الأربعاء، 10 يوليو 2024

كفكف دموعك

 


كَفْكِفْ دموعَكَ

أبا هابيل قد وترت بصارم **** مُذ قتل قابيل هابيل أخاه

ما كان أغناه من قتل أخ *** بسفك دم أفزَعَهُ فقدَهُ وأخزاه

هذا أبن أمك ما حفظت وده *** ولا راعيت أباك واحرَّ قلباه

يُبدي الندامة عَلى هابيلِ *** وقد أَفْنآهُ بالقتل عن أختاه 

أبان حُزناً وقد غاب عنه *** وأبكته وفاته بحجر رماه

يَبْكِيهِ غروب كل شمس *** أرى الحزن لا يجدي فقداه

بكى الليل وقد طال عليه *** حتى علا الحزن فيه بكاه  

كَفْكِفْ دموعَكَ ليس ينفَعُكَ *** البُكاءُ وَلا التوجَّعَ ولا ذكراه

أصبحت مثلٍ سائرٍ فينا *** جرت به الالسن والافواه  

قد جاريت إبليس في تيهه *** وكل قاتل جاء بعدك جاراه

فأشقى الناس منزلة من أتبع *** هواه وبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ

هي التقوى فلاحُ المرءِ دوماً *** فخير لباسِ المرء تقواهُ

تبارك إله الكون منه فضلاً *** يغمر من يحب أواباً دعاه

لعل الله يشمل قابيل عفواً *** فيُغفرُ له ذنباً جناه (1)

orent

ابوعبدالعزيز

 

 مدونتي الثانية :

https://orent2.blogspot.com/

مدونتي الاولى:

https://khdrees.blogspot.com/2014/04/blog-post_16.html


لعل الله يشمل قابيل عفواً *** فيُغفرُ له ذنباً جناه (1)

1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

المؤمن إذا أذنب كان لدفع عقوبة النار عنه عشرة أسباب

ثلاثة منه - وثلاثة من الناس - وأربعة يبتدئها الله-:

الثلاثة التي منه :

1- التوبة

2-  الاستغفار

3- ‌الحسنات ‌الماحية للسيئات

أما الثلاثة التي من الناس :

1- دعاء المؤمنين له

2- وإهداؤهم العمل الصالح له

3- ‌وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم

أما الأربعة التي يبتدئها الله-:

1- ‌المصائب المكفرة في الدنيا

2-  وفي البرزخ

3- وفي عرصات القيامة

4- ومغفرة الله له بفضل رحمته

وقال السيوطي وأما المؤمنون فلا يجزون بذنوبهم

إلا بستّة شروط وهي:

1- أن تكون ذنوبهم كبارا

2- وأن يموتوا قبل التوبة منها

3- وألا تكون لهم حسنات أرجح في ‌الميزان منها

4- وألاّ يشفع فيهم

5- وألاّ يكونوا ممن استحق المغفرة بعمل كأهلِ بَدْر

6- وألاّ يعفو الله عنهم

فإن المؤمن العاصي في مشيئة الله إن ‌شاء ‌عذّبه وإن ‌شاء ‌غفر له

******* 

نزول آدم وحواء إلى الارض

لم يرد في القرآن الكريم مكان نزول آدم وحواء على الأرض بشكل مباشر

وكذلك لم ترد اسماء قابيل وهابيل  

ولم يقُص القرآن الكريم عَلَيْنَا من أخبار السابقين إلا ما فيه العِبْرَة والمَوْعِظَة فقط  

ومن أسرار بلاغته التي يُراعي فيها مُقْتَضَى الحال فلا حاجةَ إلى سَرْدِ التفاصيل

والجزئيات التي لا يضرُّ الجهل بها قال تعالى:

}وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَر{..

ومع جمال الدقة في اختيار اللفظ وبلاغة التركيب في قصة نبأ بني آدم في القرآن

نجد مواطن العبرة في أخبارنا عن الامم الماضية لقص معرفتها التي تعتبر

من أقوى العوامل على رسوخ عبرتها في النفس

والقصة القرآنية تمثل هذا الدور أقوى تمثيل وتصوره في أبلغ صوره

وتأتي قصة ابني آدم في القرآن الكريم ضمن هذا الإطار

وهي تقريبًا شبيهة بما جاء في كتاب التوراة من حيث الاحداث لا من حيث البلاغة

الا أن كتاب التوراة قد حرف كما أخبرنا الله عز وجل في كتابه أن أهل الكتاب حرفوا التوراة والإنجيل وبدلوا كلام الله

فقال تعالى : ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )

وقال تعالى : ( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ )

تقول الرواية الاسرائيلية التي أحبط المفسرين في هذا المقطع

هو زواج قايين (قابيل) من امرأة من أرض نود

من أين جاءت هذه المرأة التي من أرض نود في شرقي عدن

إذ كان قابيل وتوأمته أَقْلِيمَا وهابيل وتوأمته لُبودا أول بطنين لحواء

ففي هذه المرحلة من السردية لا يوجد سوى ثلاثة أشخاص على الأرض

بعد مقتل هابيل

وسببه تحريف اليهود للتوراة كان في المعنى واللفظ

 إن مشكلة التحيز والموضوعية في كتابة التاريخ سلبت منها طابعها الإنساني

الشمولي ما جعل تفكير المؤرخ المعاصر ينصب حول إيجاد حلول

تصحح الرؤية و تنهض بالكتابة التاريخية الإسلامية

إلى مصاف الدقة العلمية والموضوعية

كما يذكر بعض المؤرخون أنه لم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على أن ذرية آدم عليه

السلام كانت محصورة في قابيل وهابيل فقط

وينقل العلماء أنه قد ولد لآدم عليه السلام أولاد كثيرون ومنهم تناسل البشر

وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن وذلك في قول الله تعالى:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

"ذُكر أن حواء ولدت لآدم عليه السلام عشرين ومائة بطن

أولهم قابيل وتوأمته قليما

وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث

وأما ابن إسحاق فذُكر أن جميع ما ولدته حواء لآدم لصلبه أربعون

من ذكر وأنثى في عشرين بطنا

وقال : قد بلغنا أسماء بعضهم ولم يبلغنا بعض" انتهى

وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم اليوم

وذلك أن نسل سائر ولد آدم غير نسل شيث انقرضوا وبادوا

فلم يبق منهم أحد فأنساب الناس كلهم اليوم إلى شيث عليه السلام" انتهى

وشيث هو ثالث أبناء آدم وحواء وأخ لقابيل وهابيل 

حيث الثلاثة وُلد شيث بعد حادثة مقتل هابيل

وشكرت حواء الله لأنه وهبها شيثًا بديلًا عن ابنها المقتول هابيل

أما المدة بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام عشرة قرون 

ورد حديث صححه بعض أهل العلم

عن أبي أمامه رضي الله عنه أن رجلا قال : (يا رسول الله ! أنبيٌّ كان آدم ؟

قال : نعم ، مكلَّم

قال : فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال : عشرة قرون) 

قابيل وهابيل 

إن اسماء قابيل وهابيل هما شخصيتان ذكرتا في العهد القديم

ولم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة

ولكنها ذكرت في بعض الآثار وكتب التفسير والأخبار وشروح الحديث

وهما أول ابنين لآدم وحواء

وقد جاز لنا أن نروي من الإسرائيليات ونأخذ منها ما لا يتعارض مع ديننا

فلا يزيد عليه ولا يضرُّه

ومن ذلك أسماء شخصيات بعض القصص التي لم ترد عندنا

مثل: قابيل وهابيل وغيرهما

وكان من قصّتهما ما قصَّ الله في كتابه الكريم

من قتل أبن آدم أخيه وسبب القتل هو الحسد

لأن الله قبل قربان أحدهما ولم يتقبل من الاخر

تذكر كتب التراجم  

أن حوّاء كانت تحمِلُ في كلّ بطنٍ توأماً من ذكرٍ وأنثى

فقد أنجبت حواء في بطنها الأوّل: قابيل وتوأمته أَقْلِيمَا

ومن ثمّ أنجبت في البطن الآخر: هابيل وتوأمته لُبودا

كان آدم يزوج ذكر كل بطن بأنثى الأخرى

وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل وكان أكبر من هابيل

 وأخت قابيل أجمل إذ كانت إقليما أجملُ من لُبودا

فأبى قابيل فأراد أن يستأثر بها لنفسه على أخيه هابيل

وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى

وبعد أن رَفَضَ قابيل الزّواج من أختِ هابيل

كان الحَكَمُ بينهما أن يقوما بتقديم قرابين لله تعالى

فمن يتقبّل الله منه قُربانه يكون الأحقّ بالزّواج من إقليما

فأمرهما أن يقربا قربانا

وكان آدم عليه الصلاة والسلام مباشرًا لتقربهما القربان

يذُكر أنّ قابيل كان يعملُ بالزّراعة وحراثة الأرض

أمّا هابيل فكان يعمل راعياً للغنم وإنَّهما أُمِرَا أن يُقرِّبا قربانًا

وإنَّ صاحب الغنم قرَّب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبةً بها نفسه

وإنَّ صاحبَ الحرث قرَّب أشرّ حرثه: الكودن والزّوان غير طيبةٍ بها نفسه

وإنَّ الله تقبّل قربان صاحب الغنم ولم يتقبل قربان صاحب الحرث

فتقبّل الله من هابيل لأنّه كان تقيّاً مُطيعاً لله سبحانه وتعالى

فذهب التقبل إلى هابيل دون قابيل

إذ لم يتقبّل من قابيل قُربانه

فأصبح قابيل ساخطاً رافضاً لأمر الله تعالى ولم يكُن من المُتّقين

فقال قابيل موجها كلامه لأبيه آدم عليه السلام :

إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي

انتقام قابيل من هابيل

توعد قابيل أخاه هابيل فيما بينه وبينه بالقتل

فرد عليه هابيل:

}لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ{

دل على خلق حسن وخوف من الله تعالى وخشية منه

وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله

فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي

فبعث آدم عليه السلام أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به

فلما ذهب إذا هو به فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني

فقال هابيل: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }

فغضب قابيل عندها وضربه بحجر التقطه من الارض فقتل هابيل

وهذا لحكمةٍ بالغةٍ لأن الذي تقبّل منه كان أهلًا لذلك

والذي لم يتقبّل منه لم يكن أهلًا للقبول لأسبابٍ اقتضت ذلك

فحمله البغي والحسد على قتل أخيه ظلمًا وعدوانًا

والله يُحبّ من عباده أن يتقرَّبوا إليه بالطّيبات لا بالأسوأ من أموالهم

قال عبد الله بن عمرو:

وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده

وهي أول جريمة قتل حدثت على وجه الارض

وقد قصَّها الله علينا في القرآن لأخذ العبرة والعظة

قال تعالى:

}وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}

بعث الله غرابين

أنه لما قتل قابيل هابيل حمله على ظهره سنة

وقال آخرون: حمله مائة سنة ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين

فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها

ثم ألقاه ودفنه وواراه فلما رأى قابيل الغراب يصنع ذلك قال:

يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي

ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه

قال تعالى:

(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَۚ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِيۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ 

 إن التاريخ هو الصراع  الممتد بين أهل الحق وأهل الباطل

وإن القصص القرآني التي تؤكد أن غايتها النهائية العظة والعبرة والتدبر

فتتلافى الأجيال اللاحقة مآل ومصير الأمم السابقة وهو ما يتجلى

في قوله تعالى:

(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)

وقوله تعالى:

(فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)

orent

ابوعبدالعزيز



.