الاثنين، 6 مايو 2024

صفي الاصفياء والاتقياء



صفي الاصفياء والاتقياء 

وَفِي مُوسَى اصْطَفَاهُ ذو العُلا *** مُنَزَّلَةً مَا نَالَهَا أَحَدَا

إلّا رسولَ اللهِ خيرَ الورى *** محمودَ في التوراةِ قد وُجِدا

وفي الزبور الماحي أحيدا *** وفي الإنجيلِ أحمدُ سيِّدا 

وفي القرآن أوحى الله ذكراً *** مبيناً مرسلاً في محمدا (1)

ما رَأَت العيون مِثلَهُ ظُنَّ *** موسى أنْ لا يُرْفَعَ عَلَيَّه أحَدٌا

✦✦✦

اصطفى اللهُ موسى وارتضى *** وخصَّه بالوحي إذْ قد هُدِى

كلَّمَهُ ربٌّ عظيمُ المنزلا *** فازَ الكليمُ فضلاً ومجدا 

صَفِيُّ ربِّ العرشِ بين الأنبيا *** نورُ الهُدى قد لاحَ في مُرْتَقى 

شقَّ البحارَ بعصاهُ آيةً *** فانفلقَ الموجُ وانجلى مُبدَدا

في الأرضِ والسماءِ ذِكرُه *** سرمَـدُ مجدٍ خالداً سرمَدا

✦✦✦

تدارسوا عن خليلٍ مُرشِدا *** على يديه انكسارُ جاحدا

ذَبَحَ كلَّ ناشئٍ مُولَدا *** خوفًا من الموعودِ أن يتجدَّدا

أوحى الإلهُ لأمٍّ فاهتَدى *** أن ألقِهِ باليمِّ وامضِ مُسعِدا

جاء التابوتُ على الماءِ غدا *** عند شطوطِ القصرِ يبدو مُرسَلا

فرعونُ لم يدرِ أنَّ الموعدا *** في حجره قد غدا مُمهَّدا

✦✦✦

التقطه جندُ فرعونَ ليكونَ *** لآلِ فرعونَ وهامانَ العِدا

ربّاهُ فرعونُ في قصرِهِ *** وعنايةُ اللهِ صارت له سَدّا

نشأ الفتى طاهراً مؤيَّداً *** والحقُّ بالوحيِ قد زادَهُ هُدى

أخفى الإلهُ سرَّهُ عن عِدا *** حتى أتت ساعةٌ تُفصحُ الرَّدى

ليُظهرَ اللهُ دينَهُ عالياً *** ويهزمَ البغيَ مَن ناوأهُ أبدا

✦✦✦

فرَّ تلقاءَ مَدْيَنَ من بطشِ *** طاغيةٍ فأضاءت له الآفاقُ مَجدا

تمادى فرعونُ وأبانَ *** عن جُندِيّةٍ جَبَرِيّةٍ تحملُ الحِقدا

بمدينَ لاقى كريماً أعانهُ *** فسَقى ورَحّبتِ الديارُ به وُدّا

تجلّى لطفُ ربٍّ حافظٍ *** يَهَبُ العبدَ أُنساً إن غدا مُبعدا

وفي الغُربةِ يهيئُ مولاهُ أمراً *** ليَعودَ نبيّاً يَدكُّ الظلمَ دكّا

✦✦✦

ناجى الإلهَ بقلبِه متخشِّعاً *** فسمَا الدعاءُ، وشَرَّفَ السُّجدا

نَصَبَ له البحرُ فخّاً سيُغرِقُ *** الجيشَ في لُجّةِ اليمِّ غَدرا

أصبحَ الطريقُ يَبَساً لا طينَ فيهِ *** والماءُ السيّالُ كالجبالِ جَليدا

وسار موسى وقومُه في أمانٍ *** إذ جُندُ فرعونَ في خطاهم تَبَعْدا

فلمّا توسّطوا البحرَ اندكّ موجٌ *** يَطوي الأعادي ويَستبيحُ الجُندا

نجّى الإلهُ حبيبَهُ من كيدِهم *** ليُصبحَ الحقُّ بالآياتِ رشدا

✦✦✦

نجّى اللهُ ذلكَ اليومَ موسى *** واتّخذَ اليهودُ يومَ النجاةِ عيدَا

قالَ رسولُنا نحنُ أولى بموسى *** منهم فصامَهُ شكراً للهِ تعبُّدا

فصار عاشوراءُ فضلاً ونوراً *** يُحيي القلوبَ ويَغسلُ الذنبَ غسلا

مَن صامهُ إيماناً يُجزَ مضاعفاً *** ويُرفعُ الدرجاتِ عِزّاً وسُؤددا

ذِكرى نبيٍّ صابرٍ قدوةٍ *** نستلهمُ الصبرَ منهُ رشاداً وسَدادا

✦✦✦

ألم تَرَ كيفَ نَجّى الرضيعَ *** في ضعفِهِ قَسوةً واشتدادا

وغَرِقَ فرعونُ في جَبروتِهِ *** أضلَّهُم عن الهُدى والرَّشدا

ففي القصصِ عِظةٌ للمُهتدي *** بأنَّ مَن يتوكَّلِ اللهَ سَعدا

كم من ضعيفٍ نصرُهُ مولاهُ *** حتى غدا للورى سِراجاً وهدى

والبَغيُ مهما طغى مصيرُهُ *** خُسرانُ دنياً وعقوبةٌ أبَدا

✦✦✦

فلا تغترَّ بالبغيِ وإن علا *** فاللهُ يمحو ظُلمَهُ ويمدُّ هُدَى

واصبرْ فإنَّ الصبرَ دربُ الفائزينَ *** يُورِثُ الأرواحَ طُهراً وسَعدا

والناسُ إمَّا ناجٍ بفضلِ ربِّهِ *** أو غارقٌ في الخسرِ قد أضلَّ سُدَى

شتَّانَ مَن هو في جهنَّمَ ثاوياً *** ومَن هو في الجِنانِ مُخلَّدا

واللهُ يقضي ويختارُ سِلاحَهُ *** وكُلُّ مَن في الكونِ له جُنداً

✦✦✦



1-    الأصل أن يقال "محمدٌ" أو "محمدٍ"، وليس "محمدا والشعراء الكبار استخدموا هذه الضرورة كثيرًا حفاظًا على القافية ، مثل قول امرئ القيس: كأنّي لم أركب جوادًا للذّةٍ *** ولم أتبطّن كاعبًا ذات خلخالا


orent

أبو عبد العزيز