الخميس، 21 سبتمبر 2023

الابتلاء نعمة من الله

 



القصص عن الابتلاء كثيرة ومتنوعة

سوف احدثكم عن قصة ليست من نسج الخيال بل حقيقة دون اضافة او نقصان

قصة أمراءه صابرة لم أنقلها من كتب السير والتراجم والاعلام

قصة واقعية لم ادرك وقتها لصغر سني معنى الابتلاء ومعنى الحرمان

هي قصة ابتلاء حقيقة عايشتها منذ نعومة اظفاري

أنقلها لكم وأن لكم فيها عبرة أيها المبتلون بمصائب الدهر

فيا أيها المبتلون الراضون الصابرون أبشروا برحمة ربكم وكرامته وحبه لكم

 فإن الله تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه فإذا صبر اجتباه

كما ورد في حديث عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم:

(وإياكم والجزع فإنه يحبط الأجر ويخرج المُبتَلى من دائرة الصبر)

وقد استعنت بأقرب الناس الى صاحبة تلك القصة

ألا وهي امي التي حدثتني عن شقيقتها المُبتلاه قائلة:

نحن ثلاث بنات وولدين

وكانت صاحبة هذه القصة اصغرنا سناً

عابده صالحة تقية وكانت تتقد حيوية وشبابا

حافظة حق ربها لا تدع فرضاً من صلاه إلا لعذر شرعي

متوقدة حماساً للدعوة الى الله

كانت دائمة النصح لمن حولها فالدين النصيحة

نشيطة في الدعوة مع انها في عصراً لم يكن مهيأ لها من الوسائل مثل وسائل الدعوة اليوم

لكنها تدعوا في محيط مجتمعها الصغير بما تعلمته من مشايخ الكُتًاب

وهي وسائل التعليم المتاحة في ذلك العصر

ومع ان العلم الذي تحصلت عليه قليل فقد بارك الله فيه وسدده

ولصدق نيتها وحبها لنشر سنة محمد صلى الله عليه وسلم 

فقد بارك الله في علمها وعملها

لأن الناس ينظرون إلى الإسلام من خلال من يدعو إليه

فإن كان قدوةً حسنةً في نفسه عملًا وقولًا فإن كلامه ينفذ إلى القلوب بدون أستاذان

لأنه قوله بمثابة الطبيب الذي يُشخِّص الداء ويصرف الدواء المناسب

تفضّل الله عليها بأن هيّأ لها تحصيل الأجور العظيمة التي لا تخطر على بال

بفعل عباداتٍ يسيرة لا يعجز عنها أحد الا وهي ذكر الله سبحانه

 فمَن ذكر الله مخلصاً في ذلك أكرمه الله بالثواب الكبير

وكانت صاحبة هذه القصة دائمة الذكر ومن شاهدها ذكر الله

فقد كمل الله خُلقها وخلقها

ووضع لها القبول في الارض عن أبي هريرة رضى الله عنه قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(إن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال :

إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء

فيقول: إن الله تعالى يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء 

ثم يوضع له القبول في الأرض)

كانت تخطب للزواج قبل اخواتها

ولصغر سنها كعادة اهل نجد في السعودية لا تزوج الصغيرة قبل الكبيرة

فكان يرد خطابها

تزوجن اخواتها قبلها ثم تزوجت هي من بعدهم

ولمحبة الله لها وقوة دينها فقد ابتلاها الله رفعة لمنزلتها في الاخرة

ففي الحديث الشريف

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم

فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط "رواه الترمذي

فقد تزوجت خالتي صاحبة تلك القصة برجل من معارفنا

ورزقت منه بثمانية اطفال ستة اولاد وبنتين

كان اول اولادها ولد سمته عبد المحسن 7 سنوات

ثم انجبت ولد آخر سمته عبد اللطيف 6 سنوات

ثم انجبت ولد ثالث أسمته علي 5 سنوات

عاش هؤلاء الاولاد الثلاثة معها وملآ حياتها بهجة وأنسا في كنف ابيهما

فكونا اسرة متحابة سعيدة متأملين في غداً جميل

ولكن الليالي حبلى بمصائب الدهر

ولان الله اختارها من خلقه وهيأها للابتلاء لمحبته لها ورفعة لمنزلتها في الاخرة

فقد ابتلاها الله بفقد هؤلاء البنين الثلاثة بمرض الجدري فماتوا جميعاً

الاول تلو الآخر لا يفصل موت احدهما عن الاخر إلا ايام معدودة

يتساقطون امام ناظريها وهي لا تستطيع ان تحرك ساكنا

ولا تستطيع ان تغير من الامر شيء

في ظل عدم تقدم الطب في المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت

لكنها لم تيأس وتقنط من رحمة ربها الذي وسعت رحمته كل شيء

وعاشت في ذلك البيت ولم تتركه

فكأني بها اذ تعيش فيه على الاطلال والذكريات

هنا مكان عبد المحسن وهذه العابه

وهنا مكان نوم عبد اللطيف وأخيه علي اللذان يتنافسان ويتسابقان للنوم فيه

ثم تتذكر كلامهم وأصواتهم وكأنه صدى يتردد في أرجاء المنزل

فتتذكر كيف كان عبد المحسن يحمل معها الاناء الذي تحلب فيه البقرة

وعبد اللطيف وعلي يلعبان ويدورون من حولها

يتراكضون في لعب بريء وهي تحلب تلك البقرة

ويخيل الي انه حتى البقرة ايضا افتقدتهم وافتقدت اصواتهم الجميلة

لقد كان اولادها لا يفارقونها ليل نهار ويملئون حياتها انساً وبهجة

فتسترجع شريط الذكريات المليء بالإحداث الجميلة لتلك الايام الخوالي

فتنسل دمعة من عينيها ثم تتذكر ما اعده الله للصابرين فتصبر

فتمسح تلك الدمعة وتحتسب ذلك عند الله

ولم تتوقف حياتها عند فقد ابناءها الثلاثة

بل انجبت بنتاً أسمتها لطيفه لم تعش طويلاً فماتت وعمرها ستة اشهر

ثم حملت بعدها بولد وولدته ميتاً

وبعد فترة من الزمن قدر الله وحملت بثلاثة توائم ولدين وبنت

اسمتهم حسن وعبد الرحمن والبنت اسمتها هيا

وجميعهم ما تو فحسن مات وعمره شهرين وعبد الرحمن مات وعمره ستة أشهر

والبنت ماتت وعمرها ثمانية أشهر

عند ذلك تمنت ان لو كانت عقيماً لا تنجب

فما فائدة انجاب اطفال ترى اعينهم وتشاهد حركاتهم وسكناتهم ثم يموتون أمام ناظريها

ولكنها تتدارك نفسها بالاستغفار ويعود لها إيمانها بالله

فتتذكر قول حبيبها محمد صلى الله عليه وسلم لأحد بناته عند وفاة ابنها حيث قال:

( إن لله ما أخذ وله ما أعطي وكل شيء عنده بأجل مسمي فلتصبر ولتحتسب)

 فصبرت واحتسبت ذلك عند الله

فبعد ذلك حلت بها مصيبة أخرى ليست كمصيبة الموت

أنما طلقها زوجها بسبب موت ابناءها 

وكأن الامر بيدها فما أقسى بعض الرجال

هل تسببت هي بموت اولادها وفلذة كبدها ؟

انه من صور الظلم المؤلمة من بعض الرجال

ومن شدة حزنها على وفاة اولادها وطلاقها

فقد كف بصرها من شدة البكاء والحزن على وفاة اولادها وطلاقها

وبعد ان كف بصرها وفقدها لأولادها وزوجها

ما العمل فهي امرأة فاقدة بصرها اذ كيف ستدير بيتها ؟

ومن الذي سيقبل بها مستقبلاً كزوجة تقوم بخدمته بكل اقتدار؟

ولكنها رضيت بقضاء الله وقدره وسكنت روحها وان الله لن يضيعها

اذ الله سبحانه يرزق من عصاه فكيف بمن اطاعه وأتقاه

لكنه الابتلاء الذي اراد الله به الرفعة لها والدرجات العلى في الجنة

فاختارت العيش عند أخيها الذي استقبلها وفتح لها بيته

وكان أنيسها بعد ان كف بصرها هو الراديو ( المذياع )

فهو رفيقها الوحيد الذي لم تستغن عنه 

فكانت دائمة الاستماع لإذاعة القران الكريم

الذي كان رفيقها الوحيد وجليسها بعد ذكر الله

وعاشت في بيت أخيها متنقلة بين اقاربها

لتؤنس وحدتها وتطرد عنها همها والمشاكل والازمات

والعجيب في الامر ان من يراها من النساء ويشاهد إشراقه وجهها

والابتسامة التي لا تفارق محياها يضن انها لم يمر عليها مصيبة قط

وأنها من اسعد الناس في هذه الدنيا وقد مرّ على تلك الحالة ثلاثين سنة

ولكن هيهات هيهات ان ينسيها ذلك مرارة فقد الابن والبصر والزوج

ثم قدر الله عليها وابتليت بمرض أشد فقد اصيبت بجلطة افقدها النطق

ولكن بمشيئته سبحانه يعود لها نطقها الطبيعي عند قراءة القران في الصلاة

وعند قولها اللهم صلي على محمد

تقولها صحيحة دون خطأ في النطق أو التباس على السامع

اما اذا تكلمت بغير هذه الكلمات وفي غير الصلاة لا يفهم منها شيء

وعندما لا يفهم المتلقي منها شيء تقول:

لا اله إلا الله

وسبحان الله

ويا ربي

فان الله انطقها تلك الكلمات لتزيد في رصيد حسناتها في الاخرة

تقول هذه الكلمات عندما لا يفهم المتلقي منها ما تريد قوله

ويستمر الابتلاء

وفي ذات يوم سقطت على الارض وأصيبت بكسر في الحوض

لازمت السرير بعده مدة ست سنوات

ثم اصيبت بغيبوبة وتوفيت بعدها رحمة الله عليها

فعمرها موزع كالآتي:

في سن الثامنة عشر تزوجت

وفي الخامسة والعشرين بدأ الابتلاء بموت اولادها الثلاثة

وفي سن الثلاثين طلقت وفقدت بصرها

وفي سن الستين فقدت النطق

وفي سن الرابعة والستين كانت طريحة الفراش دون حراك

وفي عمر ناهزت فيه السبعين توفيت رحمها الله وأسكنها فسيح جناته

وإني أنبه أخواني المبتلين هنا الى أمر مهم

هو ان الابتلاء رفعة لك ايها العبد المؤمن في الدنيا والآخرة

وأَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ"

وأن ما يصيب الإنسان وما يمر به من المصائب والبلايا

هو من قدر الله تعالى وقضائه

فيجب عليك ايها المبتلى أن لا تجزع منه ولا تسخط ولا تقنط من رحمة ربك

فعليك بالصبر والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى

فمن رضي فله الثواب الجزيل ومن سخط وجزع فله العذاب الاليم

والجزع وعدم الرضا بالقضاء منهي عنه من الشارع الحكيم

فسبحان من امتحن العباد بالابتلاء وصبرهم عليه

وسبحان من أثاب الصابرين بالمغفرة والإنعام بالجنة ودلهم اليه

orent
ابو عبدالعزيز


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق