب يحلون ويرتحلون

وإن انتقالهم فردي أو جماعات من مكان إلى مكان لأسباب متعددة

وباعثهم على السفر لا يخلوا من هرب أو طلب

والانسان لا يسافر إلا في غرض والغرض هو المحرك لذلك الارتحال

فالارْتِحَال : في هذه الحياة التي نعيشها له خمس مراحل هي:

مرحلة أولى -  تسبقها مرحلتان - تتلوها مرحلتان

فأول المراحل: مرحلة عالم الأرواح

والثانية : ساعة التقاء ماء الرجل مع ماء المرأة وحصول الإخصاب

المرحلة الثالثة المرحلة التي يعيش الانسان فيها منذ ولادته الى الممات

المرحلة الرابعة قبل قيام الساعة في القبر وتسمى حياة البرزخ

المرحلة الخامسة : المقر الابدي إما الى جنة وإما الى نار

 

 أما الظلُّ والشُعاعٌ في البيت

يقول أبن منظور: الظّلُ إنما هو ضوء شُعاعٌ الشمس دون شعاع

فاذا لم يكن له ضوء فهو ظلمة وليس بظل ولذلك سمي الليل ظلا

والشُّعاعُ ضَوْءُ الشمس الذي تراه عند ذُرُورِها كأنه الحبال أو القضبان مقبلة عليك إذا نظرت إليها، وقيل: هو الذي تراه ممتدا كالرماح بعيد الطلوع

وقيل: الشعاع انتشار ضوئها

يقول الشاعر :

فجاءَتْ بها كالشّمْسِ يحْكي شُعاعُها *** شُعاعَ الثّرَيّ في زُجاجٍ لها حُسْنـا

أما الظلال‏ جمع ظلة وهي التي تحجب من الشمس

ويقال ظِلالُ البَحْرِ أي أَمْواجُهُ ولذلك سمي الليل ظلا

وفرق ما بين بَيْنَ الظِّلِّ والفَيْءِ

ولا يُحسِنُ تَوظيفهما كثير من النّاطقين بالضّاد

إما جهلا منهم بدلالتهما اللّغويّة أوغفلةً عن دَرْك أصل وَضْعِهما

فالظِّلُّ : يكونُ من الغَداةِ إلى الزّوالِ

والفيءُ : هو الرّجوع قال تعالى :

﴿ ... فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 


يا عبدالله إنما الليل والنهار مطيتان فاركبوهما بلاغاً إلى الآخرة

واصل المسير دون توقف حتى تصل الى الهدف المقصود وهو الجنة

والحياة قصيرة لا طعم لها إلا بالأيمان

لكن قسوتها والمصائب تجعلها طويلة

وهي قطار سريع من اجتازه في طاعة الله سعد وسهل عليه ما هو مقبل عليه

لان ما هو مقبل ليس بوهم إنما هي حقيقة إما جنة أو نار

والإيمان هو الحياة فلا يسعد النفس ويزكيها ويطهرها ويفرحها

ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله

والمقصود بالارتحال في هذه القصيدة

هي الرحلة من الحياة الدنيا الى الاخرة

في هذه الرحلة الدنيوية نحن نعبر طريق المهلة

ولا نزال على المسير سائرون

لأننا أحياء يوشك أن نصل إلى منازلنا

إن هذه الرحلة التي في جوهرها أنها حركة

وهذه الحركة ذات هدف لا بد أن يتحقق

وهدف المؤمن دخول الجنة


إن هذه الرحلة الخالدة قصيرة ولا يمكن الرجوع إليها بعد تركها 

وهي الرحلة الأخيرة الى دار الاخرة

وما هي إلا نقلة يتعداها الانسان الى حياة النعيم

وهي بداية سعادة المؤمن بانتقاله من الدار الدنيا إلى الدار الاخرة

دار العمار ودار الخلود ثم حياة لانهاية لها

فما الموت إلا فاصل بين الحياة الدنيا والحياة الاخرة

ونقلة يتعداها الانسان إلى حياة النعيم الذي لا ينقطع

والمغبون من يستيقظ عند مفاجأة الموت وقد باع آخرته بدنياه

ويقول عندما يدركه الموت

﴿.. رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ..﴾

هي مقولة الكافر في لهفة أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحًا

ويأتيه الجواب

﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾

إنها الحقيقة التي لا ينجو منها مخلوق وسيذوقها كل حي

 الكل سيذوق كأس الموت والجميع سيموت والكل سيرحل يومًا ما ويفارق هذه الدنيا

ومن تذكر الموت صغرت الدنيا في عينيه وكبرت فيها الاخرة

ولم يركن إلى لذائذه وأفراحه فهي إلى زوال وهوعن قريب إلى ارتحال

كم نحن غافلون عن هذه الرحلة وكم قطعنا منها

وكم بقي لنا للاقتراب والاستيطان والوصول الى مصيرنا المحتوم

لقد ذهب الكثير من الايام وما أسيقضنا من نيامنا

حرصنا على بقاء دنيانا فما بقيت لنا

اللهم يا ذا الحبل الشديد والامر الرشيد نسألك الامن يوم الوعيد

orent

ابوعبدالعزيز